x

اليسار ونجيب محفوظ.. حكاية «كاتب البُرجوازيّة الصغيرة»

خالد إسماعيل: توصيف «مدرّسي جامعات».. وصلاح عيسى: لم ينتقص من أديب نوبل
الأحد 11-12-2016 01:23 | كتب: أحمد يوسف سليمان |
نجيب محفوظ - صورة أرشيفية نجيب محفوظ - صورة أرشيفية تصوير : other

«إن من المهم أن نؤكّد قبل الاستطراد، أن نجيب محفوظ هو كاتب البُرجوازية الصغيرة، وليس المعبّر عن القوى الاجتماعية الجديدة، التي تُكافح لكي تؤكّد وجودها؛ أعني الطبقة العاملة المصرية. ولكننا نظلمه ولا ننصف أنفسنا إذا لم نؤكد كذلك أنه روائي مصري قدير، وفي تعبيره عن هذه الطبقة الاجتماعية ومشاكلها كان صادقًا رائعًا في معظم الأحيان.»- «في الثقافة المصريّة»، عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم، القاهرة، 1955.

كانت العلاقة بين نجيب محفوظ واليسار المصري دائمًا محل جدلٍ وتأمّل من الكثيرين، ذلك أنها مرّت بأطوارٍ عدّيدة بين النقد الحاد حينًا والقراءة الرصينة والتمجيد في أحايين أخرى، كانت ذروتها في خمسينيّات القرن الماضي، بعد أن كان إنتاج «محفوظ» وصل إلى 10 روايات أهمّها؛ «القاهرة الجديدة»، «بداية ونهاية»، «خان الخليلي»، و«زقاق المدق»، ولم يكن قد نشر«الثلاثيّة» عندما وصف عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم في كتابهما «في الثقافة المصرية»، نجيب محفوظ بأنه «كاتب البرجوازيّة الصغيرة»، وهو وصف ينخفض بالقيمة الأدبية للكاتب، وهي التسمية التي يجب الوقوف عندها في علاقة النجيب باليسار سواء في أسبابها، موضوعيّتها، أو نضج القراءة اليساريّة لأدب «محفوظ» بعدها.

ويقول الكاتب الكبير صلاح عيسى، إن التسمية صدرت كفكرة مبكّرة في أوائل الخمسينيات، من قِبل عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم، وحينها كان النقد اليساري في بواكيره، وكان «أنيس» و«العالم» يتحدثان عن أن معظم أبطال روايات نجيب محفوظ ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة، ولم تحتوي على أيٍ من العمال أو الفلاحين.

ويضيف صاحب كتاب «الثورة العرابية»، أن المدرسة الواقعية الاشتراكية في النقد الأدبي، شهدت نُضجًا بعد ذلك، وصل ذروته في الستينيات عندما صدر كتاب «واقعية بلا ضفاف» للمفكر الفرنسي روجيه جارودي، فتغير الأمر إلى أنه لا توجد مشكلة فيمن تعطي البطولة في روايتك، فليس بالضرورة أن يكون البطل عاملًا أو غيره مما كان يروّج له الفكر الماركسي، لكن أصبح الأمر ينصب على شكل المعالجة.

ويوضح صاحب كتاب «حكايات من دفتر الوطن»، أن من يقرأ نجيب محفوظ يكتشف أنه ينتمي إلى مدرسة الواقعية، وحتى أصحاب الرأي الأول تراجعوا عنه، لافتا إلى أن محمود أمين العالم كتب في الستينيات ليعيد النظر في أدب «محفوظ» على ضوء النضوج الذي حدث في مدرسة الواقعية الاشتراكية في النقد الأدبي، موضحا أن توصيف اليسار لم ينتقص من أدب «محفوظ» لأن الأخير كان يستفيد من كل نقدٍ يُقدّم إليه، فليس عيبًا أن أدبه لم يتطرّق إلى الفلاحين، فمثلًا كيف أكتب عنهم وأنا لم أعايشهم؟ فالقارئ لأدب نجيب محفوظ يرى أنه لم يبتعد به خارج القاهرة كثيرًا. فهو كان يستوعب النقد على حدته، حتى ثبت بعد ذلك صحة ما انتهج «محفوظ»، حتى تغيّر رأي العديد من نقاد اليسار أنفسهم حول أدب «محفوظ» أمثال محمود أمين العالم وإبراهيم فتحي، واليسار إجمالًا كان أكثر من أيّد نجيب محفوظ.

بينما يقول الكاتب الروائي خالد إسماعيل، إن فن الرواية في مصر مرّ بمرحلتين، الأولى مرحلة توفيق الحكيم في «عودة الروح» وهي كانت أقرب إلى المسرحية منها إلى الرواية، مشددا على أن الرائد الفعلي في فن الرواية هو نجيب محفوظ، موضحا أن الرائد دائمًا ما يكتشف مناطق مجهولة، فقد يُخطيء أو يصيب أو يقلّد أو يتأثر، وكان نقّاد اليسار يحملون رؤية مدرسة الواقعية الاشتراكية، وبالتالي كانوا لا يعرفون من الفن أو النقد غير هذه المدرسة، وهي كانت المسيطرة في ذلك الوقت، وبالتالي سيّدوا نمطًا في الثقافة المصرية، وكون «محفوظ» ابنًا للطليعة الوفديّة، لذا لم يكن على نفس النهج الماركسي أو الستاليني تحديدًا.

ويضيف صاحب «درب النصارى»، أن نجيب محفوظ يجب أن لا يُقرأ من الزاوية البنائية فقط لكن يُقرأ من زاوية أنه أحد حملة الثقافة الوطنية المصرية، لأن نص «محفوظ» عندما تقرأه تستحضر زمن وعادات وتقاليد ومعتقدات، أي تستحضر قطعة من تاريخ مصر، غير أن اليسار اختلط لديهم العمل السياسي بالعمل الفني والإبداعي، لكن عند قيام ثورة 1952، توقف نجيب محفوظ عن الكتابة، وعاد إليها بعد 5 سنوات بـ«أولاد حارتنا»، وانسجم مع الثورة وترقّى في الوظائف، ورغم أن اليسار كانوا حلفاء للسلطة في ذلك الوقت، وكانوا يرأسون الطبعات الثقافية، ولأن «محفوظ» لم يكن عضوًا في تنظيمهم السري أو يتبنّى أفكارهم فيما يتعلّق بـ«الواقعية الاشتراكية»، فقد عادوه، لأن من جهل شيئًا عاداه.

وأوضح صاحب «أرض النبي»، أن نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم وغيرهم من هذا الجيل، تربّوا على أرضية ثورة 1919، فكان عندهم مفهوم الوطنية وتاريخ مصر هو الأصل، موضحا أن روايات «محفوظ» الأولى تعتبر إعادة كتابة لتاريخ مصر، فيما لم تكن تلك الأيديولوجية الوطنية المصرية على هوى من كانوا يكتبون في هذا الزمان، سواء من الليبراليين الذين أرادوا إلحاقنا بأوروبا أو اليساريين الذين أرادوا إلحاقنا بالاتحاد السوفييتي، وأديبنا كان يكتب بأيدلوجية وطنية مع الانحياز لفكرة العدل الاجتماعي، لكن دون أن يكون شيوعيًا، فكان اليسار يقرأه من هذه الوجهة، لذا اتهموه أنه لا يكتب إلا عن طبقة الموظفين أو الطبقة الوسطى الصغيرة.

ويتابع الروائي اليساري صاحب «غرب النيل»، أنه «رغم أن هناك العديد من الكتّاب اليسار الآن -وأتشرف أني واحد منهم- لكنهم ينظرون إلى (محفوظ) أنه الأب والراعي لفن الرواية في مصر دونما تصنيفه على أنه مطابق لهم فكريًا أو لا، وأنا أصف بعض كتاب اليسار هؤلاء ممن وصفوا نجيب محفوظ بـ(كاتب البرجوازية الصغيرة) بأنهم مجرّد (مدرّسو جامعات) يرددون كلامًا نظريًا ممّا يتم التصديق عليه في موسكو أو براغ وغيرها من العواصم السوفييتيّة، وكانوا منفصلين عن الواقع المصري بشكلٍ ما».

ويرى «إسماعيل»، أنه دائمًا ما يكون الفنان أسبق على الناقد، فلماذا يعد نجيب محفوظ سابقًا على هؤلاء الذي وصفوه بـ«كاتب الموظفين»؟ لأنه فنّان يقرأ واقعه ويتأمله ويفسّر ظواهره، غير من يردّدون حديثًا نظريًا قادمًا من الخارج، كما يصفهم.

ويقول الناقد جابر عصفور، إن سبب هذا الوصف كان أن معظم أبطال أدب «محفوظ» من الطبقة الوسطى ومن الموظفين، وهذه الصفة لم تستمر، لأن نجيب محفوظ وسّع أفقه خارج البرجوازية الصغيرة إلى الطبقة الأرستقراطية أيضًا، فهذه التسمية لم تنطبق إلا على جزء صغير من إنتاج نجيب، وكانت أُطلقت في سياق الازدراء والتهوين من الشأن.

ويؤكّد صاحب «زمن الرواية» أن أعظم من قرأ أدب نجيب محفوظ هم نُقّاد اليسار، مثل على الراعي الذي قدّم روايات عن محفوظ غاية في الجمال، وهناك محمود أمين العالم الذي كتب بعد ذلك «المعمار الفني في أدب نجيب محفوظ»، وهناك أحمد عباس صالح، وأيضًا رشدي صالح، فتلك التسمية لم تصدر إلا من واحدٍ فقط من كتّاب اليسار وهو عبدالعظيم أنيس في سياق التهوين من أدب «محفوظ» لكن سرعان ما استنكر ذلك الكثير من كتّاب اليسار وتصدّوا له، واليسار بشكل عام لم ينتقص من أدب نجيب محفوظ، لكنه يعد أولًا من صَنَع مجد نجيب محفوظ الأدبي، وتلك الأسماء الذي ذكرناها بالإضافة إلى لويس عوض، وأنا لا أكاد أذكر غير «أنيس» من كتّاب اليسار من ذكر «محفوظ» سلبًا، بل بالعكس، كان اليسار من اكتشف القيمة الأدبية لنجيب محفوظ، وهم أنفسهم الذين دافعوا عنه ضد هذه التسمية، وكان منهم أبوسيف يوسف في مقاله «نقادنا الواقعيون غير واقعيين» في مجلة الثقافة الجديدة الذي ترأسها يوسف السباعي، فكان اليسار هم أكثر من قرأوا واكتشفوا القيمة الحقيقية لنجيب محفوظ، بل بالعكس، كان نقاد اليمين هم أكثر من هاجموه، هم والجامعات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية