x

«المصري اليوم» ترصد عادات قبائل جنوب السودان على ضفة «النهر العجوز»

الإثنين 10-01-2011 20:30 | كتب: هشام علام |
تصوير : محمد معروف

من هنا تبدأ رحلة جديدة لنهر النيل، أو كما تطلق عليه القبائل المستوطنة على ضفتيه «النهر العجوز»، لم يلتق النهر الأبيض بالنهر الأزرق بعد، يفصل ضفتيه كوبرى حديدى به ممر للمشاة، إلا أنه يعتبر منطقة عسكرية، حيث استقرت قوات الجيش الشعبى السودانى على ضفته الشرقية، وهناك أيضاً يذهب الناس للاستحمام، وغسل الملابس والأوانى والحصول على مياه الشرب، لكن الحياة على الضفة الأخرى تبدو شيئاً مختلفاً.

مع الساعات الأولى للصباح تخرج قطعان البقر للمراعى فى غابات السافانا، تمر فى طريقها بالقنصليات والفنادق، عندما تتحرك تسقط قواعد المرور عمداً، فهذه الأبقار هى إحدى أهم ثروات الجنوب، ومن أجل مراعيها تنشب حروب تمتد لسنوات بين القبائل الكبرى، وتباع قرونها التى يصل طول بعضها إلى متر تقريباً، بأسعار مرتفعة لأنها تتحول إلى هدايا يقدمها العريس لعروسه، إثباتاً لكرمه ونقاء سريرته.

لا أحد يجرؤ على الاقتراب من النهر عندما تذهب الأبقار للشرب، يسوقها الرعاة مرتين إلى النهر، عند شروق الشمس وقبل غروبها، وما إن تتحول جنوبا حيث المراعى الغزيرة، حتى تمتلئ الضفة بالدراجات التى يحمل عليها المواطنون «جراكن» كانت فى الأصل تحمل وقود سيارات الجيش، وتحولت إلى مخازن متنقلة للمياه، يخلع بعضهم ملابسه وينزل النهر عارياً ليحصل على حاجة بيته من الماء، فيما يستخدمها البعض كفرصة للاستحمام والتخلص من حرارة الشمس المرتفعة، فتجد فجأة أن ضفة النهر قد امتلأت بعشرات الرجال والأطفال الذين نزلوا عرايا تماماً للاغتسال، فيما يمكنك رؤية النساء يستحممن بالكيفية ذاتها على الضفة المقابلة، حيث تسكن قبائل «الدنكا» و«موندارى» و«بارى».

التعامل مع هذه القبائل أمر بالغ الصعوبة، أغلب أبنائها يتحدثون «السواحيلى»، وقليلون جداً من يعرفون بعض الكلمات العربية أو الإنجليزية، لذا لم يكن هناك بديل عن الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة، لكن ثمة عقبات أخرى هنا، فهم سريعو الغضب ويرفضون التعامل مع الغرباء أو الملونين «أمثالنا»، الذين لا يتمتعون بنقاء العرق «مثلهم» - بحسب المترجم، البداية كانت مع النساء، تعرية الصدر أمر عادى هنا، لذا كان لابد من إقناعهن بالظهور بكيفية معينة لالتقاط بعض الصور، أغلب النساء يدخن شيئا يشبه «البايب» يطلقون عليه «دى بو»، يملأنه بالتبغ الخالص الذى يقومون بزراعته، وهو علامة على المرأة ذات الشخصية القوية، لكن ثمة عادات اجتماعية هنا تخص المرأة تستحق التعرف عليها أكثر.

ففى قبيلة «الموندارى»، والتى يتميز أعضاؤها بوجود 3 أهلة فى مقدمة الجبهة، تقوم بوشمها سيدة عجوز فى كل قبيلة للفتاة والشاب عند وصولهم إلى مرحلة البلوغ، تصبح هذه العلامات - والتى تختلف أشكالها تبعاً لكل قبيلة - دليل الحسن والنقاء للفتاة، والشجاعة للشاب.

تحت إحدى أشجار المانجو المنتشرة بكثافة هنا، ثمة شجار عنيف بين شاب وفتاة، يضرب كل منهما الآخر بما يقع تحت يديه، يحاول البعض تهدئة الطرفين لكن دون جدوى، بعد قليل تتضح الأمور، الفتاة تدعى «جوديب» توفى زوجها منذ 5 أسابيع وانتقلت بعدها للزواج من أخيه - هكذا تقول الأعراف هنا - لكنه أساء معاملتها، فقررت أن تنتقل وأولادها ليتزوجها والده، الذى كانت قد رفضته فى البداية، فنشب الخلاف بين الزوج والزوجة.

كثرة عدد الزوجات بين هذه القبائل أمر عادى، أغلبهم هنا يعتنقون المسيحية، لكن الأعراف، بحسب المترجم، والذى يعمل ضابطاً فى الجيش الشعبى لتحرير السودان، لها الغلبة على كل شىء حتى الدين، ويكون المعيار فى تعدد الزوجات هو حجم ثراء الرجل وقدرته على دفع المهر، الذى يبدأ بـ20 بقرة ويصل إلى 100، بحسب ما يحدده والد العروس.

لا أحد بين هذه القبائل يجيد القراءة أو الكتابة، نسبة الأمية بينهم 100%، يعمل رجالهم فى الرعى وتجارة الأبقار والأغنام، فيما تتولى النساء مهام الغسيل وإعداد الطعام وتمليح الأسماك، وغزل أغصان حشائش السافانا لوضعها على سقف البيت، والتى يتم تغييرها فى الغالب كل 3 شهور، أما بناء بيت الزوجية فتقوم به أسرة العريس.

وبين الأكواخ الطينية هنا ثمة مكان أحيط بالغاب تتوسطه شجرة مانجو وارفة الظلال، تتدلى منها طبول أفريقية ومصباح، وهو مكان خصصه أفراد القبائل ليكون بمثابة كنيسة ومركز للعبادة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية