يُعد السرطان أحد أهم أسباب الوفاة حول العالم، إذ تسبب فى موت 8.2 مليون شخص عام 2012، ما يجعله هدفًا دائمًا لبحوث تطوير الأدوية والعلاجات.
ويعتمد أسلوب علاج السرطان التقليدى على الأدوية المُسممة للخلايا –العلاج الكيماوى- إلا أن الآثار الجانبية شديدة القسوة التى يُعانى منها المرضى جراء استخدام ذلك العلاج تدفع الأطباء دائمًا لمحاولة الكشف عن أساليب أخرى يُمكن استخدامها دون آثار جانبية.
ينشأ مرض السرطان من خلية واحدة، تتحول من طبيعية إلى ورمية خلال مراحل مُتعددة، تختبئ فيها من الجهاز المناعى، ومن المتوقع أن تزداد حالات السرطان خلال العقدين القادمين، بسبب كثرة وانتشار مُسببات المرض حول العالم، وهو ما يجعل السرطان مشكلة صحية عالمية، تتطلب البحث عن علاج ناجع وشاف وسريع.
ومؤخرًا، تمكن مجموعة من الباحثين الألمان من ابتكار علاج جديد يُحفز الأجهزة المناعية على مهاجمة الخلايا السرطانية وتدميرها عبر تفعيل الخلايا التائية المسؤولة عن مهاجمة الأورام الخبيثة. وبحسب ورقة بحثية نُشرت يونيو الماضى فى مجلة «نيتشر» العلمية العريقة، تمكن فريق ألمانى يترأسه عالم المناعة الشهير «أوجور شاهين»، أستاذ أبحاث السرطان بجامعة «يوهانس جوتنبيرج» الألمانية، حقق العلماء تقدمًا إيجابيا كبيرًا نحو خلق عقار جديد يجعل المناعة تُهاجم الأورام بنفس أسلوب مهاجمة الفيروسات.
قام الفريق البحثى باستخراج عينة من الأحماض النووية لثلاثة مرضى يُعانون من سرطانات مختلفة فى مراحل متقدمة، ثم قاموا بإدماج تلك الأحماض على جسيمات نانوية سالبة الشحنة ومُحملة على دهون، وحقنوا الخليط مرة أخرى داخل دماء المُصابين بالمرض، ليفاجأوا باستجابة جيدة من أجهزتهم المناعية، إذ قامت بمهاجمة الخلايا السرطانية وتدميرها بدقة عالية. وقال الدكتور «أوجور شاهين» مكتشف تقنية العلاج الجديدة لـ«المصرى اليوم» إن مهاجمة الخلايا السرطانية من قبل الجهاز المناعى البشرى أفضل وسيلة «مستقبلية» لعلاج السرطانات، إذ إن تكلفة العلاج ضئيلة بالمقارنة بطرق العلاج التقليدية، وهو ما سيُمكن الدول الفقيرة والنامية من استخدام ذلك الأسلوب للقضاء على السرطانات المنتشرة بها بتكلفة صغيرة، ما يعزز سُبل الرعاية الصحية ويُحسن من جودة الحياة. ونجح العلاج المناعى بشكل غير مسبوق فى مكافحة الأورام السرطانية المتقدمة لدى ثلاثة مرضى، أحدهم كان مُصاباً بسرطان الغدد الليمفاوية، وبعد إعطائه جرعات صغيرة من العلاج، أصبحت الأورام أصغر حجمًا، كما نجح العلاج مع مريض آخر تناول جرعات منتظمة من العقار لمدة 7 أشهر، وكان يُعانى من سرطان الجلد، إذ استقرت حالته بعد أن تدهورت جراء الأساليب العلاجية التقليدية.
وتُثير تقنيات العلاج المناعى للسرطان خيال الأطباء منذ عقود، إلا أن موجة الأبحاث الموجهة نحو محاولة اكتشاف عقاقير مناعية أخذت فى الانتشار مع بداية العام الماضى، وتعتمد تقنيات العلاج المناعى على استخدام عقاقير تُحفز وتشجع الخلايا التائية- أحد أعمدة المناعة المكتسبة- المسؤولة عن محاربة الأورام. وتمتاز تقنيات العلاج المناعى عن غيرها من أساليب مكافحة مرض السرطان كونها ذات آثار جانبية محدودة، على عكس العلاج الكيماوى الذى يُسبب عددًا من الأضرار غير المرغوب بها، من ضمنها التأثير على الخلايا السليمة والسرطانية على السواء، خصوصًا لدى الحالات المتقدمة فى مرض السرطان.
الدكتور «آلان ميلتشر»، الأستاذ بمعهد أبحاث السرطان، قال فى تصريح لوكالات إعلام غربية إن البحث «مُثير للاهتمام»، غير أنه عاد وأكد أن الوقت لايزال مُبكرًا، والطريق لايزال بعيدًا على إثبات كونه ذا فائدة للمرضى، فبالرغم من أن العلاج المناعى للسرطان هو مجال سريع التطور إلا أن العلاج الجديد جُرب على الفئران وعدد قليل من المرضى، وهو ما يجعله لايزال فى طور إثبات فاعليته، على حد قوله. وعلى العكس، يرى الدكتور «هيلين ريبون»، الرئيس التنفيذى لمركز أبحاث السرطان، أن جهاز المناعة لديه إمكانات كبيرة لمحاربة الخلايا السرطانية، مُشيرًا إلى أن تمويل الأبحاث الهادفة لابتكار طُرق مناعية لعلاج السرطان قائم منذ 15 سنة، وسيستمر فى المستقبل لحين إيجاد علاج ناجع للمرض الخبيث، مشيرًا إلى أن نتائج التجارب «إيجابية»، خصوصًا فى حالة مريض سرطان الجلد، الذى كان يُعانى بالفعل من نوع شرس ومتقدم من المرض.
ومن المتوقع أن تُستكمل التجارب العلمية على الأسلوب الجديد خلال 2017 لتعطى أملاً وترسم طريقًا جديدًا يُحسن جودة حياة مرضى السرطان.