بصراحة، الضابط أفيخاى أدرعى، الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى «هايشلّنى»، يعنى هايجيب لى شلل، لا يترك مناسبة أو غير مناسبة، عربية أو إسلامية، إلا ويطل علينا بما لذ وطاب من جُمل وألفاظ ومصطلحات، وتهانٍ وتبريكات، تحمل من الود والألفة والمحبة للعرب أجمعين ما لا تحمله رسائلهم لبعضهم البعض، فى الوقت نفسه تكون قوات الاحتلال تُمارس هواياتها بقتل فتاة فلسطينية، أو اعتقال أحد الصبية، أو هدم أحد البيوت، أو حتى اعتقال أحد المسنين، وما هو أكثر من ذلك بإقرار بناء مزيد من المستوطنات، أو عقد اجتماع الحكومة للمرة الأولى فى تاريخها داخل أنفاق حائط البراق، ضمن مخططات تثبيت احتلال المسجد الأقصى.
فى عيد الفطر يحث أفيخاى أدرعى المسلمين على التزاور وصلة الرحم، فى عيد الأضحى يحثهم على الذبح والأضاحى، فى المولد النبوى يتحدث عن حلاوة المولد كما لو كانت اختراعا إسرائيلياً، فى العام الهجرى يطلب من المسلمين التأسى بخطى الرسول عليه الصلاة والسلام، وتذكيرهم بأن الاتحاد قوة، ومع بداية شهر رمضان ينشر صوراً على مواقع التواصل الاجتماعى وهو يتناول طعام الإفطار مع الجنود العرب بالجيش الإسرائيلى، مع التركيز على التمر والكنافة والقطايف وما شابه، ثم صوراً أخرى للسحور مع التركيز على الفول والزبادى وما شابه أيضاً، وهكذا الحال إلى أن أصبح أفيخاى جزءاً من الاحتفالات العربية والتهانى والتبريكات التى نادراً ما نسمعها من مسؤولينا بهذه الحفاوة أو هذا الفهم الدقيق لكل مناسبة على حدة.
كل ما سبق قد يكون أمراً عادياً، يندرج تحت طائلة الكُهن اليهودى، أو على الأقل تحت عناوين تتعلق بالسياسة الإسرائيلية من خلال شؤون معنوية حقيقية تعى ما تفعل، إلا أن ما ليس عادياً هو ما فعله أفيخاى أخيراً، فقد دعا كلاً من السعودية والإمارات وقطر ومصر إلى تقوى الله فى رمضان على خلفية الأزمة السياسية بين هذه الدول التى لم يُسمها صراحةً، ألا أنه قال فى تغريدة على تويتر: اتقوا الله «على الأقل» فى رمضان، وهو ما حدا بالمتابعين العرب إلى الرد عليه بردود متفاوتة، تارة تؤيده بقولها: (معك حق)، وتارة تستنكر عليه ذلك بقولها: (وانت مال أهلك)، وما بين ذلك من كثير، ذلك أن اللغة العربية سخية على ما يبدو فى هذا المجال بشكل خاص.
ما يؤكد وجهة نظرنا فيما يقدمه أفيخاى، كُهناً كان أو سياسة، هو تصريح وزير الدفاع أفيجور ليبرمان أن: (قطع علاقات السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر، يمثل فرصة لإسرائيل للتعاون مع الدول العربية، وإسرائيل مستعدة لذلك، الكُرة الآن فى ملعب الطرف الآخر، ليس هناك شك فى أن هذا سيفتح إمكانيات كثيرة للتعاون فى مكافحة الإرهاب، رأينا رئيس الولايات المتحدة يزور المملكة السعودية ولا يتحدث أولاً وقبل كل شىء إلا عن الإرهاب)، من جانبه قال سفير إسرائيل فى أمريكا مايكل أورين: (خطٌ جديد رُسم فى الرمال الشرق أوسطية، لم يعد الوضع إسرائيل ضد العرب، وإنما إسرائيل والعرب ضد الإرهاب).
بالتأكيد الإرهاب من وجهة النظر الإسرائيلية هو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التى تضمنتها التصريحات السعودية والإماراتية فى آن واحد، أو قد يكون الإسلام فى عمومه، أو الحركات المقاومة للاحتلال ككل، إلا أن هذا الانتعاش والتفاؤل الإسرائيلى على أنقاض الأزمة العربية، لم يُنسها دعوة الدول المتشاحنة إلى تقوى الله على الأقل فى شهر رمضان.
وربما كان هذا هو التوجه نفسه الذى انطلق منه وزير الخارجية الأمريكى، ريكس تيلرسون قائلاً: ندعو الإمارات والسعودية ومصر والبحرين للتخفيف من الحصار على قطر، فهناك تبعات إنسانية لذلك «خاصة فى الشهر الفضيل» فهناك نقص فى المواد الغذائية وأطفال فى المدارس، وقال إن الولايات المتحدة تحدثت لقادة المنطقة وأخبرتهم أنهم أقوى عندما يكونون متحدين، داعياً إياهم إلى الهدوء، أضف إلى ذلك أن الحصار يعوق التبادلات التجارية ويؤثر على التجارة الدولية، ويعوق العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة (داعش).
المهم أن إسرائيل لم تتورع عن دعوة العرب إلى تقوى الله، كما الولايات المتحدة لم تنس أن تُذكِّرهم بأننا فى شهر فضيل وأن فى الاتحاد قوة، كما المناشدات من كل الدول الغربية تقريباً تدعو العرب إلى وأد الفتنة والعودة إلى لغة العقل، وذلك وسط صمت تام فى الكثير من العواصم العربية والإسلامية التى لا ترى أنها طرف فى الأزمة، وضغوط تتعرض لها من الطرفين أحياناً، وإغراءات فى أحيان أخرى، وهى الممارسات التى آتت أُكلها فى الدول الصغيرة أو بمعنى أصح الفقيرة، فى الوقت الذى نخرت فيه حالة الاستقطاب والانقسام بين الدول الإسلامية ككل، وهو أهم وأسوأ ما أفرزته هذه الأزمة، التى لم تعد تتوقف أمام منطقة الجزيرة العربية، ولا أمام عام ٢٠١٧، بل تعدت الزمان والمكان إلى آفاق أكبر، سوف تظل المنطقة تسدد بسببها فواتير لا حصر لها فى المستقبل، لتظل لعنات نصائح أفيخاى أدرعى تطاردهم على مر الزمان، وليست كتب التاريخ فقط.