بلاشك أن حصد البطولات هو أهم ما يضاف للسيرة الذاتية لأى لاعب خلال مسيرته الكروية، ويوطد علاقته بالجماهير، ويسهم في شعبيته بشكل كبير، خصوصا إذا كانت البطولة ترتبط باسم منتخب بلدك الذي تنتمى إليه وتحديدا إذا جاء حصد اللقب بعد سنوات عجاف كان فيه المنتخب الوطنى متخبطا ولم يحقق إنجازا كبيرا منذ أن تأهلنا إلى مونديال 90.. وهذا ما حدث معى في بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت ببوركينا فاسو 98 التي حصد المنتخب لقبها بعد غياب 12 عاما عن آخر لقب أفريقى حققه المنتخب في البطولة التي أقيمت في القاهرة عام 86.. وشاءت الأقدار أن يكون الرجل الذي قاد المنتخب لأكبر إنجاز تاريخى بالتأهل لمونديال 90 هو نفسه الذي يقود الفريق إلى لقب أمم إفريقيا 98 وهو الجنرال محمود الجوهرى، والذى تحدثت عنه في حلقة سابقة، وأكدت مدى دقته وعشقه لعمله ولكرة القدم ورغبته في تحقيق النظام داخل وخارج الملعب، وهى الدوافع والأسباب الحقيقية التي دفعتنا لحصد لقب أمم إفريقيا 98،
فضلا عن ذكائه الشديد ودهائه في التعامل مع الآخرين لدرجة أننى لم أنس التصريحات الإعلامية الشهيرة التي أطلقها «الجوهرى» قبل البطولة عندما أكد أن المنتخب سيحتل المركز الـ13 في البطولة، وهو ما أصاب الرأى العام بصدمة، ووجهوا انتقادات للجوهرى لا يتحملها أحد.. لكن المدير الفنى لم يكترث بها كثيرا وكانت تزيده إصرارا في تحقيق شىء للكرة المصرية.. وأذكر أنه اجتمع باللاعبين قبل السفر إلى بوركينا فاسو، وقال لنا: «أنا شيلت من عليكو كل الضغوط وبلغت الصحفيين إننا مش رايحين ننافس على البطولة لكن أنا مش هاتنازل عن اللقب».. وساعد على ذلك أننا حققنا نتائج إيجابية خلال مباريات التصفيات المؤهلة للبطولة، وتمكنت من تحقيق لقب الهداف، رغم أننى كنت ألعب في مركز صانع الألعاب، لكننى سجلت أربعة أهداف خلال مشوار التصفيات، منها 3 أهداف في مرمى ناميبيا في المباراة التي فزنا فيها بنتيجة 7-1، وهدف في مرمى السنغال في المباراة التي أقيمت باستاد الإسكندرية، وكانت من المباريات التي كان يجب الفوز فيها حتى نضمن التأهل للبطولة بعد أن تلقينا هزيمة من المغرب في بداية مشوار التصفيات بهدف مقابل لا شىء لنجم الكرة المغربية بصير صلاح الدين.. وأذكر أن الهزيمة من المغرب كانت بسبب الإرهاق الشديد الذي عانينا منه نتيجة مشقة وطول السفر من كوريا الجنوبية التي كنا نشارك فيها في بطولة ودية حتى وصلنا إلى المغرب وكنا في غاية الإجهاد وقتها.. كما أذكر أن المنتخب خلال تجمعه في المعسكر الأخير قبل السفر إلى بوركينا فاسو كان يواجه انتقادات لاذعة بسبب اختيار الجوهرى لحسام حسن، لاعب الأهلى في ذلك الوقت، لعدم إجادته في تلك الفترة خلال مباريات الدورى الممتاز، إلى جانب عدم توفيقه في دورة تايلاند الودية التي شاركنا فيها وحصدنا خلالها المركز الثانى، ووقتها تعرض حسام حسن لانتقادات لاذعة لدرجة أن إحدى المجلات الرياضية الشهيرة أجرت استفتاء بين المواطنين على إمكانية اعتزال حسام حسن من عدمها قبل السفر إلى البطولة وبعد اختيار اللاعبين.. ووقتها انفعل حسام حسن داخل المعسكر وقال: «كيف يمكن لربة منزل أن تحسم مصير اعتزالى من عدمه؟!»، باعتبار أن الاستفتاء لم يقتصر على خبراء الكرة وإنما شمل أيضا ربات البيوت ومن ليس لهم علاقة بكرة القدم.. لكن الجوهرى وبقية اللاعبين طالبوا حسام حسن بالصبر وعدم الرد إلا بعد البطولة، لكن المواقف الطريفة التي لن أنساها أننى تسببت في إزعاج للجنرال محمود الجوهرى عندما وصلنا إلى بوركينا فاسو عندما أحضرت معى لعبة «البلاى ستيشن» من إيطاليا وكانت هي الوسيلة الترفيهية الوحيدة التي كنا نقضى فيها أوقات فراغنا بعد المعسكرات والمحاضرات الطويلة، حيث كنا نعيش أوقاتا صعبة للغاية بسبب سوء الإقامة التي سأتحدث عنها في حلقة الغد، وسأروى لكم الخلاف الكبير بين اللاعبين ومحمود الجوهرى، ولماذا انفعل علينا قبل خوض أولى مباريات البطولة، وكيف دفعنا للتغلب على سوء الإقامة؟!.. لكن الجوهرى دخل علينا في غرفتى أثناء تجمع عدد كبير من اللاعبين، وكان الجنرال لا يفضل تجمع اللاعبين في مكان واحد، وطلب أن أتحدث معه بشكل فردى، وقال لى: «إنت عملى مشكلة باللعبة اللى إنت جايبها دي».. وقلت له «يا كابتن مافيش حاجة إحنا بنتسلى».. وكان في لعبة البلاى ستيشن بعض الألعاب التي قمت بتجربتها في مباريات البطولة، وكان إحداها الكرة التي سددتها من فوق حارس موزمبيق وتابعها حسام حسن مسجلا الهدف الثانى في مرمى المنافس، وخرجت بعد المباراة أبلغت الجوهرى بأن اللعبة التي نفذتها في المباراة تعلمتها من «البلاى ستيشن»، وأكد له اللاعبون الذين كانوا معى ذلك.. فضحك الجنرال وقال لى «خلاص ياحازم طالما البلاى ستيشن هيساعدك على التألق يبقى كمل لعب في البلاى ستيشن».. وهذا هو الفارق بين مدرب يعرف كيف يتعامل مع اللاعبين وينفذ لهم ما يرغبون ولا يضغط عليهم وبين مدرب آخر يدفع اللاعبين لعدم تحمل صعوبات ومشقة البطولات الإفريقية.. وما لا يعرفه أحد أننا كنا نواجه ظروفا صعبة خلال البطولة، تغلبنا عليها بفضل قيادة الجوهرى.. سأتحدث عنها غدا.