«هى نافذة».. هو الجديد الشعرى للشاعر مصطفى على، وكان قد صدر له قبل عام ديوانه الأول، الذى يحمل عنوان «حروف مقطعة لإله شبه متماسك» ويبدو الفارق فى التراكم الشعرى واضحاً بين التجربتين.
ففى التجربة الأولى نقف على نزوع للذاتى، الذى يقف على مشارف الغنائية الشعرية، وإن كانت التجربة ذاتها شهدت خروجاً على التابو العقائدى، فإن التجربة الثانية قد شهدت جملة من التمردات على التابوهات الثلاثة المعروفة، فضلاً عن التمرد على التابوه الشعرى، حيث البنية الشعرية والصور والمفارقات الشعرية المستقرة، ففى التجربة الأولى نقف على إعلاء للمشهدية، التى تكرس الصورة الشعرية، فيما نقف فى التجربة الثانية على استنهاض لطاقة اللغة السهلة الغنية المغسولة من المجازات لصالح عمق شعرى ومعنى كلى، تستخدم حواس المتلقى الذهنية والبصرية، ولكن لنتوقف إزاء تجربة مصطفى الثانية والأحدث «هى نافذة»، والصادرة حديثاً عن دار إيزيس للفنون والنشر.
فرغم نثرية القصائد، فإننا نقف بجلاء على موسيقى الحالة، التى تتوافق وفكرة النص، وها هى حالة «النوستالجيا» تطل علينا من أحد النصوص فى محاولة لخلق ماض نفسى للشاعر.. «حين أضجر/ أنظر فوق/ فأرى الماضى يقترب/ ويهب البعيدون/ من حيث هم/ إلى خاطرى/ فأبكى».. لكن الحنين إلى الماضى الشخصى غير واضح بالتمام، فنقرأ فى قصيدة «على نطاق أوسع»: «على نطاق أوسع من ذاكرتى/ أنسى تفاصيلى/ كأن أمحو مشواراً سنوياً لرخامة جدى/ أو أرجع من تحت شال أمى وهى فى طريقها إلى دموع جدتى كل مساء/ لألعب بالشتاء على شباك جارتى».. لابد من ذكريات طفولية إذن وصولاً لسن النبوة الشعرية.
ونجىء للقصيدة، التى تحمل عنوان الديوان «هى نافذة»، لنقف على مقاربات لفظية ومجازية: «ملىء هذا الليل/ بالساكتين نياماً/ والنائمين سكوتاً/ وأنا الصاخب الأوحد فى هذا السديم».. ويبدو مصطفى مشدوداً لفعل الحياة ومعلقاً بالسماء الحاضرة ضمنياً وجهراً فى نصوصه كلها تقريباً.