«البعض قد يرى أن مبلغ الـ 15 مليون دولار مبلغ كبير.. وحلم يمكن أن ينقله إلى حياة أخرى.. إلا أننى اعتبرته سماً قاتلاً قد يحول حياة أسرتى إلى جحيم».. بتلك الكلمات روى النقيب محمد عبدالرحيم النجار، رئيس مباحث كفر صقر بالشرقية، تفاصيل ساعات كان يمكن أن يتغلب فيها الشيطان عليه، ويضطره إلى قبول رشوة قدرها 15 مليون دولار، عرضتها عليه عصابة للتنقيب عن الآثار مقابل تركهم استخراج قطع آثار تقدر قيمتها بـ«150» مليون دولار. أكد الضابط أنه لن يقبل قرشاً حراماً على أسرته، وأن ما فعله شىء عادى من وجهة نظره، وليس بطوليا، وأن هناك ضباطاً كثيرين يتعرضون لإغراءات أكثر من هذا إلا أنهم يرفضون، لأنهم يؤمنون بأن العمل فى الشرطة رسالة، واعتبر أن المبلغ كبير من وجهة نظر البعض، إلا أن هذا المبلغ لم يغير من موقفه، لأن والده غرس فيه من الصغر الأمانة وحب الوطن، وأنه يعشق العمل فى جهاز الشرطة من الصغر رغم متاعبه الكثيرة، وأنه يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا، ولا يرى ابنه «أحمد» إلا كل شهر، منوها بأنه واثق من تكريم الوزير حبيب العادلى له، وأنه تلقى مكافأة فورية عقب هذه الواقعة من والده، اعتبرها هى الأكبر، وهى الدعاء له: «الله يستر طريقك ويكرمك»، معتبراً أن هذه الدعوة تساوى مليار دولار، وأن فرحة أسرته بموقفه لا تساوى ملايين الدنيا، لأن هذا الموقف رسم السعادة على وجوه الجميع.
وأضاف النقيب محمد عبدالرحيم، فى حواره مع «المصرى اليوم»: القصة بدأت فى يوم راحتى، فوجئت باتصال هاتفى من أمين شرطة، يصر ويلح على مقابلتى، أخبرنى أن الموضوع مهم، ولا يحتمل التأجيل، وأنه عاجل للغاية، فسمحت له بالحضور إلى مسكنى، وعندما قابلته فوجئت بما يقوله لى، بعد الإشادة بى وعملى، وقال لى بالنص «إنت راجل محترم وكلنا بنحبك وإنت زى أخويا وجمايلك علىّ كتيرة ونفسى أردها لك من زمان».
وأوضح الضابط أن أمين الشرطة استطرد فى كلامه قائلا: «فيه مصلحة حلوة.. ولقمة عيش هتحقق ليك الراحة.. فيه مجموعة من الناس المحترمين عايزين يقابلوك، ليهم مصلحة فى منطقة أبوعمران الأثرية، هى مسلة قيمتها 150 مليون دولار، إنت ليك 10%.
استطرد الضابط: أصبت بذهول من جرأة أمين الشرطة فى العرض، ورفضت الحديث مع أسرتى فى هذا العرض، واستغربت زوجتى من إسراعى فى ارتداء ملابسى ونزولى يوم الراحة، وتوجهت مسرعاً للواء عبدالرؤوف الصيرفى، مدير المباحث، ورويت له ما تم من أمين الشرطة، وطلب منى مسايرته للكشف عن أفراد العصابة، وقام العقيد طارق عساف، مدير مباحث الأموال العامة بالشرقية، بتحرير محضر بأقوالى، وتم استئذان النيابة لتسجيل اللقاء مع الوسيط وتجار الآثار بالصوت والصورة بعد إخطار اللواء عدلى فايد، مساعد أول الوزير لقطاع الأمن والأمن العام، وتم تحديد موعد للقاء.
ووصف الضابط هذا اللقاء الذى تم بمسكنه بـ«الصعب»، موضحاً: تقمصت دور الضابط المرتشى، حتى يتم غرس الاطمئنان فى نفوسهم، وطلبت من أسرتى التوجه لشراء بعض المتطلبات على أن ألحق بهم بعد ساعتين.. رحبت بهم، ووجهت كلامى إلى أمين الشرطة ثم إليهم حتى يثقوا فىّ ولا يشكوا لحظة واحدة، بدأ أحدهم الكلام قائلا: إحنا عاوزين ليك الخير، فيه مسلة بقرية أبوعمران طولها 9 أمتار ووزنها 40 طنا وهى ذات قيمة تاريخية عظيمة وقيمتها تصل إلى 150 مليون دولار، وإحنا عايزين التأمين فى البحث والتنقيب، المطلوب منك سحب الخفراء والحراس لمدة يوم ولا يومين، وممكن ننفذ المهمة كلها فى أجازتك السنوية، وإنت نصيبك 15 مليون دولار.
وأضاف الضابط: حاولت خلال اللقاء أنا أعرف كل التفاصيل عن كيفية نقلها، وقالوا إنهم سيقومون بتقطيعها إلى 3 قطع بالليزر، ثم تهريبها عن طريق البحر، انتهى اللقاء بعد أن تركوا لى تحديد موعد لبدء التنقيب عن المسلة، بعد انصرافهم تأكدت أن اللقاء تم تسجيله، وأخطرت رؤسائى، وتم ضبط أمين الشرطة وآخر، وما زال البحث جارياً عن 2 آخرين، أمرت النيابة بضبطهما وإحضارهما.
رد الضابط على سؤال عن مدى احتمالية قيام أفراد العصابة بالتخطيط للانتقام منه قائلا: أنا واثق أنا الله يقف بجوارى، وأن والدى الأستاذ الجامعى حرص على تنشئتى وأشقائى نشأة دينية، وغرس فى نفوسنا منذ نعومة أظافرنا الالتزام والإخلاص والتفانى فى العمل.