x

بعد مرور 10 سنوات على رحيل أديب «نوبل»: نجيب محفوظ.. «آفة دولتنا النسيان»

السبت 03-09-2016 21:45 | كتب: معتز نادي |
نجيب محفوظ - صورة أرشيفية نجيب محفوظ - صورة أرشيفية تصوير : other

فى روايته الشهيرة «أولاد حارتنا» كان نجيب محفوظ يختتم سطوره بجملة تقول: «لكن آفة حارتنا النسيان»، وكأنه يقرأ المستقبل بعد مماته، الذى فات من ذكراه 10 سنوات دون تكريمه بمتحف يضم مقتنياته رغم القرار الصادر منذ عام 2006 بتخصيص تكية محمد بك أبوالدهب لتكون متحفًا له.

«أديب نوبل»، الذى عاش 9 سنوات داخل درب قرمز الموجود فى قلب القاهرة بمنطقة الجمالية، أصبح بيته مجرد ذكرى بجوار أطلال مقابلة لقسم شرطة الجمالية.

«عملت لنا إيه وزارة الثقافة؟».. تقولها فكرية عمار بحسرة وهى جالسة على مقهى شعبى كراسيه تنتظر الزبائن، فتتذكر المرأة السبعينية حضور محفوظ للجلوس مع صاحب له يدعى «عزت السكرى»، ناظرة إلى مكان «شجرة دقن الباشا اللى بقى مكانها الزبالة».

نجيب محفوظ - صورة أرشيفية

بمجرد الوصول إلى درب قرمز تعرج بقدميك إلى جهة اليمين فتقابلك القمامة عند عبور القبو المؤدى إلى البيت الذى أصبح مكان بيت محفوظ القديم، وتكمل السيدة فكرية كلامها لـ«المصرى اليوم»: «سمعنا إنهم هيعملوا قسم الجمالية متحف، وفى الآخر رصفوا الشوارع الرئيسية وسابوا الحوارى»، فى إشارة لمنطقة شارع المعز، حيث يتواجد الزوار للحصول على صورة تذكارية أمام مسجد وقبة السلطان الناصر محمد بن قلاوون أو شراء حلوى غزل البنات أو رسم الحنة على اليدين.

وسبق للكاتب الكبير الراحل، جمال الغيطانى، أن كشف فى صحيفة «الأخبار»، عام 2014، تفاصيل مشروع قدمه إلى محافظ القاهرة الأسبق، الدكتور عبدالعظيم وزير، فى مقال بعنوان «مزارات محفوظية»، تتلخص فكرته فى تحويل بيته بـ«قرمز» والشوارع التى كتب عنها محفوظ إلى مزارات سياحية وثقافية.

وقال الغيطانى، وقتها، إن المزار الأول للمشروع، الذى لم ير النور إلى الآن، بداية من «البيت رقم ٨، ميدان بيت القاضى، وهو يقوم على نفس المساحة وفى نفس المكان، والبيت يقع على ناصية درب قرمز، حيث الحارة التى أسهمت فى تكوين نجيب محفوظ، ولا تزال محتفظة بمعالمها الأساسية خاصة قبو قرمز ويقع تحت مسجد وخانقاه الأمير متقال».

الغيطانى تحدث أيضًا عن القمامة فى المكان الذى شهد حياة محفوظ، كى ينتبه أى مسؤول للأمر، لكنه فارق الحياة وبقى الحال على ما هو عليه بعد عامين، فكتب آنذاك: «قبو قرمز حالته الآن مزرية نتيجة إلقاء القمامة فيه، كذلك حارة بيت القاضى».

ولخص الغيطانى تنفيذ المشروع، الذى اقترحه، عام 2007، فى جلسة جمعته مع محافظ القاهرة الأسبق فى حضور الكاتب الكبير محمد سلماوى، والكاتب يوسف القعيد، بقوله: «تستخدم اللافتات والعلامات الإرشادية لتحديد الخط الذى يسلكه من يتبع المزار، بالنسبة للأماكن المحددة، وتوضع على البيت أو المقهى لافتة من الحجر توضح المعلومات الخاصة بالمكان، ويمكن إيراد فقرات من أقوال نجيب محفوظ المتعلقة بالمكان، واللوحات الأخرى تكون إرشادية ويمكن الاتفاق على شكلها والمواد التى ستصنع منها، بحيث تشير إلى المسار المطلوب للمزار، على سبيل المثال يمكن البدء من ميدان الحسين، بلافتة كبيرة تشير إلى مزار نجيب محفوظ، وتتضمن المعالم الأساسية للمزار، ثم تعلق أسهم فى الشوارع المؤدية إلى البيت رقم 8 ميدان بيت القاضى الذى تبدأ منه الجولة، ثم أسهم تشير إلى قسم الجمالية، ثم الكُتاب فى حارة الكبابجى، وهكذا، بالطبع يمكن طباعة كتيب صغير يشرح أهم معالم المزار، ويتضمن فقرات من أعمال محفوظ، ويطبع بعدة لغات، وبالطبع يقتضى ذلك إعداد المكان، خاصة فى القاهرة القديمة»، خاتمًا حديثه باقتراح أنه «يمكن طلاء واجهات المبانى بلون موحد كما جرى فى منطقة الفسطاط».

ملف نجيب محفوظ

«سمعنا كلام كتير، لكن ما ينفعش تصطاد سمك فى مية، أهم شىء التنفيذ».. رددها بصوت يكسوه الوهن، محمود صبيح، الذى ولد عام 1937، ويسكن فى البيت المطل على قبو قرمز.

صبيح، الذى كان يكشف عن كلماته بصوت هادئ لكبر سنه أو ربما لدقته التى كان مُطالبًا بها حين كان يعمل نقاش معادن ثم توقف عن تلك الصنعة لإصابته بأمراض الشيخوخة وضعف بصره، يقول وهو مستاء من منظر القمامة التى تصادفه فى طريقه ناحية «قرمز» كل يوم: «نجيب محفوظ استفاد من الجمالية فى كتاباته، وكان مهم تكريمه بالاهتمام بمنطقته والحتة تنضف على حِسه، لكن ما حدش اهتم، رغم أنه كان بييجى للمكان ويمشى فى حاله، وكان علطول يعدى هنا زى ما تقول إن الدم بيحن، لكن ما حدش حن على المكان بعد موته».

حين تخرج من درب قرمز إلى شارع المعز لتسير فى طريقك إلى «قهوة الفيشاوى»، التى فضّلها محفوظ حين كان يجلس صامتًا مع الغيطانى، وفقًا لروايته، تصادفك سيارات تزاحم المارة فى نهر طريق القاهرة الفاطمية، الذى تسجله الهيئة العامة للاستعلامات على أنه أطول شارع أثرى فى العالم تُقدر مساحته بـ4800 متر فى حى الجمالية البالغ مساحته نحو 2.5% من مساحة محافظة القاهرة.

ملف نجيب محفوظ

وتعد «قهوة الفيشاوى» من العلامات المميزة لشارع خان الخليلى، الذى أنشأه جهاركس الخليلى، كبير التجار فى عهد السطان برقوق، عام 1400م، فيما يقول أكرم الفيشاوى، الذى يدير المقهى وهو من الجيل السابع من الأحفاد، كما يُعرف نفسه: «نجيب محفوظ كان يعتاد الحضور إلينا، وكتب الثلاثية هنا، واحتفلنا به وقت حصوله على نوبل، فهو رمز من رموز المكان، لكن ما بنعرفش نحافظ على الرموز بتاعتنا»، متمنيًا تكريمه بعمل يخلد ذكراه لأنه «مش بسيط ولازم يتعمل له أكتر من كده».

كان الحاج أكرم كما ينادونه فى «قهوة الفيشاوى» يتحدث عن كاتب «عبث الأقدار» وعيناه تنظران ناحية صورة لـ«محفوظ» يحتفظ بها المقهى على جدرانه، ثم يواصل سرد كلامه وهو يفتح لنا بابين يخفيان وراءهما مجموعة من الكراسى شهدت جلسات صاحب «زقاق المدق»، إلى جانب صور يظهر فيها أيضًا شخصيات لها قامتها الكبيرة من بينها العالم المصرى، الدكتور أحمد زويل، والدبلوماسى الراحل بطرس غالى.

ملف نجيب محفوظ

وألقى الفيشاوى باللوم على وسائل الإعلام لعدم احتفائها، من وجهة نظره بذكرى رحيل محفوظ، مضيفًا: «النهارده لو مشيت فى الشارع وسألت الناس عن ذكرى رحيله اللى عدت علينا ما حدش هيفتكر»، مطالبًا بضرورة الاهتمام بتقديم أعماله للأجيال الجديدة إلى جانب تسليط الضوء على المتحف الخاص به ليكون مزارًا عالميًا.

بدوره، يرى الكاتب الكبير محمد سلماوى أن بعض الكُتَّاب أصبحوا فوق التكريم، موضحًا أن «إنجلترا لا تقيم اليوم فعاليات ثقافية فى ذكرى ميلاد أو وفاة شكسبير، ولا ألمانيا تعقد الندوات فى ذكرى ميلاد أو رحيل شاعرها العظيم جوته».

ويدعم سلماوى رأيه فى حديثه لـ«المصرى اليوم»، بأن «هؤلاء نالوا مكانتهم فى التاريخ والأدب الإنسانى، وهذا أعلى تكريم لأى كاتب، وهو يعلو على أى فاعلية يمكن أن تقام فى ذكراه، ومحفوظ اليوم واحد من هؤلاء»، مضيفًا: «أما المتحف فهذا موضوع آخر لأنه مفيد لنا أولًا حتى نجمع كل ما يتعلق بكاتبنا الأكبر، ونُسهل للباحثين دراسة سيرته والاطلاع على أعماله، ونلبى رغبة المحبين من الزوار المحليين والأجانب».

ويضيف: «لكن محفوظ لا يحتاج إلى ندوة تقام هنا، أو هناك لإحياء ذكراه لأن ذكراه حية بالفعل فى أعماله التى تقرأ كل يوم بجميع لغات العالم، فكتبه مترجمة وجامعات العالم مليئة بالرسائل الأكاديمية التى تعد كل يوم عن أعماله، بينما هناك كتاب عالميون طواهم النسيان»، ضاربًا المثل بالكاتب الفرنسى، كلود سيمون، الذى فاز بنوبل قبل محفوظ لكن كتبه غير موجودة الآن بالمكتبات الفرنسية «لأن أحدًا لم يعد يقرأها، بينما أديبنا المصرى الراحل أعماله المترجمة تملأ المكتبات فى جميع أنحاء العالم».

ملف نجيب محفوظ

واعتبر سلماوى أن «نجيب محفوظ أخذ مكانة فى عالم الخلود ولم يعد يحتاجنا لإحياء ذكراه».

أما عن سبب التأخر فى إقامة المتحف، فيقول سلماوى إن «ذلك يعود للفصل التعسفى بين وزارتى الآثار والثقافة، فلا يصح أن تكون هناك وزارة مستقلة للثقافة وأخرى للآثار، والفصل بينهما كان من أخطاء حكم الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، وكان ينبغى أن نتدارك الأمر بعد الثورة».

ويكمل: «لو كانت هناك وزارة واحدة للثقافة والآثار لأقيم المتحف من زمان، لكننا دخلنا دهاليز البيروقراطية بين الوزارتين وكان ذلك على حساب المتحف، حيث أصبح المتحف يتبع وزارة الثقافة والمبنى يتبع وزارة الآثار».

ملف نجيب محفوظ

وعما يثار من انتقادات لدى البعض بأن مقر المتحف له باب خلفى يفتح على حى الباطنية، رد سلماوى: «هذا سخف لا ينبغى الالتفات إليه، ووكالة أبوالدهب مكان له قيمة تاريخية أصيلة وهو فى قلب القاهرة القديمة التى ولد بها محفوظ وكتب عنها الكثير من كتبه».

ويبدى القعيد استياءه من تأخر إقامة متحف محفوظ، قائلًا: «أنا شايف إن ده عار حقيقى»، معلنًا تأييده لعمل اكتتاب شعبى للمساهمة فى تدشينه.

ويضيف القعيد: «أقل حاجة يتعمل متحف لنجيب محفوظ»، معتبرًا أن مكان بيت طفولة «أديب نوبل» يعيش فى «مأساة» حال كانت القمامة تجاوره دون الاهتمام بتنفيذ مشروع المزارات السياحية، الذى «انتهى بمشى عبدالعظيم وزير (محافظ القاهرة الأسبق)».

ومن المقرر افتتاح متحف نجيب محفوظ فى تكية أبوالدهب، التى تجاور جامع الأزهر، وهى تضم حوضًا يستخدم للدواب وسبيلًا وكُتَّابا، فضلًا عن مسجد مكون من 3 طوابق أنشئ للمتصوفين.

وشيدت التكية، عام 1187هـ، على يد محمد بك أبوالدهب، وكان مملوكا اشتراه على بك الكبير، ‏ومنحه لقب أمير، فيما يسجل المسجد كرابع مسجد فى مصر وضع تصميمه على طراز الجوامع العثمانية، وهو مغطى بقبة مركزية لها مئذنة مكونة من 3 طوابق.

ملف نجيب محفوظ

ويسجل صندوق التنمية الثقافية، التابع لوزارة الثقافة، قرار تجهيز تكية أبوالدهب لتكون متحفاً لـ«محفوظ»، الذى جاء بتوقيع وزير الثقافة، عام 2006، برقم 804، ومن المقرر أن يضم فى الدور الأرضى عدة قاعات توضع بها المتعلقات الشخصية للأديب، ومكتبة لمؤلفاته باللغة العربية وأخرى بالأجنبية، فضلًا عن قاعة عرض سينما، ومكتبة للإعارة الخارجية، بالإضافة إلى صالونات ومكتب مدير المكتبة، والإدارة ومخازن للكتب، وأمن واستقبال، وخدمات (دورات مياه وأوفيس).

ووفقًا للقرار، سيضم الدور الأول فصلًا لدراسة السيناريو، وآخر لدراسة الكتابة الإبداعية، وقاعة مكتبة وأخرى متعددة الأغراض لتنظيم الندوات والعروض، بالإضافة إلى قاعة جاليرى، ومكتبة التسجيلات الفنية، فضلًا عن مكتب المجلة وسكرتارية التحرير وإدارة الموقع الإلكترونى، وقاعة سمع بصرية، وكافتيريا مكشوفة، ومكتبة لكل ما كُتب عن نجيب محفوظ بالعربية واللغات الأجنبية، ومخازن للكتب، وأمن واستقبال، وخدمات (دورات مياه وأوفيس).

بدورها، قالت الدكتورة نيفين الكيلانى، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، إن وزارة الثقافة بصدد العمل على المشروع من خلال الشركة المنفذة للمخطط المرسوم له، بمجرد إخلاء التكية من موظفى وزارة الآثار، مضيفة فى تصريح مقتضب لـ«المصرى اليوم»، أنها ستعلن جميع التفاصيل الخاصة به بمجرد استلام التكية من وزارة الآثار.

ومن المتحف إلى الأعمال الخاصة بـ«محفوظ» يقترح الدكتور هيثم الحاج، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، طرح جائزة سنوية لاختيار أفضل دراسة تتعلق بأعمال الراحل، لتكون عوضًا عن السلسلة التى كانت تحمل اسمه وتم وقفها «لأنها لم تكن منتظمة وكان القعيد المسؤول عن تحريرها يعانى فى البحث عن كتب جيدة ودراسات فى قيمة محفوظ لنشرها».

وقال الحاج إنه اقترح أمر الجائزة السنوية على القعيد فأبدى موافقته، مضيفًا: «فى ذكرى وفاته من سنتين، كان لى نداء أكرره من خلالكم، حيث طالبت بإنشاء معهد لدراسات أعمال نجيب محفوظ، ويكون تابعًا لأكاديمية الفنون أو معهد النقد الفنى، فهناك 26 فيلمًا كتب لهم السيناريو ولم تتم دراستها على سبيل المثال»، خاتمًا بقوله: «أى تكريم يحصل لأديبنا الكبير مش هيوفيه حقه».

بدوره، يقترح الدكتور فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، إقامة «متحف ومركز نجيب محفوظ» فى قصر عمرو إبراهيم، الذى يقع بمنطقة الزمالك لأنه «مكان قريب»، وذلك حال عدم إمكانية تدشينه فى تكية أبوالدهب.

وقال حسنى لـ«المصرى اليوم» إن «نجيب محفوظ أديب له قيمة عظمى ويجب الاحتفاء به، فقلمه مستمر رغم أنف أى أحد، وهو أهم من أى متحف، وإقامته إضافة قيّمة لإمكانيات الدولة، وفى اعتقادى أن المتحف لا يجب أن يأخذ الشكل التقليدى».

ويختتم حسنى فى تصوره لطبيعة عمل المتحف: «المتحف يجب أن يكون أيضًا إلكترونيًا، بحيث يضم كل لقاءاته وحواراته وزياراته، ليكون تراثه متاحًا عبر الإنترنت مثل متحف أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وجمال عبدالناصر، ولابد أن يكون المتحف مركزًا ثقافيًا كى نستلهم فكر نجيب محفوظ فى التاريخ وفلسفته فى الحياة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية