في ديوانه الصادر مؤخرا عن دار ألف ليلة بعنوان «قلب على طاولة» يقدم الشاعر سامي الغباشي عددا من القصائد التي تضيف الكثير إلى مشواره في كتابة قصيدة النثر، ويحمل الديوان اسما يشي بمضمونه، فكأن الشاعر أخرج قلبه من صدره ووضعه على طاولة المقهى، وبدأ ينبش فيه، مستخلصا ذكريات ممتعة وأخرى مؤلمة، وكلها دالة على الحنين إلى الماضي، بالإضافة لمحاولة الإمساك بتلابيب روح ثورة 25 يناير، وما شهدته من أحداث واقعية، لا تخلو من أبعاد شعرية .
ففي قصيدة بعنوان «لم أصدق نفسي.. ولم أصدقهم» يقول :«حاولت أن أكون حقيقيا / أن أتخلى / عن القروي المتدين واليساري/ والمتطرف والصوفي / والعائد من الثورة بكوفية تدل أنه كان هناك ..».
يرصد الشاعر الزحام الذي يجتاح روحه بين أفكار وأيدلوجيات مختلفة، باعتبارها كلها حالات اختبرها وقت الثورة أو وضع يده عليها حينها، إلى أن يصل لمرحلة عدم الجدوى ويكتفى بالمشاهدة وتأليف الحكايات عن الثورة مقتبسا وقائع مباشرة وشهيرة قائلا: «حاولت أن أكون حقيقا ../ وعندما فشلت ../ كنت أنتظر العائدين كل يوم بعد الثورة ../ (على بعد محطتين) / لأعود معهم ../ وأحكي عن مغامراتي ( التي صنعتها من نشرة الأخبار)/ وكيف أن مسيحيا صب الماء لي لأتوضأ/ وكيف أن (جورج إسحاق) وقف وأصحابه ليحمي الساجدين».
ويظل المقهى هو البطل الخفي والمعلن في العديد من قصائد الديوان باعتباره حالة تواصل وتبادل أفكار واحتكاك مباشر بنماذج مختلفة من الأصدقاء والبشر عموما، كما يظهر في قصيدة شروط الحرية: «دع مسافة بينك وبينهم / فعلى طاولاتهم ستفرض عليك / صيغة للسلام / وصيغة للكلام / والمعتقد».
كما تحتل المرأة والإيروتيكا الخفيفة ونوستالجيا المحبة جانبا كبيرا من الديوان كما في قصيدة «انحناءة لصب القهوة»: «كمراهق / أسابق عيني لتثبيت فتنتها/ لأخطف ما تيسر من بهجة القميص..، / القميص المطعم ببلاغة الدانتيلا».
وتعتبر تيمة القرية و«شيخ الكتاب» واللغة الصوفية من السمات المميزة في الديوان والنظر إلى الأمور بعين الطفل مدعي البراءة، كما في قصيدة «للأطفال ذاكرة فضاحة»: «لا تتكلموا كثيرا أمام أطفالكم / فالمبهم على آذانهم / سيحفظونه في مكان بعيد/ ويدعون أنهم أطفال كتاكيت كما تسمونهم / وعند أول تفتيش بعد حاجز البراءة الوهمي / سيستخرجون ما قلتم ليفحصوه بعناية / وسيقولون في أنفسهم / ( ياللأباحة ) التي كانت عند الكبار».
ويعتبر الديوان في مجمله امتدادا للتجربة الشعرية المميزة التي قدمها الغباشي في 3 دواوين سابقة هي «فضاء لها ومسافة لي» و«وتسميهم أصدقاء» و«رصيف يصلح لقضاء الليل».