قالت السفيرة وفاء بسيم، مساعدة وزير الخارجية السابقة، ومندوبة مصر السابقة بجنيف، إن العلاقات المصرية- الأمريكية وصلت لأكثر النقاط تباعدًا عقب ثورة 30 يونيو، موضحة أن هذه العلاقة تتعرض دائما لشد وجذب.
وأضافت فى حوار لـ«المصرى اليوم »، ببروكسل، أنه قبل ثورة 25 يناير لم تكن العلاقات فى «شهر عسل عظيم»، خصوصًا فى الفترة ما بين 2009 و2010، وهى الفترة التى شهدت أقوى مراحل التوتر بالتزامن مع الرغبة الأمريكية الشديدة للتدخل فى الشأن المصرى، لافتة إلى أن العلاقات المصرية- الأمريكية مع إدراك الطرفين أهميتها الاستراتيجية تبقى مهمة وضرورية، وتدرك الولايات المتحدة دائمًا أنه بدون مصر لا يمكن أن تكون قريبة لفكر المنطقة، وأنه من الأفضل لها أن تستمر علاقة الصداقة.. وإلى نص الحوار:
■ كنتِ مسؤولة لفترة طويلة خلال عملك بالخارجية المصرية عن ملف الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى قبيل ثورة 25 يناير، فكيف ترين مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية فى الوقت الراهن، وهل يمكن أن تعود إلى مسارها الطبيعى الذى كانت عليه قبل ثورة يناير؟
- العلاقات المصرية الأمريكية وصلت لأكثر النقاط تباعدًا عقب ثورة 30 يونيو، ومن المعروف أن هذه العلاقة تتعرض دائمًا لشد وجذب، وقبل ثورة 25 يناير لم تكن العلاقات فى شهر عسل عظيم، خصوصًا فى الفترة ما بين 2009 و2010، فكان هناك شد وجذب كبير وخلافات كثيرة وعدم رضا عن بعض الملفات والقضايا، وبالطبع كان هناك من الجانب المصرى إحساس بالضيق لهذا التدخل وإحساس بخيبة أمل، لأن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، الذى تم تعليق آمال كثيرة عليه، عندما قدم إلى مصر وألقى خطابه فى جامعة القاهرة، اتضح أن خطابه كان مجرد شعارات لم تترجم على أرض الواقع.
والعلاقات المصرية- الأمريكية مع إدراك الطرفين لأهميتها الاستراتيجية تبقى مهمة وضرورية، وتدرك الولايات المتحدة دائما أنه بدون مصر لا يمكن أن تكون قريبة لفكر المنطقة، ومن الأفضل لها أن تكون صديقًا، ولكن فى الوقت نفسه على الجانب الأمريكى أن يعدل من طريقة تعامله مع مصر وألا يستخدم المشروطية، وألا يحاول التدخل بشكل أكثر من اللازم فى الشأن المصرى الداخلى لأن هذا أمر غير مقبول.
والبعض يعلق آمالا كبيرة على الرئيس الامريكى الجديد ترامب، وفى رأيى علينا أن نراقب الوضع جيدًا وعن كثب، لأن ترامب له موقف من إسرائيل.. وعملية السلام والقضية الفلسطينية، كما تعلن مصر دائمًا، هى مفتاح الحل للصراعات الإقليمية ولحسن العلاقات بين الدول العربية مع الولايات المتحدة، وأن تعاون مصر والولايات المتحدة فى هذا الملف تحديدا ضرورى، لكن موقف ترامب أمر يثير الترقب، وستظهر مؤشراته عقب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أول زيارة له للولايات المتحدة.
■ وما هى توقعاتِك لهذه الزيارة؟
- هناك رغبة من الجانبين المصرى والأمريكى فى فتح صفحة جديدة، وستتناول الزيارة أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية، وملف عملية السلام فى الشرق الأوسط، فضلًا عن ملف مكافحة الإرهاب وما يتضمنه هذا الملف من أشياء كثيرة، على رأسها كيفية التعاون فنيًا وتقنيًا فى مكافحة الإرهاب.
■ حوارنا معك على هامش زيارة لوفد إعلامى ودبلوماسى وأكاديمى مصرى لمقر حلف الناتو.. وهناك تركيز من مسؤولى الحلف على العلاقات مع مصر.. كيف تقيميّن هذه العلاقات؟
- أى علاقات بين منظمات ومنظمات، وبين دول ودول، تقوم على المصالح المشتركة، وينبغى أن تتوافر هذه المصالح بشكل مشترك بين الطرفين وبقدر الإمكان على قدم المساواة، والحلف كما استمعنا من أكثر من مسؤول هو بالأساس حلف أمنى عسكرى يهدف لحماية مصالح وأمن أراضى الدول الأعضاء به، وتطور دوره على مدى التاريخ من مرحلة الدفاع الأولى، التى جاءت عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، إلى مواجهة حلف مقابل له يضم الدول التى كانت تدور فى فلك الاتحاد السوفيتى السابق «حلف وارسو» إلى الآن، حيث أصبح حلفا وحيدا من نوعه فى العالم حاليا، وبهذا الامتداد والكيان الضخم والميزانيات الضخمة حيث يجمع فى عضويته 29 دولة، ولم تعد الآن دولا شرقية وغربية ولم تعد فقط أوروبية، وأصبح الحلف يجمع دولا قادمة من ظروف سياسية متعددة ومن قارات متعددة وثقافات وعقائد عسكرية متعددة. واستطاعوا أن ينسقوا فيما بينهم وخلق هذا الكيان متعدد الأطراف ليحمى ما يمكن تسميته القاسم المشترك الأعظم من مصالحهم، لكن هذا الحلف لا يعيش فراغا، وحتى يتحقق الأمن فى هذا العالم الذى يتميز بالعولمة وبكونه أصبح قرية صغيرة، فهو فى حاجة لأن يعمل، ليس فقط فى دائرته المباشرة وإنما فى حاجة للتعامل فى الدائرة المختلفة فى العالم، وأهم دائرة له هى منطقة المتوسط، والحلف يسعى لخلق علاقات فى المناطق المتاخمة للدول التى يراها تمثل تهديدا له مثل إيران، حيث يسعى للتعاون مع دول الخليج، ليخلق له إن لم يكن حليفا فهو على الأقل يخلق قنوات اتصال للتعاون.
■ هناك صورة ذهنية لدى الرأى العام العربى والإسلامى عن أن الحلف استعمارى، فهل هذه الصورة ستؤثر على خططه لإقامة شراكات مع دول المتوسط والخليج العربى؟
- الحلف حريص على إزالة الفكرة المترسبة فى دولنا بأنه حلف اتخذ من الإسلام والمسلمين عدوا له بعد انتهاء الحرب الباردة، ويرجع هذا إلى خطأ سواء مقصودا أو عدم مقصود من جانب أحد أمناء الحلف السابقين فى بداية تسعينيات القرن الماضى بعد سقوط سور برلين، عندما قال إنه لم يعد هناك خطر قادم من شرق أوروبا، وإنما خطر قادم من الجنوب ومن الإسلام والمسلمين، صحيح أن الحلف قدم تبريرات بأن أمينه العام فى ذلك الوقت لم يكن يقصد المعنى الذى فهم، إلا أنه بالفعل إذا ربطنا ذلك بمصطلح صراع الحضارات وكل الكتابات والمقالات التى ظهرت بعد سقوط حائط برلين، سنجد أنه إما عن جهل أو سوء تقدير، كان هناك من يرى خطرا قادما من الإسلام وربط بين العرب والإسلام مع التطرف وبين جنوب المتوسط والتطرف.
إذن بما أن المواجهة ليست مطلوبة كان البديل هو الحوار، وتزامن ذلك آن ذاك مع الحوار الأورومتوسطى والتفاؤل الذى حدث بقرب حل القضية الفلسطينية بعد مقررات مدريد واتفاقيات أوسلو، فدفع ذلك الجميع إلى خلق أنماط مختلفة للتعاون والحوار مع دول جنوب المتوسط، أضف إلى ذلك الرغبة فى إطار ما كانوا يأملون فيه بعد التوصل لتحقيق السلام فى منطقة الشرق الأوسط بإدماج إسرائيل فى محيطها العربى، وكيف تدمج هذه الدولة من خلال إطار متعدد والجلوس فيه والتعوّد على وجود ذلك الجار.
هذا ما وضع بذور الحوار المتوسطى مع الحلف، وهو لا يجبرك على شىء وإنما يلوح بما يستطيع أن يقدمه لك، وهو التدريب فى المجالات التى تسمى «السياسة العسكرية»، بمعنى أنك لا تدخل فى المنظومة الدفاعية ومنظومة الأمن ولا تكون ضمن خطط الانتشار ومواجهة الأزمات المرتبطة بالمفهوم العسكرى المعروف، وإنما هو يستطيع أن ينقل لك خبرات فى حدود برنامج أو قائمة يحددها هو، مثل التدريب على الدفاع المدنى أو الكوارث الطبيعية وكذلك نزع الألغام، وهو برنامج يتم تنفيذه مع مصر، وفى تقديرى خطوة جيدة أن سمحت بإيجاد صيغة وسيطة لتقديم المساعدة التقنية لمصر فى مجال الكشف وإزالة الألغام تقى الدول المتسببة فى زرع الألغام فى مصر فى أثناء الحرب العالمية الثانية من إثارة ما كانت تخشاه من مسؤولية دولية وتاريخية ثم المطالبة بتعويضات، ثم الدخول فى نقاش عن المسؤول عن زرع هذه الألغام، ومن ناحية أخرى تحقق لمصر أكبر قدر من المساعدات التقنية.
■ الآن روسيا موجودة فى سوريا، وهناك محاولات للتواجد فى ليبيا، ولذلك البعض يخشى من حرب باردة جديدة بين الناتو وروسيا، يكون مكانها منطقة الشرق الأوسط، كيف ترين هذا الأمر؟
- لنكن صريحين، أليست المنطقة بالفعل مسرحًا للتنافس على فرض النفوذ؟!
■ الولايات المتحدة على سبيل المثال أحد أعضاء الحلف ولها تواجد قوى فى المنطقة.
- هذا صحيح، فالولايات المتحدة عضو فى الحلف، لكنها لا تحاول التدخل بشكل مباشر حتى الآن، فكما تنصلت من ليبيا تحاول أن تبقى نفسها بمنأى عن التدخل المباشر، وإن كانت تتحرك من وراء الستار.
■ وهل هذا الأمر سيتغير مع وجود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؟
- هناك ثوابت فى مفهوم أمن الدول، ومفهوم تفكيرها الاستراتيجى فيما يتعلق بصورتها وتأثيرها فى أى منطقة من العالم، قد تتغير الأولويات، ولكن هناك ثوابت يفرضها التاريخ والموقع الجغرافى والاعتبارات الجيوبوليتيكية، فهناك دول ترى دائما خطرًا أو تهديداً محتملاً أو سباقاً محتملاً على النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسى، ولكن الرؤية قد تختلف بين القيادة السياسية وصناع القرار فى مراحل تاريخية معينة فيما يتعلق بمدى التقارب أو التباعد الذى يصل إلى حد المواجهة، وأعتقد أنه من المبكر الحكم على كيف سيكون شكل العلاقات الروسية - الأمريكية على أرض الواقع فى المرحلة المقبلة، حتى الآن نرى ميلا من الرئيس الأمريكى الجديد لأن تكون العلاقات مع موسكو أكثر سهولة ويسرا وأكثر مواجهة مع الصين واقترابا صريحا مع تايوان، وأولويات خاصة بمحاربة الإرهاب.. هذا هو مضمون الخطاب السياسى، لكن ماذا سيحدث على الأرض؟.. لنعطِ الرجل وقته لنحكم عليه، فهو يلقى مقاومة داخلية فيما يتعلق بعدائه الصريح للصين، وكذلك مقاومة داخلية فيما يتعلق بالانفتاح على روسيا.
■ فيما يتعلق باستراتيجية حلف الناتو على الأرض فى ليبيا، هل تعتقدين أن الحلف سيكون حريصًا على عدم الوقوع فى الأخطاء التى ارتكبها فى عام 2011؟
- نعم بالتأكيد، لأنه تعلم من الدرس ولا يرغب فى الإساءة إلى صورته أكثر من ذلك، هم يحاولون تبرير ما وصلت إليه الأمور فى ليبيا بأنها ليست خطأ الناتو وحده، وأن نواياهم كانت طيبة فى أن تحركهم جاء فى إطار قرارات الأمم المتحدة، هم لديهم تبريرات لكنهم يدركون جيدا أن تدخل الحلف لم يكن بموافقة جميع أعضاء الحلف، وهم سيكونون أكثر حرصًا وتنسيقًا هذه المرة مع دول المنطقة، خصوصًا دول الجوار، وأعتقد أنهم يثمنون ويقدرون الدور المصرى، لأنهم فهموا أنه بدون مصر سيكون من الصعب التوصل إلى حل معقول.