المشهد فى القاهرة بعد منتصف ليل الأحد كان مختلفاً كثيراً بعد هدوء الأحداث نسبياً فى منطقة ماسبيرو، وللوهلة الأولى وأنت تمر فى شوارع القاهرة حينها تستعيد ذاكرتك أحداث ثورة 25 يناير، حيث انتشر عدد كبير من الشباب فى شارعى قصر العينى وامتداد رمسيس حتى منطقة غمرة مروراً بميادين التحرير وعبدالمنعم رياض والإسعاف ورمسيس وكانوا يمثلون جبهتين، الأولى مجموعة تنظم المرور وتحذر السيارات والمارة من الاتجاه صوب ميدان التحرير لوجود عدد كبير من البلطجية المسلحين بالشوم والأسلحة البيضاء يحطمون السيارات ويعتدون على المارة وهؤلاء هم المجموعة الثانية.
كانت البداية أمام مسرح السلام حيث استوقفنا مجموعة من الشباب وحذرونا من الاتجاه صوب التحرير، وقال لنا أحد الشباب ويدعى محمد باللفظ الواحد: «هناك مسيحيين فى التحرير يقطعون الطريق وسوف يستوقفونكم ويسألونكم (أنت قبطى) ويتأكدون من وجود الصليب على يدك ويدعونك تمر، أما لو كنت مسلماً - والكلام لمحمد - فسوف يحطمون السيارة ويقتلونكم»، وسلكنا شارع منصور من ناحية وزارة الداخلية وبعض الشوارع الجانبية إلى منطقة الفجالة، ومنها إلى المستشفى القبطى بغمرة الذى كان وجهتنا منذ البداية وكانت المنطقة حوله بمجرد وصولنا أشبه بميدان قتال، وكانت الأدخنة تملأ سماء المنطقة، وكان هناك أعداد كبيرة من الناس وأهالى المنطقة مجتمعين.
وقال شهود عيان لـ«المصرى اليوم» من سكان المنطقة: وجدنا أعداداً كبيرة من البلطجية تهاجم المنطقة وتحاول الوصول للمستشفى ومعهم شوم وأسلحة بيضاء، وفوجئنا بهم يحطمون السيارات وينظرون داخل السيارات، ولو وجدوا أى علامة تدل على أن صاحبها مسيحى يقومون بتحطيمها فهرعنا لنجدة المستشفى وتصدينا لهم بعد مواجهات دامية أسفرت عن وقوع عدد كبير جداً من المصابين، خاصة فى ظل توافد عدد كبير من الأقباط على المستشفى للتبرع بالدم والمساعدة فى نجدة المصابين بعد نقل أحداث ماسبيرو الدامية على شاشات القنوات الفضائية، ثم وجدنا عدداً كبيراً من البلطجية فوق كوبرى أكتوبر يقذفون الحجارة وقطع الأخشاب من فوقه باتجاه المستشفى وبعد نحو ساعتين من الكر والفر وصلت مدرعات الجيش ونجحت فى السيطرة على الموقف ولكن بعد سقوط عدد كبير من المصابين.
أمام المستشفى كان الحال لا يختلف كثيراً، كان عدد كبير من الناس متجمهرين وأبواب المستشفى مغلقة بالجنازير ومن خلف الشبابيك الخشبية القديمة لغرفة المشرحة فى الدور الأرضى والمغطاة بأعداد كبيرة من النمل الفارسى الضخم نجحنا فى تلصص بعض النظرات من خلف فتحات الشيش لنجد بعض الجثث ملقاة على الأرض ومغطاة بالأقمشة البيضاء وحولها أعداد كبيرة من الأهالى يصرخون ويبكون ويتوعدون الجيش بالانتقام، وقررنا دخول المستشفى بأى طريقة فصعدنا الباب الحديدى من الجهة الخلفية للمبنى القبطى العتيق وعبرنا من فوقه إلى داخل المستشفى ودخلنا إلى غرفة المشرحة، وكان المشهد رهيباً وموجعاً ومؤلماً والدماء والأشلاء تملأ كل مكان وكانت توجد ثلاجة موتى تتسع لثلاث جثث فقط وعلى بلاط الأرضية تراصت 11 جثة أخرى.
المشهد الثالث للأهالى داخل المستشفى وغرفة المشرحة فى الدور الأول كان عصيباً تماماً، فالكل يتوعد بالثأر ويتحدث مع جثة أبيه أو أخيه أو ابنه أو أحد أقربائه بأنه لن يترك حقه يضيع وسينتقم ممن أودوا به لهذه النهاية، وكانت هناك واحدة من السيدات توفى أخوها تقف على رأس جثته، بينما كان الرجال والشباب وكأنهم يجهزون للحرب ويعدون العدة وكان البعض يتصل بالهواتف المحمولة بذويهم فى الصعيد ويطالبونهم بالتسلح وتجهيز الأسلحة للانتقام.
الرصاصات الكثيرة التى كانت فى يد الشباب، سواء الفوارغ أو الرصاصات التى لم تطلق، كانت هى الأخرى سبباً لثورة الأهالى فى المستشفى وقال أحدهم: «بيضربونا بالذخيرة الحية كأننا يهود، الرصاص كله ميرى ومكتوب عليه ج. م.ع يعنى جمهورية مصر العربية (يرضى ربنا ده يا عالم)». وأضاف آخر: «شايفين صور المظاهرات من شبرا والقللى ورمسيس شايلين عيالنا الأطفال الصغيرين على أكتافنا، حد جاى يتخانق يجيب عياله معاه».