لو كانت هناك مقارنة بين مناهج دخول الإسلام إلى مختلف بقاع الأرض، لكان منهج دخوله على أيدى التجار أحب عند الله ورسوله، كونه الأقرب إلى جوهر الإسلام، لاعتماده على طيب السيرة والسلوك من محبة وتسامح وكرم امتاز به أصحابه، فاجتذبوا من لا يدينون به حتى اعتنقوه عن طيب خاطر. تبرز «جزر المهراج» فى هذا الإطار كنموذج للبلدان التى دخلها الإسلام مع التجار، دون سيف أو سلاح.
إنها إندونيسيا، التى يقال إن اسمها يتكون من مقطعين؛ هما: «إندو» ومعناها: الهند، و«نيسيا» ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها جزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم «الأرض الخضراء»، ومنذ القرن الـ13 الهجرى الـ19 الميلادى أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا.
وتُعَدُّ جزءًا من أرخبيل الملايو فى جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التى تضمُّ أكبر مجموعة جزر فى العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالى 17508 جزر، المسكون منها حوالى 600 جزيرة. وهى أكبر دولة إسلامية بعدد السكان وغالبية سكانها الـ 230 مليون شخص مسلمون. لم يدخل الإندونيسيون الدين الإسلامى بالفتح، بل عن طريق التجار العرب المسلمين، وكانت أول منطقة إندونيسية وصلها الإسلام هى شواطئ جزيرة سومطرة، وهى أكبر جزرها. ومن العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، لكن المراجع تقول: إن تجار المسلمين أنشأوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثانى وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين. وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: سلطنة عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبى لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربى لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِىّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِىّ، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار المسلمين من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات.
كما تروى بعض كتب التاريخ أن بعض التجار الإندونيسيِّين وصلوا إلى بغداد فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد، وعندما قَفَلوا راجعين كانوا يحملون بين جوانحهم عقيدة الإسلام، وعندما وَصَلُوا إلى بلادهم قاموا بدعوة واسعة النطاق لها.
وفى أوائل القرن التاسع الهجرى الخامس عشر الميلادى بدأ الدِّينُ الإسلامى ينتشر بسرعة فى أطراف الدولة، وأخذت السلاطين والقبائل المسلمة تُقَاوِم السلطة البوذيَّة فى «جاوة». وكان من أهمِّ تلك السلاطين المسلمين سلاطين «آشِنْ» فى أقصى الشمال من جزيرة «سومطرة»، وسلاطين «ملقا» فى غربى «شبه جزيرة ملايو»، الذين أسَّسُوا تجارة مستقلَّة عن الدولة مع التُّجَّار المسلمين العرب والفرس والصينيين والهنود، وقد أسلم هؤلاء نتيجة احتكاكهم مع المسلمين العرب والفرس.
وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق فى قيام ممالك إندونيسية متعددة فى تلك الجزر.