قبل عام 2010 لم تعرف منطقة صحراء البحر الأحمر ظاهرة «الدهابة»، الباحثين عن الذهب، وانتشرت هذه المهنة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى صدرت تكليفات رئاسية للمهندس إبراهيم محلب، مساعد الرئيس للمشروعات القومية، للانتقال إلى المنطقة على الطبيعة، وتقييم حجم الظاهرة ومناطق انتشارها وخطورتها.
ويُقدر عدد العاملين فى التنقيب غير الشرعى بنحو 10 آلاف شخص، معظمهم من قبيلتى «العبابدة» و«البشارية» بمحافظتى البحر الأحمر وأسوان، ومعهم عدد من المتسللين السودانيين، الذين تركوا مهنتهم الأصلية فى الرعى والتجارة وتحميل البضائع بسوق شلاتين، واتجهوا للبحث والتنقيب عن الذهب، وتمكن عدد منهم من الحصول على جهاز «جى بى» للبحث عن المعادن، من خلال تتبع الأماكن التى كان يعمل بها الفراعنة والرومان، ونجحوا فى الحصول على الذهب بكميات أغرت الكثيرين من الناس بخوض التجربة، وامتلأت الصحراء بالكثيرين من الناس والمعدات الثقيلة من اللوادر والحفارات، وقُلبت الصحراء رأسا على عقب بأعمال الحفر العشوائى، فى غياب تام لدور الدولة خلال السنوات الماضية.
ويواجه «الدهابة» صعوبات ومخاطر أثناء البحث عن الذهب وطريقة استخراجه، حيث تركوا مهنة آبائهم وأجدادهم سعيًا وراء حلم الثراء السريع، وكان مطلبهم الأساسى، خلال اجتماعهم مع المهندس إبراهيم محلب، خلال زيارته مرسى علم، تقنين أوضاعهم والسماح بعملهم فى النور فى مواقع تُعرف وتُسجل لدى الهيئات والمراكز البحثية، وأن يطوروا أنفسهم، وتحصل الدولة على مستحقاتهم بدلاً من خسارة الجميع.
«المصرى اليوم» تنقل مطالب عدد من «الدهابة»، أبناء قبائل العبابدة والبشارية ومحافظات جنوب الصعيد، والتى يأتى على رأسها وقف الملاحقات الأمنية التى يتعرضون لها فى المناطق الحدودية بين مصر والسودان، خاصة فى «حلايب وشلاتين» و«أبورماد» بالبحر الأحمر و«العلاقى» بأسوان، أثناء عمليات التنقل من أجل التنقيب والبحث عن الذهب.
وقال طاهر سدو، أحد مشايخ «حلايب وشلاتين»، إن شيوخ القبائل يقدرون دور الدولة فى السعى لتقنين أوضاع الدهابة، مشيرًا إلى أنهم طالبوا الحكومة بوضع ضوابط لتقنين إجراءات التنقيب عن الذهب، من خلال تأسيس شركات حكومية تعمل على استخراج الذهب، وتم إنشاء شركة «شلاتين للثروة المعدنية» لاستخراج الذهب، على أن تتم الاستعانة بأبناء قبيلتى «العبابدة» و«البشارية» للعمل بها بشكل شرعى، لافتًا إلى أن لجوء الدهابة للتنقيب غير الشرعى محاولة منهم للتغلب على أوضاعهم المعيشية وظروفهم الاقتصادية الصعبة وعدم وجود فرص عمل لهم.
من جانبه، قال أحمد أبوخليل، نائب مجلس النواب عن القصير ومرسى علم، إنه رافق المهندس إبراهيم محلب، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، وإنه أبلغه بتعليمات الرئيس السيسى لشيوخ القبائل بحسن معاملة الأجهزة الأمنية المواطنين الذين يعملون فى التنقيب.
وأضاف أن «محلب» طلب من شيوخ القبائل وقف أعمال التنقيب غير الشرعى فى 15 موقعًا من المناجم القديمة، بعد طرح 4 مواقع أمام شركات الاستثمار فى التنقيب عن الذهب، لافتًا إلى أنه اقترح على «محلب» تشكيل شركات صغيرة من العاملين فى التنقيب ومنح أصحابها تراخيص، من خلال زيادة منطقة حدود امتياز شركة «شلاتين للثروة المعدنية» لتصل إلى مرسى علم لخلق إطار قانونى يحمى الشباب من الملاحقات الأمنية لهم.
وأكد حسن هدل، شيخ مشايخ حلايب، أن تقنين عمليات التنقيب عن الذهب كان أهم المطالب التى تقدموا بها للرئيس السيسى، خلال لقائه بمشايخ وزعماء قبائل أسوان والبحر الأحمر، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية متفهمة لمطالبهم، ووعدت بتنفيذها، كما أن الرئيس السيسى أبدى اهتمامه بأهمية هذه المطالب، ووعد بأن جميع أجهزة الدولة ستعمل على توفير جميع موارد الإنتاج والعمل والاستفادة من الموارد الطبيعية التى أُهدرت على مر العصور، وضرورة الاتفاق بين البدو من «الدهابة» و«هيئة الثروة المعدنية»، مقابل إصدار التصاريح والسماح لهم بالتنقيب، وإنشاء الحكومة شركة لاستخراج الذهب بدلاً من إعطاء التصاريح لمستثمرين، ويعمل فيها كل «الدهابة» من أهل المدينة، عن طريق استغلال الأجهزة الحديثة والأماكن التى ينقبون بها عن الذهب، ما يعمل على زيادة إنتاج مصر من الذهب، بحيث تصبح الدولة الأولى عالميا فى إنتاجه.
من جانبه، أكد العميد عصمت الراجحى، أحد مسؤولى منجم السكرى لإنتاج الذهب بمرسى علم، أن عمليات البحث غير الشرعية عن الذهب فى نطاق الصحراء الشرقية بدأت مع نهاية 2009 وبداية 2010، وتركزت فى نطاق حلايب وشلاتين فى بداية الأمر، وانتشرت فى مختلف مناطق الصحراء الشرقية، وأن معظم ما يتم إنتاجه من ذهب يتم تهريبه خارج البلاد، مطالبًا بتعديل قانون المناجم والمحاجر ولائحته التنفيذية، بما يتيح تشجيع الشركات الكبرى المتخصصة فى مجال استخراج وإنتاج الذهب، من خلال الحصول على امتيازات، وإقامة مصانع كبيرة تستطيع الدولة من خلالها دعم اقتصادها القومى، وجلب عملة صعبة من الخارج، واستيعاب الشباب فى عمليات البحث والتنقيب عن الذهب، وتحصيل حقوقها وتعظيم مواردها الاقتصادية.
ويرى الدكتور أبوالحجاج نصير، الخبير الجيولوجى، عضو اللجنة الفنية لمشروع المثلث الذهبى، أن جزءًا كبيراً من عمليات البحث والتنقيب عن الذهب يقع داخل نطاق أراضى المثلث الذهبى بين وديان وجبال الصحراء الشرقية، خاصة فى المنطقة التى تنحصر على جانب طريق «القصير- قفط»، مرورًا بمدن القصير ومرسى علم وشلاتين وحلايب، حيث يوجد أكثر من 120 موقعاً للذهب، منها مناجم قادرة على تغيير خريطة إنتاج الذهب فى الشرق الأوسط، مطالبا بضرورة أن تفرض الدولة سلطتها على مواقع ومناجم الذهب المنتشرة بالصحراء الشرقية، خاصة المناجم القديمة، حيث إن أعمال البحث والتنقيب عن الذهب بطرق غير شرعية تمثل خطورة على الثروة المعدنية بصفة عامة، والذهب بصفة خاصة.
وكشف أن الباحثين عن الذهب استطاعوا خلال السنوات الأخيرة الحصول على كميات كبيرة من المعدن، ربما تفوق ما تم استخراجه بشكل رسمى من خلال مصنع إنتاج الذهب بجبل السكرى بنطاق مدينة مرسى علم، مطالبًا باستغلال مواقع أخرى تصل إلى 120 موقعا بنطاق الصحراء الشرقية، خاصة المنطقة التى تنحصر بين سفاجا مروراً بالقصير ومرسى علم وشلاتين وحلايب، ووضع إطار قانونى للحصول على حقوق الدولة طبقا لقانون المحاجر والمناجم فى أى عملية استغلال لخامات الذهب فى المنطقة وفتح مجال للاستثمارات فى هذا القطاع.
وكشف مسؤولون بشركة «شلاتين للثروة التعدينية»، خلال اجتماعهم مع عدد من شيوخ القبائل ومسؤولى هيئة الثروة التعدينية، بحضور اللواء محمد طلخان، رئيس مجلس إدارة الشركة، أن الهدف الرئيسى لعمل الشركة هو دعم الاقتصاد الوطنى وتحقيق حياة كريمة للمواطنين بمناطق الامتياز، لافتين إلى أن الشركة حصلت على حق الامتياز بالاستكشاف واستخراج الذهب والمعادن المصاحبة له.
وأكد مسؤولو الشركة أن رأسمال الشركة مصرى 100%، وأنها تهدف لخدمة جميع المواطنين وتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى لهذه المناطق الحدودية وتحقيق الأمن الاجتماعى ووقف التنقيب العشوائى وغير الشرعى، لافتين إلى أن الشركة تسعى لضبط هذه العمليات وجعلها تعمل تحت ضوابط وأسس ممنهجة لا تسبب أى أذى وليس لها أى مردود سلبى للبيئة، وأن الشركة تهدف إلى تحويل التعدين إلى تعدين أهلى محكوم تحت سيطرة شركة شلاتين للثروة المعدنية.
وتم خلال الاجتماع طرح مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بالاتفاق مع البنوك، حتى يتمكن جميع أهالى منطقة «حلايب وشلاتين» من العمل تحت اسم الشركة، وهى مبادرة لتوفير مصدر دعم للحصول على متطلباتهم من معدات وأجهزة بحث وتنقيب تخدم هذا العمل.
وكان القرار الجمهورى الذى أصدره الرئيس السيسى 2015 قد تضمن أن منطقة امتياز الشركة تقع ما بين خط عرض 24 إلى 22 جنوبا، ومن ساحل البحر الأحمر إلى خط طول 33 بالقرب من محافظة أسوان، وأن الهدف من إنشاء شركة شلاتين هو تقنين أوضاع البحث العشوائى عن الذهب والمعادن بتلك المناطق، من خلال شركة وطنية، ما يحقق عائدا للدولة، ووقف ظاهرة التنقيب العشوائى عن الذهب فى جنوب البحر الأحمر، حيث يعمد القائمون على التنقيب العشوائى إلى نقل كميات الذهب المنتجة إلى السودان لبيعها، مع تقنين السلطات هناك عمليات بيع الذهب العشوائى، ولا توجد إحصائيات محددة عن حجم تلك العمليات، ويسهم القرار فى الحفاظ على موارد البلاد الطبيعية، وتساهم فى توفير فرص عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة لأبناء المنطقة من خلال الأنشطة المرتبطة بها.
وتشمل مناطق التنقيب لشركة «شلاتين» جبل أيقات، وجبل الجرف، ووادى مسيح، وجبل علبة، ومنطقة أسوان بالصحراء الشرقية، والمناطق الممنوحة لشركة شلاتين تبلغ مساحتها 13.67 ألف كيلومتر مربع فى حلايب وشلاتين وأسوان، ويبلغ رأسمال شركة شلاتين حوالى 18 مليون جنيه، تساهم فيها هيئة الثروة المعدنية، وبنك الاستثمار القومى، والشركة المصرية للثروات التعدينية، فى المنطقة الواقعة بين خطى عرض 24/ 22 شمالاً، وصدر قرار بتأسيسها، فى نهاية عام 2012، وسوف يعمل ذلك على تقنين الاستغلال العشوائى للذهب، مع استغلال المناجم الموجودة فى المنطقة، والعمل على الاستغلال الاقتصادى الأمثل للخامات المعدنية، بتحقيق أعلى قيمة مضافة لها بدلًا من تصديرها مادة خاما، والدخول فى شراكة مع شركاء أقوياء، مع تطبيق الممارسات القياسية، وأن تكون الخبرة هى الركن الأساسى الحقيقى لتحقيق أهداف الشركة، والخروج من موقع الشركة المحلية إلى شركة عالمية قائدة فى قطاع التعدين بتطبيق الممارسات القياسية.
من جانبه، أكد اللواء أحمد عبدالله، محافظ البحر الأحمر، أن الدولة حريصة على احتواء ظاهرة التنقيب العشوائى ومواجهتها من خلال تقنينها والبحث عن سبل لمجابهتها، مع مراعاة البعد الاجتماعى للمنقبين، وأن يكون تنقيبهم من خلال تصاريح من الدولة، وأن يكون التعامل مع المنقبين العشوائيين ليس باعتبارهم مافيا أو لصوصا، وإنما باعتبارهم مواطنين اضطرتهم ظروفهم للعمل فى هذا المجال.
وأضاف «عبدالله» أنه تم الاتفاق على تدريب المنقبين على العمل تحت مظلة شرعية توفر لهم أجهزة ومعدات حديثة، ليسلموا ما يحصلون عليه من الذهب لكى لا يضر هذا التنقيب الثروات المعدنية الأخرى أو يتسبب فى طمس معالم المنجم القديمة وبيع ما يتحصلون عليه للدولة.
وتابع أن شركة «شلاتين للذهب والمعادن»، التى أنشأتها الحكومة بناءً على طلب منه لتقنين عملية البحث والتنقيب عن الذهب بالمنطقة، بدأت ممارسة نشاطها العام الماضى من خلال تصاريح تمنحها لشركات أو أفراد، وحددت مناطق معينة لعمل أى شركة، على أن تقوم الشركات بمنح إنتاجها من الذهب للشركة المشار إليها مقابل تخصيص 20% من الإنتاج لخزينة الدولة، وتشترى الشركة 80% من الإنتاج من المنتجين.
وأشار إلى أن الحل الجذرى لوقف ظاهرة التنقيب العشوائى عن الذهب وضع خطة طموح تتيح فتح الاستثمارات أمام كبرى الشركات المحلية والعالمية لاستغلال خامات الذهب المنتشرة فى عشرات المواقع بنطاق المحافظة.