الفيل على ضخامته إلا أننا نجده يقف أمامنا ثابتاً فى حدائق الحيوانات ورجله مربوطة بحبل ضعيف بالنسبة لهذا الكائن، ولكنه على الرغم من ذلك يكون مستسلماً لفكرة أنه مربوط ولا يستطيع التغلب على ذلك الحبل، وتلك الفكرة يتم ترسيخها فى عقل الأفيال منذ صغرها فيتم ربط أقدامها بحبال وعندما تحاول التخلص منها لا تستطيع؛ وذلك لصغر سنها فتترسخ الفكرة وتكبر فى أذهانها فتكف عن المحاولة وتستسلم للحبل..
فدائمًا ترسيخ الأفكار وتوسيع الأفق يكونان من الصغر، فالطفل هو الأرض التى تغرس فيها بذورك ولكى تنشئ جيلا واعيا متفتحا على ما يجرى من حوله لابد أن تغرس فيه وتحبب له القراءة، فالقراءة هى السبيل للمعرفة، وعلى الرغم من انتشار الأجهزة الإلكترونية الحديثة التى يمسكها الجميع إلا أن متعة القراءة من الكتب لا تضاهيها متعة، وللأسف لم يعد الكثير منا يهتم بتنمية شق الثقافة والقراءة لدى الأطفال! وكم سعدت عندما قرأت عن مبادرة ومشروع الأستاذ هيثم السيد التى يطلق عليها «عربية الحواديت» والتى استطاع أن يلف بها أكثر من ٦٠ قرية من قرى الشرقية فى سنة واحدة ويوزع 15 ألف كتاب على الأطفال.
وربما الصدف أحيانا هى ما تقودنا إلى الأفكار العظيمة؛ فالصدفة فى بادئ الأمر هى ما جعلت طفلة صغيرة تقف أمامه وهو يمسك فى يده إحدى قصص الأطفال لتتساءل بدهشة عما يمسكه وأجابها بأنها إحدى قصص الأطفال وبها حواديت وأعطاها لها وقرر وقتها أن يجمع عدداً كبيراً من القصص المخصصة للأطفال، ويوزعها عليهم فى الريف، حتى أصبح الصغار ينتظرونه فى الشارع، واستطاع أن ينجح فى هذا ويحيى الخيال فى عقول الأطفال الصغار، والجميل فى هذا الشخص أنه لم يقف موقف المتفرج واستطاع بإمكانيات قليلة أن يقوم بعمل مفيد وتنموى لعقول أطفال صغار هم الأمل فى غد كما كان مصدراً لحماسة غيره من المتطوعين والمتطوعات الذين أرادوا أن تنجح هذه الفكرة فشاركوا فيها ونموها، وأصبح حلم الجميع أن تصل تلك العربات إلى الأطفال فى جميع محافظات مصر. فأى فكرة وأى نجاح يكون العامل البشرى دائماً وأبداً هو العامل المؤثر الأول فى أى مجتمع، فالثروة البشرية لا تقدر بثمن، فجميع الثروات من الممكن أن تنضب وتنتهى ولكن عقل الإنسان لا ينضب من الأفكار والحلول والحلول البديلة والاختراعات التى تعينه على مواجهة جميع ظروف الحياة.
ومن منطلق ذلك فتنمية عقول صغارنا بالعلم والمعرفة وترغيبهم فى حب القراءة لهما من الأهداف النبيلة التى يقوم بها أى إنسان، والمجال مفتوح للجميع للمساعدة والمشاركة فى تلك الفكرة النبيلة التى تساهم فى تنمية عقول أطفالنا وتعود بالسعادة والنفع وحب واحترام الذات على الطرف الآخر، فأنت حين تساعد على شىء إيجابى فأنت لا تقدم مساعدة للآخر فقط وإنما لنفسك أيضاً، فالميزة فى مجال التنمية البشرية أنها لا ترتبط بمكان أو وقت معين بل مرتبطة بمدى إيجابية الإنسان تجاه نفسه وتجاه مجتمعه، فإذا أردت التطوير والإبداع فكل ما تحتاجه أن تنظر لنفسك وتطلق العنان لقدراتك لتوظيفها بالشكل الذى يؤتى ثماره لك ولغيرك ولمجتمعك فى النهاية؛
فأنت لست وحدك بل كلنا كالحلقة الواحدة التى ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض، ونهضة جميع البلاد التى تعرضت لشتى أنواع الأزمات والحروب والانهيارات الاقتصادية- جاءت عن طريق العامل البشرى فى المقام الأول، ولكن النقطة الفيصل فى هذا الموضوع هى طريقة تفكير الإنسان نفسه، حيث نجد تبايناً واختلافاً شديداً بين البشر فى تلك النقطة، وهناك نماذج كثيرة فى العالم أجمع استطاعت أن تثبت أن الفيصل بين الفشل والنجاح شعرة رفيعة جدا، فهناك من يأتى فى منتصف الطريق أو فى آخره ويقف، ولكن استمرار السعى والمحاولة مرة تلو الأخرى هو ما يجعلنا فى النهاية نصل إلى ما نريده، والنجاج ليس سهلاً كما يعتقد البعض بل هو طريق صعب محفوف بجميع أنواع العراقيل والصعاب، ولكن النتيجة والشعور بالنجاح والثقة بالنفس واحترام الذات- تستحق أن نمشى مشوار الألف ميل وأكثر ونتقبل ظروف الحياة من حولنا ونحاول أن نتعامل على قدر معطياتها لنا ونجتهد لنصل إلى ما نريد، فالمهم أن نجتهد فى أى شىء، والنجاح والتوفيق من عند الله.