x

مكاوي سعيد ليالى الأنس فى الأزبكية (5) مكاوي سعيد السبت 19-11-2016 20:49


أوردنا فيما سبق ما كتبه المؤرخ «ليو الأفريقى» عن بركة الأزبكية، فى بداية النصف الأول من القرن السادس عشر، وقدمنا ملخصاً عن أهميته العالمية التى أوجزها الباحث الألمانى «ديتريش روشنبرجر» بأن كتاب «ليو» تم نشر 33 طبعة منه بثمانى لغات منذ عام 1550م، وذلك بمعدل طبعة واحدة جديدة كل 15 سنة، ويضيف «روتشنبرجر»: «لا يوجد أحد من الكتَّاب الرحَّالة، مسلم أو مسيحى، قديم أو حديث، تجاوز هذا المعدل»، والآن لنعد إلى الأزبكية فيما تلاها من عصور.

تم إنشاء سراية عظيمة على حافة بركة الأزبكية الشرقية فى عهد العثمانيين، بناها الحاج «محمد الشرايبى شاه» صاحب جامع الشرايبى بالأزبكية، الذى اشتهر فيما بعد باسم «جامع البكرى»، وتملك هذا القصر من بعده (فى عام 1160هـ الموافق 1750م) الأمير «رضوان كتخدا الجلفى»، الذى جدده وبالغ فى زخرفته، وسماه «العتبة الزرقاء»، لأن بوابته المؤدية إلى شارع الأزهر كانت زرقاء اللون، وكذلك لأن لون بلاطات عتبته كان أغلبه أزرق أيضاً، وتملك هذه السراية فيما بعد الأمير محمد بك أبوالدهب، الذى كان اليد اليمنى للمملوك الكبير «على بك الكبير»، الذى استقل بمصر عن السلطنة العثمانية، ثم غدر به مملوكه وتلميذه وقائد جيوشه «محمد بك أبو الدهب»، وتزوج محمد بك أبوالدهب من محظية «رضوان كتخدا»، صاحب القصر، وصار القصر ملكاً له بعد ذلك!.

وعقب دخول نابليون وحملته الفرنسية مصر عام 1798م، عادت الأضواء مرة أخرى إلى الأزبكية، لأن نابليون فى محاولته لكسب الشعب المصرى إلى جانبه ضد المماليك بدأ فى تعلم مبادئ الدين الإسلامى وصار يكثر من التردد على دار الخليل البكرى فى ميدان الأزبكية ليدرس على يديه القرآن الكريم ويتلقى دروساً فى آداب الإسلام وشرائعه، وقد أعجب نابليون جداً بالمكان إلى درجة أنه اتخذ لنفسه داراً فيه.

وعندما خرجت جماهير القاهرة فى عصر يوم 13 مايو 1805م، تنادى مبايعة «محمد على» أميراً على مصر، بدلاً من الحكم العثمانى والمملوكى نيابة عنهم الذى أذاقهم المر والظلم. كان أول قرار اتخذه بعد توليه الحكم أن يقيم بمنطقة الأزبكية وفى ميدانها بالأخص، حتى يكون فى قلب المدينة، وفعلا أقام بها فترة قليلة وغادرها بعد تعرضه لمحاولة اغتيال فيها قام بها بعض الجنود من «الأرناؤود». وهذا هو السبب الذى دفعه للسكن فى قصره بقلعة الجبل «القلعة». لكن رغم ذلك «ظلت الأزبكية» مسكناً للطبقة العليا من المجتمع، ولم تنقص أهميتها بل زادت، لأنها ظلت مركزاً للطبقة الحاكمة والحاشية، ولأنها عادت منطقة تجتذب الفنادق وتفيض بالمتنزهات، ثم ميزها الوالى «محمد على» بوجود ديوان المدارس فيها- وزارة المعارف فيما بعد- والذى احتل قصر الدفتردار بالأزبكية بالمشاركة مع مدرسة الألسن (التى أنشئت عام 1835م، وسميت بمدرسة المترجمين حتى عام 1957م)، وتولى «رفاعة الطهطاوى» نظارتها فى أول عهدها.

وفى أواخر عهد محمد على (فى فترة مرضه العصيبة بالاضطراب العقلى) ردم إبراهيم باشا بركة الأزبكية تماماً، وتم تحويلها إلى منتزه ضخم فى عام 1847م، أما قصر «العتبة الزرقاء» فقد أطلق اسمه على نصف الميدان، وسمى نصف الميدان الآخر باسم ميدان «أزبك»، حيث يوجد مسجد «أزبك»، ثم اشترى الخديو «عباس باشا حلمى»، ثالث ولاة أسرة محمد على، قصر العتبة الزرقاء وهدمه ووسعه وأعاد بناءه، وغير لون مدخله إلى اللون الأخضر لأنه كان يتشاءم من اللون الأزرق، وأطلق عليه «قصر العتبة الخضراء»، الذى صار اسم هذه المنطقة من حينها إلى لحظتنا هذه، ثم خصصه لإقامة والدته أرملة الأمير «طوسون»، واستمر كذلك إلى زمن «الخديو إسماعيل»، وكان عهد الخديو «عباس باشا حلمى» هو بداية إنشاء المدارس الأجنبية بمصر، حيث أنشأ الأمريكان مدرسة للبنين فى الأزبكية عام 1854م، وبعدها فكر الفرنسيون فى إنشاء مدرستين للبنين أيضاً، ووقع اختيارهم على منطقة «الموسكى» لتكون مكاناً لهاتين المدرستين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية