على الوجه الأول، من لوحة الملك نارمر، نقش المصريون القدماء، رسما للملك الشهير بين المصريين بـ«مينا موحد القطرين»، رافعا يمناه التى تمسك بسلاحه، بينما تمسك يده اليسرى برأس عدوه، وخلفه وقف حامل صندل الملك، الذى سار خلفه، فى موكب الانتصار، على الوجه الثانى من اللوحة الحجرية الشهيرة.
وداخل المقابر الفرعونية، عُثر على الصنادل والنعال، منها ما هو مصنوع من الألياف النباتية، ومنها ما هو مصنوع من الجلد، بعد أن أتقن المصرى القديم دباغته، إلا أن أقدم المهن المصرية تمر بأزمات عديدة، بدأت بأماكن تواجدها، التى ظلت طوال تاريخها مثارا للنفور، وانتهاء بمشكلات تطوير الصناعة من الطرق التقليدية، لتتخذ شكلا منافسا على المستوى العالمى.
مشروع نقل مدابغ سور مجرى العيون من منطقة مصر القديمة، إلى مدينة الجلود بمنطقة الروبيكى بمدينة بدر، هو الانتقال الخامس للمدابغ من داخل الكتل السكنية، فقد استقرت منذ عهد المماليك، بالمناطق المحيطة لميدان باب الخلق، قبل أن تنتقل إلى ميدان باب اللوق، فنشأ شارع المدابغ، الذى يعرف حاليا بشارع شريف بمنطقة وسط البلد، لكن فى عام 1864، قرر الخديو إسماعيل نقل المدابغ من شارع شريف، إلى مدينة الفسطاط بمنطقة مصر القديمة، فى مكانها الحالى، ومع تزايد حركة العمران، قررت الحكومة فى عام 1952، نقلها إلى منطقة البساتين، ولكن لم يكتمل انتقال كافة المدابغ، حتى بدأ التفكير الحكومى فى الانتقال الخامس إلى منطقة الروبيكى ببدر فى عام 1995.
وعلى مدار 150 عاما، من العمل فى مصر القديمة، فقدت المهنة القدرة على الاستمرار، وفقد سور مجرى العيون، بريقه الأثرى، وفقد سكان المنطقة، استنشاق نسمات نظيفة، من هواء النيل، الذى فقد هو الآخر، صفاءه المعتاد، مع تكرار تسرب الكيماويات السامة الناتجة عن الدباغة إليه، فكان الحل الوحيد هو الرحيل من المنطقة. فى مدينة الجلود بالروبيكى، توجد مصانع تحيطها أشجار، بعيدة عن العمران، تضم ماكينات متطورة عن ماكينات مجرى العيون، ومعامل أبحاث واختبار جودة، ومحطات معالجة للصرف، والأهم، يتبقى انتقال العنصر البشرى الذى خلدته أحجار القدماء فى «منف»، ليخلد أسطورة جديدة فى «بدر».
إذا تركت الروبيكى، وذهبت إلى مصر القديمة، فمرحبا بك في العالم الآخر لدباغة الجلود، ويقف سور مجرى العيون، شاهدا على 150 عاما من العمل العشوائى، فكان هو أول الضحايا، فرغم أن السلطان صلاح الدين الأيوبى، لم يكن يبغى من إنشائه عام 1169، سوى نقل مياه نهر النيل من منطقة فم الخليج، إلى القلعة التي اتخذها مقرا للحكم، إلا أنه تحمل صامتا، جمع قمامة القاهرة، وحرقها بجواره، وتخريب أجزاء من جسمه، بشكل متعمد أو غير متعمد، من أجل مد طريق، أو فتح ممر، فتحولت مهمته من توصيل المياه إلى الجنود المحاصرين في القلعة، إلى الإشراف على تسرب مادة الكروم السام إلى النيل.المزيد
على بعد 5 كيلومترات، من مدينة بدر، التى تبتعد عن القاهرة بـ54 كيلومترا، على طريق القاهرة – السويس، تقع مدينة الروبيكى للجلود، على مساحة 1629 فدانا، تنتظر انتقال أصحاب المهنة إليها، بعد أن اكتملت المرحلة الأولى بنسبة 100%، فكل شىء أصبح جاهزا، لبدء الإنتاج، حتى البوابة الرئيسية الضخمة للمدينة، تظهر من بعيد بألوانها الزاهية.المزيد
من الشرقية تحديدا، وفد الآلاف من العمال فى طوائف المعمار العديدة إلى مدينة بدر، ليبحثوا عن فرص عمل داخل مدينة الجلود بالروبيكى، فعلى مدار عام مضى، كانت الإنشاءات الجارية بمدينة الجلود، بمثابة باب رزق جديد لهم.المزيد
قال محمد الجوهرى، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة القاهرة للاستثمار والتطوير العمرانى والصناعى، المالكة لحق إدارة مشروع مدينة الجلود بالروبيكى بمدينة بدر، إن المشروع الجديد سينهى المشكلات البيئية الناجمة عن عدم وجود محطات صرف صناعى بمدابغ سور مجرى العيون بمنطقة مصر القديمة. وأضاف، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أن المشروع سيسهم فى تطوير منظومة العمل، ووضعها على المستوى العالمى.. وإلى نص الحوار:المزيد
الحركة داخل مدابغ مدينة الجلود بالروبيكى، ليست فقط مقصورة على المهندسين والعمال، وأعمال البناء والإنشاءات، ولكن هناك حركة أخرى تمت مؤخراً، داخل أول 10 مدابغ، حيث بدأت تنقل معداتها رسمياً إلى الروبيكى، وبدأ أصحاب المدابغ المنتقلين حديثا، في تركيب المعدات، التي جاءت معهم من سور مجرى العيون، كما بدأ بعضهم في استقبال توريد الماكينات الإيطالية الجديدة، التي سيستخدمها بعضهم لأول مرة، بعد التعاقد عليها لتطوير منتجاتهم المنتظرة بشكل مختلف عن إنتاجهم القديم في مصر القديمة.المزيد
قال مدير البعثة التجارية الإيطالية فى القاهرة بقسم تنمية التبادل التجارى بالسفارة الإيطالية بالقاهرة، فرانشسكو بانينى، إن إيطاليا تتطلع إلى ممارسة تعاون ملموس مع مصر فى دباغة وصناعة الجلود فى المشروع الجديد، ليس فقط من خلال شراء الجلود من مصر، أو تصدير التكنولوجيا الحديثة فى تصنيعها، بل من خلال الدخول كمستثمر صناعى فى مصر بشكل مباشر فى ذلك المجال.المزيد