x

أمينة خيري لعنة الشاشات المتطابقة أمينة خيري الأحد 09-07-2017 21:30


ملايين المصريين تنفسوا الصعداء حين وجدوا صدى صوتهم يتردد ولو بعد سنوات. سنوات، يقول البعض إنها أربع ويشير البعض الآخر إلى أنها أكثر من ذلك بكثير، ذاقت فيها مصر الأمرين. حرب إطارها إعلام حر حيادى موضوعى ينقل الخبر وقت حدوثه وقلبها هدم على نيران هادئة، وهو نوع من الهدم الساكن الهادئ غير المباشر الذى لا يشعر به أحد لكنه يباغت الجميع بتمام اكتماله فى موقف أو أزمة أو ثورة.

ثورتا مصر الأحدث (25 يناير و30 يونيو) كشفتا النقاب عن أذكى وأشطر وأمهر وأحذق حروب الإعلام التى صرعتنا عن ظهر قلب. نعم حرب «الجزيرة» وأخواتها وأبناء عمومها فى العالم العربى وغيرها فى العديد من دول المعمورة انتهت فى جولاتها السابقة «عشر ومية» لها وصفراً لنا. صفرنا أسبابه معروفة لكل ذى عينين إعلاميتين. فهناك القوالب الثابتة الجامدة الميتة المتحجرة التى نصر عليها إصراراً مقيتاً، سواء فى قنوات ماسبيرو الميتة إكلينيكياً منذ زمن، أو تلك الوليدة الخاصة التى شهدت محاولات نهضة عدة وجهود صحوة كثيرة لكن أحدهم صرعها أخيراً!

أما نجاح «الجزيرة» وأخواتها فأسبابه تستحق أطروحة دكتوراه. وعوامل تغلغلها كمؤسسة إعلامية معتبرة فى الشرق والغرب تستلزم البحث والتفكير. ودوافع الدفاع عن وجودها والإبقاء على أثيرها تستوجب الفهم والاستفادة، شرط أن يجرى كل ما سبق بهدوء (لكن بسرعة)، وبتعقل (دون هرى).

فى أمريكا ولبنان، وكذلك فى بريطانيا والإمارات، والدنمارك وفرنسا ودول أخرى كثيرة قابلت على مدار العقدين الماضيين أشخاصاً من مناحى الحياة المختلفة وجنسيات متعددة. بعضهم إعلاميون، والبعض يعملون فى مؤسسات معنية بحرية الصحافة والتعبير، ومنهم من يعمل فى جهات حكومية أو شركات خاصة، والبعض الآخر لا يمت بصلة للإعلام، لكن السمة الغالبة كانت إشارة إلى الجزيرة (سواء العربية أو الإنجليزية) باعتبارها الوسيلة الإعلامية التى تمدهم بأخبار وتحليلات «يفهمونها» عن المنطقة العربية. والمقصود ب«يفهمونها» هنا ليس اللغة بقدر ما هو العقلية والوسيلة والطريقة التى يتم تقديم الأخبار بها وعرضها وتحليلها. ولنا فى ما نطل به على العالم من مواد تليفزيونية أو إذاعية باللغتين الإنجليزية والفرنسية نموذج علينا ألا نحذو حذوه.. لماذا؟ الإجابة سهلة وبسيطة. تخيل لو قمنا بترجمة كلمات أغنية مثل «روحه السمحة أدب ومصالحة. صافى القلب ياكفر مصيلحة. مش متكبر ولا متجبر. هادى وأبسط خلق الله. علشان كده إحنا اخترناه. علشان كده إحنا اخترناه» إلى الإنجليزية والفرنسية، هل سيفهم المواطن البريطانى أو الكندى أو الأسترالى أو الأمريكى أو الفرنسى أو السويسرى المقصود؟! أغلب الظن- إلا لو كانت له أصول ضاربة فى بلاد العرب- فإنه سيضرب لخمة، ويفشل فى فهم الرسالة. صحيح أنه سيفهم الكلمات لكن المعنى سيبقى مبهماً.

ما يقدمه إعلامنا هو إبهام. فعلى مدار عقود ظلت نشرات أخبار قوامها «التقى الزعيمان على هامش القمة وتباحثا فى شؤون البلدين» أو «تلقى القائد مكالمة هاتفية واتفقا على التعاون» أو «وتناول اللقاء التعاون المشترك (رغم أن كلمة تعاون تعنى بالضرورة مشاركة) بين البلدين»، وكذلك برامج تحليل لا تخرج عن إطار التعليل والتبرير، وملاحم «توك شو» تحولت إلى «وان مان شو» حيث المذيع الواحد يستعرض رأيه وموقفه وتحليله وتعليله وتبريره أو انتقاده ومعارضته هو شخصياً لشؤون المجرة.

وأغلب الظن أنه لم يطرأ على بالنا أننا سنحتاج تغيير دفة الإبهام إلى المهنية والموضوعية وتكوين الرأى العام بحرفية فى يوم ما. وحين استيقظنا ذات صباح على فقداننا مصداقيتنا أو مكانتنا الإعلامية فى الداخل والخارج عملنا نفسنا مش شايفين. حتى بعد ما أثمرت جهود «الجزيرة» وأخواتها ثمارها المنتظرة بعد سنوات، وباتت فى نظر الغرب وجانب من الشرق المهنية كما ينبغى أن تكون، والمصداقية كما عليها أن تكون، والرأى والرأى الآخر والتعددية كما هى واردة فى كتاب «أصول العمل الإعلامى»، كنا قد غرقنا فى أحداث الثورتين وما بعدهما.

وبعد أن لاحت فرصة فى الأفق لتعديل أوضاعنا الإعلامية وترميم ما أصابها فى الداخل من غرق فى الوعظ والإرشاد تارة، والتعبئة والتوجيه تارة، والتلاعب بالرأى العام بفجاجة المصالح تارة ثالثة، وفى الخارج من فقدان مكانة شبه تامة حولناها نقمة. نقمة الشاشات المتطابقة تسير بنا فى اتجاه معاكس لما نبتغى. وسيظل نجاح شاشات الأعداء التى تحرض على قتلنا وتعمل على هدمنا ولا تتوانى عن وصمنا بما فيها من خيانة وعتامة شاهد عيان على إصرارنا على الفشل، فهل من مخرج؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية