تحرك «ليو» من «تمبكتو» إلى أرض الهوسة «شرق مالى وجنوب النيجر حالياً»، ثم بورنو «شمال شرق نيجيريا الآن»، ومنطقة كانم التى تقع فى «تشاد وليبيا». ثم وصل إلى مصر وتنقل على امتداد النيل وصولاً إلى منطقة شانا «قنا حالياً» وأسوان، حيث نجا بمعجزة من التماسيح «الشرسة والكريهة الرائحة- كما وصفها» التى تترصد حول ضفاف النهر وتنتظر ببراعة فرائسها من البشر والوحوش لتبتلعهم. وترك «ليو الأفريقى» وصفاً دقيقاً لكل ما رأى وكل ما اشتم وتذوق وسمع، مع اهتمام مذهل ودقيق بالتفاصيل، وقد قدم الجيد مع السيئ، والرائع الشيق إلى جانب الممل، فى سرد واضح بغرض التعريف، وليس من أجل نيل الإعجاب والمديح. ومن وصفه لملك بورنو «لا يدفع فواتيره فى الوقت المحدد، مع أن لديه الكثير من النقد فى حوزته، يمكنه من إلباس كلابه باقات من الذهب الخالص!»، ومن وصفه لأهل القاهرة: «شعب مرح، مازح ويحب التصرف ببهجة، يعدونك بالكثير، ولكنهم يعملون القليل». وسافر «ليو الأفريقى» من مصر عبر الصحراء إلى البحر الأحمر، وعبره إلى مدينة جامبيو «ينبع» وزيدم «جدة»، ولم يذكر أنه تابع رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج! على الرغم من أنه يبدو من غير المحتمل أن يسمح لمثل هذه الفرصة أن تفلت من بين يديه. وغالباً أنه أدى الفريضة لكنه صمت عن كتابتها تحريرياً- وسنعرف السبب لاحقاً- كما وعد بالكتابة عن أسفاره إلى الجزيرة العربية وبعض بلاد آسيا وأوروبا والقسطنطينية، إلا أن ذلك لم يحدث أو ربما كتبها وضاعت منه أثناء إحدى المخاطر والمحن التى تعرض لها.
وأثناء عودته من إحدى سفرياته الدبلوماسية فى شهر يونيو 1518م، هاجم القراصنة السفينة التى تقله بالقرب من ساحل «كريت» فى اليونان أو ساحل «جربة» فى تونس (اختلفت آراء العلماء فى ذلك)، وكان خاطفوه يعملون لدى فرسان القديس «يوحنا»، وكانوا متخصصين فى الاستيلاء على السفن الإسلامية، وبيع الأسرى فى سوق العبيد، غير أنهم اكتشفوا أن «ليو» كان رجلا متعلما، كما اتضح من الخرائط والجداول والملاحظات التى يحملها معه، ورأوا أن هذا الموريسكى- مصطلح استخدمه الأوروبيون للإشارة إلى المسلمين الإسبان الذين رفضوا التحول إلى المسيحية وهربوا باتجاه شمال أفريقيا- قد يكون أكثر فائدة للبابا «ليو العاشر» من باقى العبيد. وتوجهوا به إلى «روما» حيث سجن هناك، وعندما علم بأن خروجه من هذا السجن مرهون باعتناقه المسيحية، اعتنقها وعمَّده البابا «ليو العاشر» بنفسه، واختار له اسم «يوهانس ليو دى» وهو مشتق من اسم البابا نفسه بالإيطالية «جيوفانى دى»، ويتضح من ذلك مدى أهمية «ليون» لروما كما اكتشفها البابا.
وقد تجادل العلماء حول صدق تحول «ليو»، لكن من الواضح أن «ليو» كان يستتر خلف استراتيجية «التقية» أى ينبذ دينه ظاهرياً تحت الإكراه، مع الحفاظ على عقيدته باطنياً، وقيل إنه لمَّح إلى ذلك، عن طريق ربط قصة «الطائر الماكر الأعظم» الذى تجنب دفع الضرائب لملك الطيور بالعيش تحت الماء كالأسماك، وعندما تنبه له الملك وطالبه بالضرائب غادر الماء فوراً وطار باتجاه السماء. وقد كتب «ليو»: سأفعل مثلما فعل الطائر، عندما أسمع الحديث عن الأفارقة الأشرار سأؤكد نفسى كشخص من غرناطة، وعندما أستشعر الرفض لأهل غرناطة سأعلن عن نفسى كأفريقى!.. ويُعتقد على نطاق واسع أن «وليام شكسبير» بنى شخصية «عطيل» على مثال «ليو»، الذى كان «جون بورى» قد ترجم كتاب «ليو» ونشره فى لندن عام 1600م، بينما بدأت مسرحية «ماكبث» أول عروضها المسرحية فى لندن عام 1604م.
ترك«ليو» كتابه «جغرافية أفريقيا» الذى يشتمل على وصف أفريقيا وآسيا فى تلك الفترة، وجميع مخطوطاته باللغة العربية، ومن حسن الحظ أن كتابه هذا كان قد ترجم إلى اللغة الإيطالية فنجا. و«ليو» قال فى إحدى مخطوطاته: «بعون الله سأعود يوماً ما إلى بلدى»، ويقال إنه أمضى سنواته الأخيرة فى تونس، وتوفى عام 1550م.