x

سليمان جودة الأصل.. والظل! سليمان جودة الخميس 24-11-2016 20:21


لم يكن الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب، يكره شيئاً طوال فترة ترشحه للرئاسة، قدر كراهيته لصحيفة «نيويورك تايمز» التى تظل الصحيفة الأولى فى بلاده!

مقر الصحيفة يقع فى نيويورك، بمثل ما يقع مقر صحيفة «واشنطن بوست» فى واشنطن العاصمة، التى تبعد عن نيويورك كما تبعد القاهرة عن الإسكندرية تقريباً، وحين كنت فى الولايات المتحدة عام 2008، كان من حظى أنى زرت الصحيفتين معاً، ورأيت يومها كيف أن الواشنطن بوست لاتزال تعتز بأنها الصحيفة التى أسقطت الرئيس نيكسون وأخرجته من البيت الأبيض مستقيلاً، فلقد كانت هى صاحبة السبق فى كشف فضيحته الشهيرة بفضيحة ووترجيت!

تعلق الصحيفة على جدران مقرها، صورتين فى برواز لصفحتين من صفحاتها الأولى: أما أول صورة فهى لعدد الصحيفة الذى حمل إلى الأمريكان فى مانشيت بعرضها كلها، نبأ استقالة نيكسون.. وأما الثانية فهى للرئيس جيرالد فورد الذى خلف الرئيس المستقيل فى منصبه، وهو يقول - ما معناه - إن الواشنطن بوست هى التى أوجدت له عملاً كرئيس!

لقد كان فورد نائباً لنيكسون، والدستور الأمريكى ينص على أن يكمل النائب فترة الرئيس، دون انتخاب، إذا أصاب الرئيس خطر طارئ!

أما ترامب، الذى يغير يوماً بعد يوم، من آرائه المعلنة وقت أن كان مرشحاً، فقد كان دائم السخرية من نيويورك تايمز، وكان لا يعقد مؤتمراً انتخابياً إلا ويتهمها بكل ما هو سيئ، وكانت هى تبادله اتهاماً باتهام، وسوء ظن بسوء ظن، ولم يكن أحد يعرف كيف سيحكم الرئيس ترامب، بعد إعلان فوزه، إذا ما بقيت العلاقة بينه وبين الصحيفة الكبرى فى بلاده على هذه الدرجة من السوء!

لقد انتهى به الأمر، أمس الأول، إلى زيارة الصحيفة فى مقرها، وقد راح يتجول فى صالات تحريرها صالة وراء صالة، وكان يداعب محرريها مبتسماً، وكأن حرباً لم تكن بين الطرفين، على طول أيام الترشح، إلى ما قبل الزيارة بلحظة!

قال وهو يمازح المسؤولين عن التحرير فيها، إنه لا يستطيع بكل أسف إلا أن يطالع صحيفتهم كل صباح!.. ثم استدرك ليقول: لو لم أفعل لطال عمرى 20 عاماً!

والمعنى، أن قراءتها تصيبه بالكثير من التوتر، ومن القلق، ومن الإزعاج، وأن ذلك بالطبع يؤثر على صحته، كما ينال بالتأكيد من صحة أى إنسان!

وليست «نيويورك تايمز» بدعة فى هذا الأمر، لأن كل الصحف الكبيرة تفعل فى قارئها ما تفعله صحيفة أمريكا الأولى فى ترامب، وليس سراً أن أطباء عندنا ينصحون بعض مرضاهم بألا يقرأوا الصحف ليلاً، إذا ما أرادوا نوماً هادئاً دون كوابيس!

والعيب قطعاً ليس فى الصحف، سواء كانت فى الولايات المتحدة أو هنا، لأنه ليس مطلوباً منها أن تنافق قراءها، ولا أن تخدعهم، ولأنه ليس ذنبها أن الواقع الذى تتعامل معه وتنقله للقارئ، لا يريح أى أعصاب!

الواقع الحاصل على الأرض، أصل، بينما الإعلام، سواء كان مرئياً، أو مقروءاً، أو مسموعاً، ظل، ولو استقام الأصل، فإن الظل سيعتدل من تلقاء نفسه!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية