x

أمينة خيري فلسطين والعروبة والإسلامجية أمينة خيري الأحد 23-07-2017 20:37


فلسطين والعروبة والإسلامجية. لا يهم أيها يأتى أولاً. المهم أن ثلاثتها تخضع حالياً لعمليات هرس وهرى ودهس عاتية، ومكاشفة ومصارحة ومجاهرة صارخة، ومواجهة وملاسنة ومطاحنة هائلة.

وبصراحة شديدة، فإن الحادث من مطاحنات فى الثلاثية المشار إليها أمر بالغ الإيجابية. والمقصود بالإيجابية فى هذا الصدد ليس فرحة بما يحدث فى فلسطين أو بهجة لتعرى العروبة أو تقديراً لدور الإسلامجية، بقدر ما هى فرصة ذهبية ليتخلص الجميع من قيود العقل الباطن ومكبلات تذويق الكلام وتهذيب الآراء.

الآراء المعبر عنها والمكشوف عن مكوناتها التى ظلت حبيسة الصدور طيلة عقود فى شأن فلسطين وقضيتها المزمنة تقول الكثير وتخفف أعباء وأثقالاً لطالما زادت المشهد عتمة على عتمته الأصلية. المواقف التى يجاهر بها كثيرون حول ما يجرى فى المسجد الأقصى تكشف ما هو أبعد من شعارات ومواقف تربينا عليها، وترهيبات لكل ما يشذ عن القاعدة الشعارية تارة بالوصم بـ«بيع القضية» وأخرى بسب المجاهر بالاختلاف.

الأصوات المختلفة تتساءل هذه الأيام عن الأسباب التى تحول دون توجه جيوش مجيشة من «الإسلامجية» نحو القدس لتحريرها! وتستفسر عن الموانع التى تمنع الدواعش وأبناء عمومهم من الثأر لما يتعرض له الفلسطينيون من منع وقهر وما يتعرض له المسلمون من إذلال وهوان عبر سيطرة الصهاينة على المسجد الأقصى! أحدهم يقول إن «ملايين العرب مستاؤون من وجود إسرائيل من الأصل ويرون أن إبادتها واجبة. طيب وهى إسرائيل جت إزاى أصلاً؟! وكيف تم السماح لها بتأسيس دولة؟! ولا تقل لى قوى أجنبية غربية فقط. هناك قوى داخلية وداخلية جداً ساهمت فى ولادة دولة إسرائيل. كفانا خداعاً».

ومن الخداع الذى يجاهر به البعض إلى السؤال فى التاريخ. أحدهم يسأل: «من يوم ما سمعنا عن فلسطين وهى تحت انتداب، آخرها الانتداب البريطانى الذى سلمها لإسرائيل. والانتداب البريطانى تسلمها من الدولة العثمانية وهلم جرا»! وثالث يطرح استفساراً ذا طابع استنكارى: «أين ذهبت جموع واقدساه واإسلاماه؟ وما مآل الآلاف التى خرجت خلف صفوت حجازى أثناء جولاته الترويجية المتأسلمة للدكتور محمد مرسى قبل الانتخابات الرئاسية وهى تهتف وراءه: (على القدس رايحين شهداء بالملايين)»؟

وهناك من سهل المسألة وبلور الحلول وقال: «فى ميكروباصات بتروح العريش، ومن هناك تأخد أى مواصلة للقدس، تحررها وتتبسط وتنك راجع»!

هل هو رجوع عن تأييد فلسطين وقضيتها وقضية العرب والدفاع عنها؟ أم هى مكاشفة الذات بحقيقة القدرات؟! ولماذا يا ترى خفت حدة الانتقادات التى وصل بعضها حد التجريح والتخوين والتى كانت توجه لمصر متهمة إياها بالتقصير فى حق القضية؟! وهل يعود ذلك ربما بسبب العلاقات المتينة والأكيدة والصريحة التى بات معروف أنها تربط دولا عربية محورية عدة وإسرائيل، ما يعنى أن الاستمرار فى سب مصر ولعنها ربما يحرج هذه الدول؟! أم يكون ذلك نابعاً عن تفرغ الإسلامجية لتفخيخ بقية المسلمين وتفجيرهم وعدم وجود وقت فراغ يتيح لهم تفجير الصهاينة وإلقاءهم فى البحر؟!

بحر الإسلامجية هائج وعميق. والإسلامجية لا يقتصرون فقط على الدواعش والإخوان وأبناء عمومتهم. فهناك إسلامجية كيوت آند لافلى. لا تظهر عليهم الأعراض واضحة، لكنهم يزجون بكلمات الإسلام والغيرة على الدين وغياب النخوة الإسلامية وشيوع الهوان فى قلوب المتدينين فيما يختص بالقدس. يجد أولئك أنفسهم فى سلة واحدة متأرجحة بين أسباب عدم التوجه عبر الأنفاق لدك إسرائيل على رؤوس الصهاينة القتلة أو على الأقل تنظيم وترتيب وتكتيك كوكبة من العمليات التفجيرية التفخيخية كتلك التى تسقط شهداءنا فى شمال سيناء وغيرها من المناطق التى يرتادها الباحثون عن تطبيق الشريعة ونصرة الدين الإسلامى من جهة. أما الجهة الأخرى والخاصة بالإسلامجية المقنعين خلف الواجهة الكيوت، فهى أسباب استثناء المسيحيين من القضية!

المسيحيون المجاهرون والمستاؤون والمتسائلون هذه الأيام عن أسباب إبعادهم عن القضية الفلسطينية عبر توأمتها والإسلام والمسلمين لهم كل الحق فى الحصول على إجابات مقنعة. أحدهم تحدث بمرارة عن إشادة وجهها له أصدقاء مسلمون أبدوا تعجبهم من موقفه المناصر لحق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة وحياة كريمة «رغم إنه مسيحى»! وهو رد عليهم بكل بساطة وسهولة ويسر: «مسيحى لامؤاخذة بس كمان عربي».

وهنا يقفز الضلع الثالث، ضلع العروبة الميتة إكلينيكياً منذ زمن طويل رغم رفض أبنائها وأقاربها الاعتراف بموتها. الإيجابى أيضاً فى المصارحات والمجاهرات الآنية هو الربط بين الجهود الناجحة التى قام بها الإسلامجية منذ زمن بالعروبة بالتأسلم بيد (حيث الوجه الآخر للعربى هو المسلم فقط لا غير) وسبها ولعنها باليد الأخرى باعتبارها مناهضة للدين مناقضة للتدين. فإما أن تحب وطنك ومنطقتك أو أن تحب دينك ومشايخك. الاثنان دونت ميكس.

ونحمد الله عز وجل أن مفتى الديار المصرية فضيلة الدكتور شوقى علام أفتى قبل أيام بأنه لا تعارض بين محبة الوطن والدين!!!

وعودة إلى مكاشفات ثالوث فلسطين والعروبة والإسلامجية والتى تعد المجاهرة بها (حتى وإن جاء بعضها صادماً أو حتى خاطئاً) فى حد ذاتها خطوة مهمة على طريق الإصلاح إن شئنا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية