حكايات الدكتور «كورنيشون» مع المنظمة الدولية، عنوان القصة التى نشرنا ثلاثة أجزاء منها يوم الجمعة الماضى. وهى قصة من الخيال العلمى. يأخذنا خلالها المؤلف فى رحلة شيقة ممتعة. وإليكم الجزء المتبقى، وهو الثالث. والذى لم ينشر نتيجة خطأ مطبعى حيث سبقه الجزء الرابع. لذا وجب الاعتذار.
3
وتوقف عندما حركت إصبعى بعلامة عدم الموافقة. وجلس كمال إلى جواره وكانا يتبادلان الحديث فى موضوعات عامة. وأصدر جهازهما صوتا خافتا، وتوقعت أن هناك تعليمات جديدة:
1- التوقف عن السؤال عن مكان مولده.
2- أذكر للمتهم أسباب التحقيق معه.
3- يمكن استخدام درجات عنف من 2-3 على 10 إذا احتاج الأمر.
4- سنوافيكم بأى تغيير فى الخطة فى وقت لاحق. (تغيرت مجموعة المراقبة إلى المستوى 2).
ورفع حسام عينيه تجاهى: دكتور «كورنيشون».. نحن مقتنعون بأنك لا تتذكر موضع ميلادك، ولن أسألك عن هذا مرة أخرى! ولكن أتعرف لماذا نحقق معك الآن؟
وعندما لم يجد أى استجابة من نظراتى الباردة قال: أنت طبعا تعرف كيف انتهت حرب الثلاثين عاما.. لقد انتهت عندما تمكنا من معرفة مكان مرتكبى الجرائم أيا كان نوعها والقبض عليهم فى الحال!!.. فأنت تعرف أن سرعة التطور التكنولوجى مرتبطة بالحروب.. وهذا درس قد تعلمناه من التاريخ!.. القصة بدأت ببساطة عندما صنعوا شريحة من عدة معادن معينة وإذا نقلتها إلى أى مكان فسيرصد موضعها قمر صناعى مجهز إذا كانت فى مداره حول الأرض.
وتوقف قليلا ثم قال: هذا ما حدث من عدة سنوات.. ولكن التقدم التكنولوجى الهائل جعل من حجم الشريحة بضعة ملليمترات، وأصبحت الكرة الأرضية يدور حولها آلاف الأقمار الصناعية. ونظر إلى سقف الحجرة وهو يشير إليه: نحن الآن يرصدنا قمر صناعى، وبعد عدة دقائق سندخل فى مدار قمر جديد.. هذا ببساطة ما يحدث طوال الـ24 ساعة فى كل أنحاء الكرة الأرضية!! ونظر إلى كمال وهو يضحك: الشريحة مزروعة الآن تحت جلد الصدر لعدة مليارات من البشر، ولكنى أنا وكمال من يحب احتضان الجهاز!! فضحك كمال قائلا: أنا فعلا تزوجت الجهاز.
وعاد ينظر إلى: ولك أن تتصور أن مجرد معلومة بسيطة واحدة عن مكانك فى أى لحظة من اليوم قد أنهت «أم المعارك» كما أطلق قائد ساذج على حرب محدودة حدثت من قبل، ولكن هذه المعلومة غيرت عالمنا تماما!!.. برامج رهيبة لقواعد المعلومات، وقواعد البحث، والصوت والصورة، وعدم الاختراق ومكافحة التجسس وآلاف البرامج غيرها.. أتعرف يا دكتور «كورنيشون» أن أهم شىء للإنسان هو الشعور بالأمان.. لقد دخلت معظم دول العالم فى التنظيم الدولى الكونفيدرالى دون أى إكراه، وتخلت عن هويتها وقبل ممثلوها الدستور الدولى الجديد، وقواعد المنظمة فى الإشراف على الأمن والاقتصاد والصحة وحقوق الإنسان، وقبلت التعامل بالوحدة النقدية العالمية الجديدة، وكما قال أحد الفلاسفة «نحن فى الطريق إلى (المدينة الفاضلة) كما سماها (أفلاطون) من قبل!!
وضحك مستطردا: ولكن الإنسان فى داخله لم يتغير على مر العصور، فغريزة الشر لم تنته.. وهذا شىء جيد وإلا أصبحت عاطلا وبلا عمل!!
وأخذ ينظر إلى وجهى متفحصا وهو ينقر بأصابعه على المكتب أمامه.
فقلت له بحدة: ولكن لماذا تحققون معى؟.. أنا أيضا أحمل شريحتى.. يمكنك أن تتحقق من هذا بأى طريقة تريد!!
حسام: لقد تحققنا من هذا فعلا.. ولكن وصلنا إنذار من المركز العالمى أن شريحتك فى بعض الأحيان قد لا تعمل.. هذا الإنذار كان من بضعة أشهر!.. هل فعلت أى شىء بالشريحة؟
فقلت: لا.. أنا أعرف القوانين جيدا.. قطعا لم أتلاعب بها.
حسام: وسائل المراقبة عندنا أثبتت أنك لأكثر من مرة تكون فى موضع ما وبعد برهة قصيره تختفى أو ترصدك فى مكان آخر لا يمكن وصوله فى مثل هذا الوقت القصير!!
فقلت:.. هذه ليست مشكلتى.. هذا بالقطع عيب فى الشريحة.. أو أحد أقماركم الصناعية أو ربما ببرامجكم.. أرجوكم أنا مرهق.. أنا لن أتكلم بعد الآن!! وأغمضت عينى وأنا أضغط على أحد أزرار الكرسى المتحرك ليدور معطيا ظهرى لهما.
وسمعت صوت احتكاك كرسى يتحرك بعنف وصوت كمال وهو يصيح: أنت كاذب.. أنت «صرصار» على صورة إنسان يا.. ابن..، سأقتلك كما قتلت العشرات من قبلك!!
وشعرت بيديه تدير الكرسى بعنف.. وفجأة بدأت الأصوات تخبو عندما وجدا رأسى يسقط على صدرى. وقال حسام: هل فقد الوعى؟ وكان كمال يضع إصبعه على رقبتى وقال وفى صوته رعشة: أنا لا أتحسس أى نبض.. إنذار.. ومال تجاه جهازه صائحا: إنذار-9.. إنذار-9.
واندفع إلى الغرفة مجموعة من الأطباء والممرضات مع سرير طبى متنقل والعديد من أجهزة إنعاش، وأيضا بعض جنود الحراسة الأشداء، وبعد دقائق قليلة دخل الحجرة مجموعة من الرجال فى ملابس مدنية. وكان الجميع ينظر إلى أحد الوافدين باهتمام كبير، وبدا من وقفة حسام وكمال ومتابعتهما له أنه على منصب رفيع. وكان يدور من حولى محاولا معرفة هل يمكن إنقاذى أم لا؟ وعندما لم يلتفت أحد إلى أسئلته المبتورة توجه لموضع حسام وكمال، وكان الغضب يبدو على وجهه.. «ماذا فعلتم بالدكتور شونكير يا ولاد الكلب؟».
حسام: الدكتور «كورنيشون» يا فندم.. لا شىء يا فندم!!.. كل الاستجواب مسجل.. لقد بدأنا مع مراقبة على المستوى الرابع وارتفعت إلى المستوى الثانى.. كله مسجل يا فندم. ونظر إليهما وقال محذرا:.. أنتما «زبالة» البلد يا ولاد..، لو مات هذا الرجل فعقابى سيكون شديدا!!
واستدار متجها إلى موضعى وهو يهمس لأحد زملائه:.. سيقيلوننى من منصبى لو مات.. يبدو أنهم لم يعرفوا قدر هذا الرجل!!
وكانت الأجهزة والأسلاك والأنابيب تحيط بى من كل الجهات. ووضع جهاز يشابه النظارة العريضة على وجهى وكان يصدر ضوءا قويا تجاه مقلتى. وقال الطبيب بطريقة متعجبة: ما هذا؟.. خلايا شبكية قاع العين بدأت فى التحلل!! والجهاز يقرأ وقت الوفاة أنه كان منذ ساعتين.. لقد حضرنا بعد دقيقتين من إنذار الطوارئ ولم تمض أكثر من سبع دقائق!! وقال طبيب آخر: وهنا على جهاز تحليل بروتينات الدم فقد أعطانى قراءة أن الوفاة كانت من ساعتين وعشر دقائق!.. شىء غريب!!
فصاح المدير: الرجل مات.. أوقفوا كل أنواع الإنعاش.. أريد تشريحا فوريا للجثة.. انقلوه فورا!!
وتحولت الهمهمات إلى صياح بأصوات حادة بين معترض وموافق.. وبدأ بعض المدعوين فى التشابك بالأيدى والعراك.
ومال دكتور «كورنيشون» إلى أذن أحد زملائه قائلا: ألم أقل لك من فترة إنه توجد بشائر لبداية الحرب العالمية الرابعة!!