أثار أحد النواب فى البرلمان المصرى جدلاً واسع النطاق عن زيادة ضعف الرغبة الجنسية للرجال المصريين فى وقتنا الحالى. ومن أسباب هذا الجدل الشديد أنه أولاً: أعطى إيحاء بوجود مبدأ المؤامرة من قوى خارجية أو داخلية للحد من الزيادة المتسارعة فى تعداد السكان، وذلك بإضعاف الرغبة الجنسية للرجال، ولكن الثابت تاريخيا أن مبدأ المؤامرة يُطرح غالبا على أى ظاهرة أو أحداث عامة لا نعرف بالمنطق البسيط أسباب حدوثها فى كل المجتمعات، فمثلا انتشار مرض «الإيدز» ومرض «الإيبولا- Ebola»، ومرض زيكا «Zika»، الذى يسبب تشوه الأجنة فى العصر الحديث، فكان مبدأ المؤامرة له نصيب وافر فى تبرير اكتشافه وسبب انتشاره، فقيل إن سببه قد يعود إلى المخابرات الأمريكية بدافع الإقلال من انتشار الشذوذ الجنسى أو للتخلص من فقراء أفريقيا وأمريكا اللاتينية، أو أنه قد يكون مؤامرة من شركات الدواء الكبرى للربح من بيع دواء جديد مرتفع الثمن. وفى هذا الوقت لم يشر أحد إلى احتمال تواجدها على مر العصور، أو إلى طفرة وتحول لشكل أحد الفيروسات مسببة لمرض جديد، أو أن التقدم العلمى هو العنصر الرئيسى فى اكتشافها فى عصرنا الحالى. والجهل بأصول الشىء يدفع العديد من المجتمعات إلى الإيمان بمبدأ المؤامرة فى مختلف نواحى الحياة، وحديثا فى مجال السياسة، فقد أطلق أنصار مرشحة الرئاسة الأمريكية «كلينتون» مبدأ أن هناك مؤامرة من أنصار منافسها «ترامب» لإصابتها بالتهاب رئوى، مما يشكك فى أهليتها الصحية لخوض الانتخابات الأمريكية، وطبعا ذكرته وكالات الأنباء على أنه خبر مضحك ولا معنى له.
والسبب الثانى فى هذه الضجة الإعلامية أنه جرى العرف على أن كل ما يخص الناحية الجنسية يُعتبر نوعا من المحرمات الاجتماعية (Taboo)، التى لا يجب مناقشتها فى العلن، حتى إن النائب أشار إلى أن مَن لا يعجبه رأيه، فهو يتكلم عن نفسه ولا يريد الإساءة لأحد!!.
والمقالة مقسمة إلى جزءين، أولهما هل جد جديد فى الكفاءة الجنسية للرجل المصرى؟ وهل نحتاج إلى أدوية تساعد على تحسين الكفاءة الجنسية، والجزء الثانى عن مريض القلب والعلاقة الجنسية والأدوية المتعلقة بها، فهل مشكلة الانتصاب هى مشكلة مصرية خاصة بالجيل الحالى أم أنها مشكلة عالمية!! فيُقدر عدد الأمريكيين الذين يعانون من بعض مشاكل الانتصاب بحوالى 32 مليون رجل، وهى نسبة تصل إلى 12% من تعداد السكان، وهذه النسبة تزيد فيمن هم أكبر من 50 سنة إلى 1 من كل 3 رجال، والأهم من ذلك أن غالبيتهم لا يستشير طبيبا فى مشكلته الجنسية أو عدم قدرته على إتمام ما بدأه فى الفراش، ومتوسط ممارسة الجنس فى كل الأعمار هو مرة فى الأسبوع لحوالى 50%.
ويُعتبر عقار «الفياجرا»، الذى صنعته شركة «فايزر»، علامة من علامات العصر، حتى إن عصرنا هذا يطلق عليه فى كثير من المقالات أنه عصر دواءى الفياجرا والبروزاك. والأخير دواء كثر استعماله لمرضى الكآبة النفسية.
وكانت كل الأبحاث القائمة على دواء الفياجرا (الاسم العلمى Sildenafil) تتم فى معامل شركة فايزر فى إنجلترا سنة 1996 متجهة إلى أنه دواء تجريبى لمرضى ارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية، حتى أثبت أن أثره الجانبى (الذى اكتُشف بالمصادفة) هو انتصاب العضو الذكرى، وأن هذا العارض أهم بكثير للشركة من تأثيره على القلب وشرايينه. ولمعرفة مدى حجم نجاح هذا الاكتشاف أو مجرد أن ملاحظة عارض ثانوى أثناء التجارب الأولية للدواء هى أن نعلم أن شركة فايزر باعت منه سنة 1999 بما يعادل بليون دولار أمريكى، وأن الشركة قد استخدمت نجوم المجتمع فى الدعاية التليفزيونية للفياجرا مثل «بوب دول Bob Dole»، وكان نائبا لرئيس الولايات المتحدة (الرئيس فورد) فى هذا الوقت.
ولكن بسبب الأرباح الطائلة للأدوية المساعدة على علاج الضعف الجنسى للرجال، أصبح يوجد أكثر من خمسة عشر مركباً فى الأسواق العالمية، وأصبحت المنافسة فى قمتها بين ثلاثة منها أو فياجرا وسياليس (Cialis) ولفيترا (Levitra) فى سوق الدواء العالمية. وهذه الأدوية لا تجدها تباع بدون روشتة طبية فى معظم الولايات الأمريكية وكندا وأستراليا وأغلب الدول الأوروبية كما هو الحال هنا فى مصر.
فهل قلت الرغبة الجنسية للرجال المصريين؟ وهل ارتفعت نسبة العجز الجنسى بينهم فى وقتنا الحالى؟ فعندما تطرق الأستاذ جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» عن خصوبة المصريين كتب: «.. وما قاله المؤرخون العرب فى العصور الوسطى لا يختلف كثيرا عما يقوله كُتاب اليوم، فالمقريزى فى القرن الرابع عشر قال: (ورجالهم يتخذون نساء عدة، وكذلك نساؤهم يتخذن عدة رجال، وهم منهمكون فى الجماع، ورجالهم كثيرو النسل ونساؤهم سريعات الحمل).. هذا بينما يقول كاتب أوروبى معاصر (William Vogt-1949) ساخرا: (إن لعبة الجنس هى الرياضة الوطنية للمصريين)».
والشعور المتوارث لأهمية الحياة الجنسية للمصريين قد ذكرنى بالمسرحية الهزلية للممثل القدير «محمد صبحى» فى مسرحية «الهمجى» عندما بدأ يتحرش متفاخرا بقدرته الجنسية أمام فتاة أجنبية بأنه مصرى!! (I am Egyptian man).
فبالعودة إلى تساؤل النائب عن صحة ظاهرة تفشى انخفاض الرغبة الجنسية للرجال فى وقتنا الحالى، فأنا أوافق تماما على صحة هذا الرأى، وأنها فى الطريق لكى تعادل نسبة الإحصائيات العالمية، وأنه لا يوجد عنصر المؤامرة، ولكننا أصبحنا مثل جميع دول العالم النامى سواء رغبنا أم لم نرغب، نخطو فى طريق عولمة الإعلام، وأصبحت الحداثة والتحديث فى كل شؤون حياتنا من الأمور التى تشد انتباهنا وتشغل الجزء الكبير من تفكيرنا بعيدا بعض الشىء عن لعبة الممارسات الجنسية شبه اليومية، والتى كانت مسيطرة على تفكير المصريين على مدار العصور السابقة.
ولكن ما قيمة الأدوية الجديدة التى أصبح استخدامها لجميع طبقات المجتمع المصرى مثل الوباء؟
معظم الأدوية التى تساعد على الانتصاب تعمل عن طريق مساعدة تمدد الأوعية الدموية، وهى لا تؤثر على تنشيط الرغبة الجنسية، فيجب أن تتوفر الرغبة والمناخ المناسب للجماع ليظهر تأثيرها، وإن لم توجد مثل هذه الظروف المناسبة فستعانى من الآثار الجانبية لمثل هذه الأدوية بدون انتصاب فعلى، فجميع الأدوية المستخدمة سواء الفياجرا أو غيرها تكون لها آثار جانبية، وتختلف الآثار الجانبية من رجل إلى آخر، فقد لا توجد بالمرة وقد تكون شديدة ومؤثرة أو خطرة على صحة هذا الرجل. وعامة فالشكوى منها تتراوح ما بين الشعور الوقتى بأعراض الإصابة بأدوار تشابه «البرد»، مثل احتقان الأنف والإحساس بالسخونة أو ارتفاع درجة الحرارة مع احمرار العينين والوجه. وقد تكون الشكوى من الغثيان أو الإسهال. وكل هذه الأعراض قد تكون غير ملحوظة أو قليلة ولا تلاحظ فى أثناء الفورة الجنسية. ولكن إذا شعرت بهبوط وتسارع ملحوظ فى ضربات القلب مع عرق شديد قبل الممارسة الجنسية، فننصح بالتوقف عن استخدام هذه الأدوية واستشارة الطبيب، فقد تكون مصابا بحساسية لهذا الدواء أو أن الجرعة التى أخذتها لا تناسبك. وتُعتبر هذه الأدوية خطرة إذا كنت تعانى من قصور بالشرايين التاجية أو ارتفاع أو انخفاض بضغط الدم، وأيضا لمن يعانى من فشل كلوى أو كبدى أو مصاب بأمراض الدم أو بأمراض شبكية العين، فهى قد تؤدى إلى فقد النظر!
والسؤال الأخير هو: هل يمكن للسيدات استخدام أدوية المساعدة على الانتصاب الخاصة بالرجال؟ والإجابة هى لا، فكل هذه الأدوية لا تصلح للسيدات المصابات بالبرود الجنسى!. وظهر فى الأسواق العالمية دواء جديد يطلق عليه الأقراص «الوردية» أو (Addyi، or flibanserin). وهو لتحفيز الرغبة الجنسية للسيدات. ولكن الأبحاث العلمية الموسعة أثبتت فشله فى معظم الحالات مع خطورة بعض آثاره الجانبية!!
* أستاذ القلب- جامعة القاهرة