هى الفنانة الوحيدة التى صنعوا لها دمية من فرط نجاحها الطاغى فى أداء دور «ماما نونة»، بينما يوم وفاتها فى مسلسل «يتربى فى عزو» فى الحلقة قبل الأخيرة كان يوم حزن قومياً فى البيت المصرى العربى، إلا أن هذا النجاح الطاغى لم يترجم مع الأسف بعدها إلى أدوار تسند إليها لتواصل نجاحها المستحق، ظلت أكثر من عشر سنوات تدفع ضريبة التفوق الاستثنائى، بعد أن حققت هذه الدرجة من الحميمية فى علاقتها مع الجمهور.
وبدأت توابع النجاح تتصاعد، مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون منحها جائزة الأفضل «الذهبية»، إلا أن نجمة أخرى كانت تشارك بمسلسل ثان فى نفس المسابقة قالت: «أريد الجائزة»، لم يستطيعوا انتزاع جائزة كريمة مختار ولكنهم جعلوها جائزة مناصفة مع تلك النجمة الكبيرة، ويومها كتبت مقالا فى جريدة «صوت الأمة» كان عنوانه «تزوير فى جوائز رسمية».
للدواء الشافى أعراض جانبية والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة تؤدى إلى مخاطر صحية. النجاح الطاغى كذلك قد يصبح سببا فى تراجع المبدع، عندما يجد نفسه قد أصبح مثل من يقفز الحواجز إذا لم يحقق فى القفزة التالية رقما أعلى يتعثر ويخرج من التسابق!!
أتصور أن الفنانة القديرة كريمة مختار عانت من أشواك النجاح ولكن بطريقة عكسية، كانت مؤهلة حقا للعبور والقفز لدرجات أعلى، ولكن قانون الدراما الذى لا يرحب سوى بالنجم الأول الأوحد حال دون تحقيقها ذلك، كما أن بعض النجوم والنجمات لم يرحبوا بتواجدها بجوارهم خوفا من نجاحها الطاغى الذى يطلقون عليه «سرقة الكاميرا».
مرات قليلة التقيت مدام كريمة وآخرها لقاء تليفونى قبل بضعة أشهر اتفقنا فيه على أن أسجل مذكراتها ولكن سرقتنى مشاغل الحياة، كانت تعتب على السينما برغم أنها فى السنوات الأخيرة تواجدت فى أدوار مؤثرة مثل «ساعة ونص» و«فرح»، إلا أنها كان يستوقفها أسلوب التعامل وليس قيمة الأجر الذى تحصل عليه، حيث يتم دفع المستحقات باليومية والاتفاق بعدد أيام التصوير، وهو ما كان يجرحها أدبيا.
عرفت هذه السيدة الرائعة البطولة مبكرا فى فيلم «المستحيل»، أول أفلام حسين كمال، ولا ننسى أن من أهم محطاتها الفنية «الحفيد» عاطف سالم، «بالوالدين إحسانا» حسن الإمام، تزوجت فى الخمسينيات من المخرج الكبير نور الدمرداش الذى كان يحمل لقب «ملك الدراما»، ورغم ذلك كان من الممكن مثل أى فنانة تتزوج مخرجا كبيرا أن تُصبح أدواره حكرا عليها والأمثلة متعددة، ولكن لا نور فعلها ولا هى كانت تقبل المحسوبية، ونجحت وتألقت بموهبتها فى اعتلاء القمة فى كل مساحة تُسند إليها.
وظلت هى الأم، كنت أحرص حتى آخر عيد أم أن أرسل لها عن طريق معتز الدمرداش تهنئة، فهى الأم الافتراضية للمصريين، آخر أم امتلكت عبر الشاشتين هذا الإحساس الدافئ، كان من المستحيل تصنيفها فنيا، وهذا هو سرها، فلا هى كوميديانة ولا هى تراجيديانة. إنها فقط كريمة مختار أروع من أدى فى السنوات الأخيرة دور الأم، اخترقت حدود وقيود الشاشة، لتصبح فى الشارع والبيت هى أيضا الأم.. وداعاً يا أمى.