اندلعت الحرائق فى أماكن عديدة من فلسطين المحتلة، وأخذت النيران تنتشر فى الغابات، حتى اضطر بنيامين نتنياهو إلى طلب المساعدة من الدول المجاورة. وقد ساعدت الرياح القوية فى تعطل وسائل مكافحة الحريق وانتقال الشرر بسرعة حتى طالت النيران أماكن سكنية، وقامت السلطات هناك بإجلاء أعداد ضخمة من السكان بعيداً عن طريق النار.
أما فى البلاد العربية فقد عمت الفرحة، وأخذ الناس فى تبادل التهانى على النصر الإلهى المؤزر الذى أرسلته لهم السماء، وعزوا ما حدث إلى غضبة ربانية كبرى سببها قيام الإسرائيليين بالتصويت على قرار يتم بموجبه منع الأذان من القدس المحتلة وما حولها حتى لا يزعج صوت الأذان المستوطنين. وعلى مواقع التواصل الاجتماعى دارت محادثات حامية الوطيس بين فريقين، ينفى أحدهما أن تكون الحرائق بسبب الشرور التى ترتكبها إسرائيل، ويرى أنه لو كان الأمر كذلك لكان الحرق أولى بالبلدان العربية التى يقدم حكامها فنوناً من الشر ويرتكبون جرائم يعجز الشيطان ذاته عن التفكير فيها. لكن الفريق الآخر يرد بأن يد الله تضرب فى الوقت الذى يراه سبحانه بعيداً عن حسابات البشر، ويرى هذا الفريق أن لله جنودًا من رياح يسلطها على الطغاة والمجرمين فتحرق ملكهم الطاغى وتقطع شأفتهم. لكن الفريق الذى يتخذ سَمْت العقلانية لا يقبل هذا الطرح ويطلب من المغالين أن يهدأوا وينظروا للأمر من زاوية أخرى، إذ إن هذا الحريق حتماً سيهدأ والنار ستنطفئ، وبعد ذلك تكون الخسائر خصماً من رصيد الغابات والحدائق والثروة الطبيعية للشعب الفلسطينى. يسوق هذا الفريق أيضاً أن مسألة أنّ لله جنودًا من رياح تشبه حكاية أن لله جنودًا من عسل، التى عرفناها منسوبة إلى معاوية بن أبى سفيان بعد أن نجح فى دس السم للإمام الحسن عليه السلام حتى يحرمه من المُلك ويخلى الجو لولده الإرهابى يزيد.. وربما أن مقولات من هذا النوع قد تجعل الناس تستكين وتكف عن المقاومة وتقبل الهزيمة استناداً إلى أن الله لن يتركهم مهزومين، لكنه فى الوقت المناسب قد يبعث جنوداً من كشرى أو جنوداً من كسكسى بالزبيب لتسميم قادة العدو!.
من ناحية أخرى، وبالنظر إلى أنّ طريقة تفكير أهالينا فى أمور كهذه يدخل فيها الهلس بحيّز كبير ويجتاحها الهجص على نحو لافت، فيحق لنا أن نلفت نظرهم إلى أمرٍ نطرحه ليتشاجروا كعادتهم بشأنه، ألا وهو جواز الشماتة فى مصائب الإسرائيليين، فى الوقت الذى ارتضى فيه العرب وقبلوا بالسيد بنيامين نتنياهو كحاكم متغلب دخل فى صراع مع بلادنا فقهرها وهزمها وفرض كلمته عليها. إن أطروحات بعض القوى السلفية التى تبرر ضرورة الخضوع للحاكم المتغلب حتى لا تصير فتنة فى الأرض قد تنطبق بشكل كبير على نتنياهو أكثر من انطباقها على أى أحد آخر، فالرجل يحكم بشكل مباشر دولةً نصف سكانها من العرب، ويحكم بشكل غير مباشر أمةً تعدادها يزيد على ثلاثمائة مليون، وبناء على ذلك نرى أن الشماتة فى الرجل لا تليق، خاصة أننا نعتمد عليه ليكون قائد العالم السُنّى فى معركته القادمة مع الشيعة.. فهل يصح والحال هكذا أن نشمت فيه؟!