«طهّرى قلبكِ حتى يطيب لسانكِ، فلسانكِ جوهرٌ وجوهرة، وهمزة الوصلِ بينَ روحِ من تحبينَ وجسَدِه، لأنّه يترجمُ حالكِ، ويكتبُ قلبكِ، ولا خزائنَ تُفتَحُ إلا بمفتاحِه واعلمى أنّ لا عِشقَ يتِمُّ لمتحوّلٍ قَلّاب، ولن تثبتَ لكِ قدمٌ دونَ أن تفيضَ روحُ جسَدِك، واعرُجى إلى سمائِكِ الأخيرة، عندما تكونينَ معَهُ، لا تَستَحى من فعلٍ خطَرَ لكِ، لا تَخجَلى من واردٍ جاءَكِ، أو حُلُمٌ أيْقَظَكِ، كونى نفسَكِ لا تُقَلّدى، تَجرّدى من شَواغِلِكِ، اخلعى الدّنيا عنكِ، واذهبى معهُ عاريةً إلّا منه».
هذه مقتطفات من كتاب الشاعر أحمد الشهاوى، «الوصايا فى عشق النساء» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية فى 2003، فى نصوص روحانية ذات مذاق صوفى يمتزج مع ما هو دنيوى وجدانى مع ما هو حسى، ويمضى على نهج أسماء صوفية كبيرة فى رحلة عشقهم أمثال الحلاج وابن عربى وابن الفارض والسهروردى ورابعة العدوية وابن حزم وجبران خليل جبران، خاصة فى كتابه «النبى»، ما يمثِّل إحياء لجنس أدبى عريق، وهو أدب أو فن الوصية، وفن كتابة الوصايا ذو الشكل الفنى اللغوى الصوفى الروحانى والحسى، ويحرض فيه الشهاوى على العشق، والبوح والانتحار عشقًا حيث العاشق شهيد، ويعرض للعشق الذى هو التزام وحب أبدى بقلب صابر، لأن ساكن القلب لا يبتعد مهما نأى، ما دام حضوره صاخبًا فى القلب، وحيث لا حياة لامرأة إلا بالعشق، كما أنها أرض خصبة للعاشق، بلا أسوار ولا أسيجة، تهب نفسها بشرط وحيد، شرط العشق الذى يطلب منها إلغاء العقل والمنطق، يطلب منها ألا يكون لهما من بوصلة فى الحياة غيره، كونى نفسك لا تقلِّدى، تجرَّدى من شواغلك، اخلى الدنيا عنك، واذهبى معه عادية إلا منه.
والذات الأنثوية فى كتاب «الوصايا فى عشق النساء»، هى النور الذى يقبض على نفس العاشق، ليرى ما خلف الحجب وليتوحد مع ذاته ويعلو روحا وجسداً، وتتجلى الذات الأنثوية للعاشق فى الأسماء والصور حتى يتحد بها ويحدث الحلول، فالذات الأنثوية هنا هى اليقين والحقيقة، والعشق هو خلاص الروح ولا بداية له ولا نهاية، وهو عشق متأجج دائمًا كالنار مضيئًا كالنور.
وحين نُشر هذا الكتاب أثار حفيظة إسلاميين وفى نهاية عام 2003، حين وجَّه النائب الإخوانى مصطفى محمد مصطفى سؤالاً برلمانيًّا إلى رئيس مجلس الوزراء الدكتور عاطف عبيد، وقتها، عن أسباب إنفاق الدولة على كتابٍ يستهين بالدين ويستفز مشاعر المسلمين، وطلب المجلس من وزارة الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب إعادة قراءة الكتاب وإعداد تقرير عنه، وأعلن رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، وقتها، الراحل الدكتور سمير سرحان أنه تم سحب الكتاب وإحالته إلى لجنة القراءة. وبعد أقل من 24 ساعة من قرار سرحان، سحب الكتاب، وبعدها عاد وأعلن إعادة الكتاب مجدَّدا إلى الأسواق، معلنا أن لجنة القراءة اعتبرت أن الكتاب «لا يحوى أى شبهة إساءة للدين أو استفزاز لمشاعر المسلمين»، وأن كل ما ورد من بعض ألفاظ «هى عبارات متداولة فى اللغة العربية، وأن ما ورد فى الكتاب من نصوص قرآنية هى ثلاث آيات قصيرة موضوعة بين علامات التنصيص ولا تختلط بالنص الأصلى، وأن الكتاب هو نص أدبى رفيع المستوى يستخدم المجاز والخيال والإبداع الشعرى».
إعادة طرح الكتاب فى الأسواق للتداول بناء على ما جاء فى تقرير اللجنة التابعة لوزارة الثقافة لم يثن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر عن رغبته وعزمه الأكيد والواضح فى ملاحقة الكتاب ومصادرته، وإثر اجتماع عقده المجمع برئاسة الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر، آنذاك، ووفق تقرير أعدته لجنة من علماء الأزهر فحصت الكتاب، طالب المجمع الجهات المختصة بسرعة جمع النسخ الموجودة فى الأسواق قبل أن تصل إلى أيدى الناس، مؤكدا أن الكتاب «يسىء إلى الدين ويتنافى مع الأخلاق».