x

مكاوي سعيد ليالى الأنس فى الأزبكية (6) مكاوي سعيد الإثنين 21-11-2016 21:25


عندما قرر «الخديو إسماعيل» تخطيط منطقة الأزبكية على الطراز الأوروبى ردم الجزء الباقى من بركة الأزبكية، فضاع جزء كبير من هذا القصر بسبب التنظيم الجديد، وما بقى منه صار مكاناً للمحكمة المختلطة فى عهد وزارة «نوبار باشا» (موقعها كان بجوار مبنى البوسطة العمومية خلف دار الأوبرا القديمة)، قبل أن تنقل إلى دار القضاء العالى بمنطقة الإسعاف.

فى عام 1864م تم ردم بقية بركة الأزبكية التى كانت تتوسط الميدان، وحل محلها فى عام 1872م حديقة الأزبكية التى أقيمت- بتنفيذ المهندس الفرنسى «باريل ديشان باشا»- على مساحة 40 فداناً تقريباً، وأحيطت بسور من البناء والحديد مع فتح أبواب بها من الجهات الأربعة، وها هو وصفها كما ورد فى كتاب «الموسيقى والغناء العربى»: غرست الأشجار فيها على اختلاف أنواعها، صفوفاً منظمة، واكتست أرضها بثوب سندسى قشيب، يشرح الصدر، ويقر العين، وأقيمت فى وسطها الفسقيات التى تنفجر من فوَّهاتها المياه المتلألئة، ورُبى فيها جميع أنواع السمك، وأُنيرت مصابيح الغاز فى أرجائها، وبُنيت الجبلاية على أبدع طراز، وصفَّت الأكشاك الحديدية حولها من الداخل، حوت تخوتاً للطرب، غنَّى فيها أشهر المغنين والمغنيات، فصيَّر مجهوده وابتكاره من المستنقع الآسن رياضاً تجرى من تحتها الأنهار، وأطياراً تغرد على أفنان خمائلها، ووجوه حسان تلوح فى غدران مناهلها، وتحت ظلال نارجيلها، ويُقدَّر مسطحها بنحو 170000 متر مربع، وكانت أرضها موقوفة لآل البكرى، واستبدلت بأطيان بناحية بهتيم، تزيد على مساحتها أضعافاً مضاعفة. وقد أصدر سمو «الخديو إسماعيل» أمره الكريم بتشييد مسرح للكوميديا بناحية منها فى 23 نوفمبر سنة 1867م، واحتفل بافتتاحه فى مساء 4 يناير سنة 1868م، حيث بوشر التمثيل دون أن يمضى على إنشائه أكثر من اثنين وأربعين يوماً.

والمسرح الكوميدى المقصود الذى شيد فى طرف الأزبكية الجنوبى هو «المسرح الكوميدى الفرنسى»، تحت إدارة الخواجة «منسى»، وفى نفس الجهة تم افتتاح «الأوبرا الخديوية» فى 1 نوفمبر 1869م، أما الذى كُلف بالعناية والاهتمام والإشراف بحديقة الأزبكية فهو «مسيو باريليه» الفرنسى، الذى عينه الخديو «إسماعيل» ناظراً لها ولجميع المنتزهات الأخرى. وأقيم بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين، ففى يونيو 1887م تم الاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا من قبل الجالية الإنجليزية فى مصر، واحتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو، أما الاحتفالات المصرية فى الحديقة فكان أبرزها الاحتفال بعيد الجلوس السلطانى واحتفال الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية، وكانت الموسيقى العسكرية تعزف فى الاحتفال الأول، إلى جانب إقامة السرادقات فى احتفالات الجمعيات وحفلات المطربين، وأشهرهم الشيخ يوسف المنيلاوى، وعبده الحامولى، ومحمد عثمان.

وفى عام 1873م افتتح الخديو «إسماعيل» شارع «كلوت بك» ليصل ما بين ميدان الخازندار بالعتبة إلى ميدان باب الحديد «رمسيس حاليا»، والخازندار مصطلح تركى المقصود به المكلف بالخزينة السلطانية أو حارس مال السلطان، وكانت مهامه توزع أحيانا على ثلاثة أشخاص: الأول يسمى خازندار الصنف وهو مسؤول عن الملابس النفيسة للسلطان، والثانى خازندار العين وهو مكلف بالحراسة والمحافظة على جواهر السلطان، والثالث خازندار القيس وهو المكلف بتوزيع الصدقات على المحتاجين عند خروج السلطان فى المناسبات المختلفة، وكذلك توزيع الأموال عليهم فى المناسبات الدينية.

وفى منتصف القرن التاسع عشر تم إنشاء مستشفى أهلى بمنطقة الأزبكية، كما تم تشييد عدد من الفنادق المهمة، منها «شبرد» و«الكونتيننتال»، بالإضافة إلى «وندسور وإيدن بالاس».

وبعد حريق القاهرة، الذى اندلع فى 26 يناير عام 1952م، طرأت على ميدان الأزبكية تغيرات كثيرة، فقد تم نقل مكاتب شركات الطيران التى كانت موجودة بفندق شبرد، الذى تم تدميره تماما فى الحريق، إلى ميدان الإسماعيلية «التحرير حالياً»، وتم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه بمساحته الهائلة إلى أربعة أماكن تضم حاليا مبنى البنك المركزى الجديد، ومحطة بنزين وجراج الجمهورية ومبنيين تابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية والتأمين الصحى، أما حديقة الأزبكية فقد قسمت هى الأخرى، واخترقها شارع 26 يوليو فقسمها إلى قسمين. وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية