تشهد فنزويلا أجواء ثورة تقودها المعارضة السياسية وأنصارها للمطالبة برحيل الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، واحتشد مئات الآلاف فى احتجاجات فى كراكاس ومدن أخرى، أطلقوا عليها «أم المسيرات» ونددوا بالرئيس، واتهموه بتقويض الديمقراطية وإغراق البلاد فى حالة من الفوضى، فيما تجمع أنصار الرئيس بدعوة منه للرد على المعارضة وأعلن عن مواجهة «الانقلاب» بما سماه «خطة زامورا»، فيما سادت حالة من الفوضى فى كراكاس والعديد من المدن مع تفشى أعمال السلب والنهب وسقوط 3 محتجين تبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن مقتلهم.
وأغلق المحتجون الطريق الرئيسى فى كراكاس رافعين العلم الفنزويلى ورددوا هتافات: «لا ديكتاتورية بعد اليوم»، و«ارحل يا مادوروو»، واتهموه بتدمير البلاد، وفى ظل تفاقم التوتر أغلقت الشرطة والجيش مداخل العاصمة، وتصدت للمحتجين بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، فى كراكاس وسان كريستوبال ومدينة بويرتو أورداز الصناعية الفقيرة ومدينة بونتو فيجو الشمالية القاحلة، ورد المتظاهرون برشق قوات الأمن بالحجارة والزجاجات الحارقة، وأسفرت المواجهات عن مقتل 2 من المعارضة بينهم فتاة بالرصاص وجندى من الحرس الوطنى، واستمرت الاضطرابات المتقطعة، ليل الأربعاء، فى أحياء كراكاس ومدن أخرى، وأغلق عدد من محطات المترو بالعاصمة، كما أغلقت العديد من المحال التجارية أبوابها، مع تفشى عمليات نهب وسلب للمخابز والمتاجر بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وخلو المحال من الطعام منذ أشهر فى بلد غنى بالبترول. وأكدت محطتا «إيل تيومبو» الكولومبية، و«تودو نوتيساس» الأرجنتينية، أنه تم قطع بثهما فى فنزويلا أثناء الاحتجاجات، فى مشهد يذكر بأجواء ثورة 25 يناير 2011 فى مصر.
وأعلنت شركة «جنرال موتورز»، الأمريكية، أن السلطات الفنزويلية حجزت بشكل مخالف للقانون على مصنعها للسيارات فى منطقة فالينسيا الصناعية، وتعهدت باتخاذ «كل الإجراءات القانونية» لحماية حقوقها.
واستعرض أنصار الرئيس قوتهم ضد المعارضة وأحرقوا العلم الأمريكى، بينما دعا أنريكى كابريليس، أحد زعماء المعارضة، الشعب إلى التعبئة الشاملة، فيما تشهد فنزويلا منذ أشهر أزمة سياسية محتدمة، مع إصرار المعارضة على رحيل مادوروو مبكرا قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
وتفاقم التوتر فجأة الثلاثاء الماضى، مع إعلان الرئيس مادوروو تفعيل «خطة زامورا» «لدحر الانقلاب وتصاعد أعمال العنف»، وأكد أنه بفضل خطته الدفاعية «يجرى القضاء على الانقلاب الإرهابى» الذى دبرته واشنطن، فيما قال الجنرال المتقاعد كليفر الكالا إن «خطة زامورا هى استراتيجية تهدف إلى الترهيب ومنع المعارضة من التظاهر».
ويقود معارضو التيار «التشافى»، نسبة للرئيس الراحل هوجو شافيز، الذى حكم فنزويلا من 1999 حتى وفاته فى 2013، الذين وعدوا بتنظيم «أم المسيرات»، فى سادس تعبئة منذ مطلع إبريل الجارى، تأييدا لإجراء انتخابات مبكرة ودفاعا عن البرلمان، المؤسسة الوحيدة التى يسيطرون عليها، بعد مقتل 3 أشخاص بينهم جندى، واعتقال 30 آخرين، فيما كان قائد الجيش استبق الدعوة إلى الاحتجاجات بالتأكيد على دعمه لمادوروو.
ونددت الحكومة الفنزويلية بـ«تدخل» الولايات المتحدة بعد اتهام وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، فنزويلا، بانتهاك الدستور، معبرا عن قلق واشنطن بعد مقتل 8 أشخاص واعتقل 500، خلال 3 أسابيع من الاحتجاجات. وقال إن الحكومة لا تسمح للمعارضة بإسماع صوتها ولا بتنظيم صفوفها لتعبر عن رأى الشعب، فيما وجهت الخارجية الأمريكية تحذيرا شديد اللهجة إلى كراكاس، وطالبت بالكف عن قمع المعارضة، واتهم صموئيل مونكادا، ممثل فنزويلا فى منظمة الدول الأمريكية واشنطن بتدبير «انقلاب» فى فنزويلا، إلا أن الممثل الأمريكى بالمنظمة كيفن ساليفان نفى تلك «الادعاءات».
وبدأت موجة الاحتجاجات الأحدث مطلع إبريل الجارى بقرار المحكمة العليا المعروفة الموالية للنظام، بتولى صلاحيات البرلمان الذى تهيمن عليه المعارضة، مما أثار موجة احتجاج دفع مادوروو والمحكمة إلى التراجع عن قرارها بعد 48 ساعة، ورأت المعارضة أنها «محاولة انقلابية». وأكد المحلل لويس فيسينتى ليون أن «المعارضة متحدة أكثر من أى وقت مضى»، وقال الخبير السياسى جون ماجدالينو إن «هذه الاحتجاجات ستثبت قوة التعبئة التى تملكها المعارضة والكلفة التى ستتحملها الحكومة إذا واصلت تجنب إجراء انتخابات على المدى القصير».
ويشكل أى استحقاق انتخابى تهديدا لمادوروو الذى يطالب 70% من الفنزويليين برحيله من السلطة، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة أفرغت المتاجر وضاعفت التضخم الذى سيصل إلى 720.5% فى نهاية 2017 بحسب توقعات صندوق النقد، لكن مادوروو أكد أنه يأمل فى تنظيم انتخابات «قريبا ليكسب المعركة» نهائيا مع المعارضة.