شاهدان أساسيان تحدثا عن مذبحة القلعة، الأول هو الإيطالى ماندريتشى، طبيب محمد على باشا، والآخر هو أمين بك المملوك الناجى الوحيد، أما الأول فكان بصحبة الباشا في قاعة الحكم في ذلك اليوم، ووصف ذلك اليوم بقوله: كان الباشا جالساً في قاعة الاستقبال، وقد ظل هادئاً إلى أن تحرك الموكب فساوره القلق والاضطراب، وساد صمت عميق، إلى أن سمع صوت أول رصاصة، فوقف وامتقع لونه، وظل صامتاً، إلى أن حصد الموت معظم المماليك، فدخل ماندريتشى على الباشا وقال له: «لقد قضى الأمر واليوم يوم سعد لسموكم».
فلم يجب الباشا وطلب كوب ماء فشربه جرعة واحدة، أما الشاهد الثانى أمين بك، الذي كان في آخر صفوف المماليك، فما أن سمع طلقات النار تنهال من كل جانب حتى صعد بجواده إلى المكان المشرف على الطريق، وبلغ سور القلعة، فلما رأى الموت محيطًا به من كل جانب، لم يجد مفرًا من أن يقفز بجواده من أعلى السور، فلما شارف الجواد على الوصول إلى الأرض قفز من فوقه وهرب باتجاه الصحراء، إلى أن وصل لسوريا، وكان الباشا بعد عودته من الوجه القبلى قد أخذ يجهز جيشاً لينفذه إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وأسند قيادته لابنه طوسون، وأعد مهرجاناً فخماً بالقلعة لهذه المناسبة، التي حدد لها يوم الجمعة «زي النهارده» في ١ مارس ١٨١١.
ودعا رجال الدولة وأعيانها وكبار موظفيها العسكريين والملكيين وجميع الأمراء والبكوات المماليك، الذين اعتبروا الدعوة علامة رضا من الباشا، فلبوا الدعوة وقبل بدء الاحتفال دخل المماليك على الباشا فاستقبلهم بحفاوة، وقدم لهم القهوة وشكرهم على الحضور، وأشار لما سيناله ابنه طوسون من تكريم إذا ما ساروا معه في موكبه، فأجابوه، وتحرك الموكب مجتازاً الممر الوعر إلى باب العزب وأخذ المماليك موقعهم فيه، وما إن مر آخر رجل في موكب طوسون حتى أغلق الباب من الخارج، وظل المماليك بداخل الممر، ووراءهم الأرناؤط الذين فهموا الإشارة فتسلقوا الصخور على جانبى الممر، ولم ينتبه المماليك إلى أن الباب أغلق وواصلوا السير وتداخلت صفوفهم، ولم تمض برهة حتى فوجئوا بالرصاص ينهال عليهم من كل جانب وهم محصورون في هذا الممر الضيق الغائر، واستمر القتل من الضحى إلى الليل حتى امتلأ فناء القلعة والممر بجثث المماليك.