x

عبد الناصر سلامة هـذه ليـست مصـر عبد الناصر سلامة الإثنين 12-06-2017 21:59


توقفت أمام خبرين أراهما يوضحان كيف أصبحنا فى المرحلة الراهنة، الأول منهما يضاف إلى قائمة قراراتنا الهزلية، ذلك القرار الذى أصدرته مديرية الأوقاف بمحافظة البحيرة، والذى يتضمن تغيير أسماء ٢٤ مسجداً أقامها مواطنون قطريون هناك، هذه المساجد التى أقامها أصحابها كصدقة جارية لآبائهم أو أمهاتهم، ربما أقام أصحابها أكثر من مسجد فى أكثر من دولة لنفس الغاية، وهى فعل الخير من خلال الصدقة الجارية، ذلك أن بلدانهم لم تعد تستوعب مثل هذه الصدقات، ذلك أن عدد السكان هناك ضئيل جداً بالمقارنة بعدد المساجد.

فكرة بناء المسجد الخيرى عموماً تبدأ من البحث عن بلد أو قرية تعانى ندرة المساجد، لا الدولة المصرية أصبحت تنشئ مساجد، ولا أهالى القرى يستطيعون مجرد شراء الأرض المطلوبة، يبدو أن جميع المساجد المستهدفة تقع فى مركز أبوحُمُّص، بما يشير إلى أن هناك فى قطر عمالة مصرية من ذلك المركز هى التى تقوم بتوجيه فاعلى الخير إلى قُراهم بمصر كما جرت العادة دائماً، إما من خلال الاتصال المباشر معهم، أو من خلال الجمعيات الخيرية هناك والتى تتلقى مثل هذه الطلبات.

هذه المساجد وغيرها لمن لا يعرف، ليس لأحد علاقة بها سوى وزارة الأوقاف، بُناتها اختفوا منذ افتتاحها وإلى الأبد، وربما لم يروها أصلا، ذلك أنها تدار من خلال الأوقاف كغيرها من مساجد الجمهورية، حيث تعيين الإمام والخطيب والعمالة وكل شىء، وهو الأمر الذى يجعل من مجرد وضع لوحة على حائط المسجد تتضمن بيانات وتاريخ الإنشاء واسم المتبرع أمراً طبيعياً ولا طائل من ورائه سوى المصداقية، حتى لا يتم تزييف التاريخ مستقبلاً كما يجرى الآن، بنزع هذه اللوحات.

وكيل وزارة الأوقاف بالبحيرة لم يخجل، أعلن ذلك صراحة، قال إنه تم تشكيل لجنة من إدارة أوقاف أبوحمص، ضمت مدير الإدارة، ومفتش المساجد، والإدارة الهندسية، والتفتيش، والمتابعة، لإزالة اللافتات التى تحمل أسماء قطرية واستبدالها بأخرى، الأكثر دهشة أن نائبة بالبرلمان قالت إن هذا القرار خطوة على الطريق لتقليص النفوذ القطرى داخل مصر!! (آى والله)، وقالت إن محافظة البحيرة بها أكثر من ٧٠ مسجداً تحمل أسماء مشايخ وسيدات قطريين.

بالتأكيد لن يندم من قاموا ببناء هذه المساجد على خير فعلوه، ذلك أن ثواب الصدقة الجارية لا يتوقف على اللوحات وما هو مدون عليها، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا تتم الموافقة لأجانب كانوا أو عرباً على القيام ببناء مساجد داخل المحروسة مادام ذلك يمكن أن يجلب العار يوماً ما؟!، والسؤال الأكثر شططاً: لماذا لا تنتفض كرامتنا ونقوم بهدم هذه المساجد لبناء غيرها على نفقة الدولة، تصحيحاً للخطأ إذا كان تصريح البناء قد صدر فى غفلة من الزمن؟!.

الخبر الآخر، هو ذلك المتعلق بتوجه عدد من القوى السياسية المصرية، (كما تسمى نفسها) إلى مقر الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) بسويسرا، لتقديم طلب عاجل لسحب تنظم مونديال كأس العالم ٢٠٢٢ من قطر، بجانب تنظيم وقفة احتجاجية لهذا الغرض، لنا أن نتخيل إلى أى مدى وصل الهراء الذى لم يعد يتوقف على المستوى الرسمى فقط، وكأننا كنا نعيش حالة من الغم والهم نتيجة استضافة قطر لكأس العالم مثلاً، وما إن حانت فرصة أو ثغرة للطعن وإخراج ما هو مكنون فى الصدور إلا وانتهزناها على أكمل وجه، بدلاً أن نفخر باستضافة دولة عربية لذلك الحدث الرياضى الأهم عالمياً، والذى فشلنا باقتدار فى تحقيقه ذات يوم.

الخبران يؤكدان أمراً مهماً، وهو عدم إدراك أن هناك فى العلاقات الدولية ثوابت وهناك متغيرات، والفارق بينهما كبير، وأن الثابت عادةً فى مثل هذه العلاقات هو الصداقة والتعاون، أما الخلافات فهى متغيرة وطارئة ولا تستمر أبداً، بدليل هذه الأزمة السياسية التى تعيشها المنطقة الآن تحديداً، فقد تم تبديل المواقع بحيث أصبحت المقاومة الفلسطينية ممثلة فى حركة حماس إرهاباً، لصالح إسرائيل العدو التاريخى المحتل للأرض حتى الآن، كما أصبحت العلاقات مع إيران محفوفة بالمخاطر فى الوقت الذى توجد فيه علاقات دبلوماسية وشعبية واقتصادية وتجارية على أعلى مستوى بين دولة الإمارات مثلا وإيران.

الأمر الآخر وهو الأهم هو أننا ننسى دائماً حجم مصر، وكم هى كبيرة فى محيطها، وكم أن دورها فى الماضى كان لم الشمل وليس تمزيقه، ولماذا أصبحت ذات يوم أُم الدنيا، وكيف أصبحت الآن ولماذا؟، وكيف أن قراراً كهذا المتعلق بالمساجد ينال من حجم مصر الكبير، كما أن ممارسات كتلك المتعلقة بالتوجه إلى الفيفا تؤكد إلى أى مدى كان الانحدار والانهيار، إلا أن الغريب هو أن يكون الانزلاق إلى مثل هذه الحالة رسميا وشعبيا فى آن واحد، وهو ما يؤكد أن الحالة أصبحت نشازاً من كل الوجوه، وأن هذه التى بين أيدينا ليست مصر أبداً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية