x

الدكتور مراد وهبة المفكر الكبير: لا بديل عن الجيش.. وأنا معه منذ عهد عبدالناصر (٢-٢) (حوار)

9«25 يناير» ثورة إلكترونية ناجحة.. لكنها فشلت فى تغيير الأوضاع القائمة.. والوقت مازال مبكراً لجنى ثمارها
الخميس 03-11-2016 23:36 | كتب: ماهر حسن, مصباح قطب |
المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية تصوير : أدهم خورشيد

فى الجزء الأول من هذا الحوار تعرض المفكر الكبير الدكتور مراد وهبة لجماعات الإسلام السياسى، وتنامى هذه الحركات وعلاقتها بالأنظمة المتعاقبة على مصر، بدءاً من عهد الملك فاروق وصولاً إلى عهد الرئيس السيسى، والدول والمؤسسات الداعمة لها، وذهب الدكتور مراد فى تصوراته إلى أن تغلغل الإخوان المسلمين فى المنظومة التعليمية قد بدأ فى عهد عبدالناصر، الذى لم يختلف فكريا مع جماعة الإخوان، ولكنه اختلف معها سياسيا، وتحدث عن موقف السادات من هذه الجماعة، إذ دخل معها فيما يشبه الصفقة فى مواجهة خصومه الناصريين واليساريين، وعرض لتحالف الرأسمالية الطفيلية مع الإسلاميين لهزيمة المشروع الناصرى، وتحدث عن تقاعس المؤسسة الثقافية وخيانة النخبة المثقفة فى مواجهة الفكر الأصولى، وفى هذه الحلقة من الحوار يواصل وهبة قراءاته التحليلية لتفاصيل المشهد الراهن وثمار ثورة 25 يناير، وأوجه الخلل فيها، وتقييم مواقف دور الأطراف الفاعلة فى المشهد الراهن، ودورى المؤسسة الدينية والثقافية فى مواجهة الفكر الأصولى الذى ترعاه الدول المتبنية لفكر ابن تيمية، وإلى نص الحوار.

المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية

■ أنت عضو فى إحدى المؤسسات الثقافية الرسمية ولكنك قلت إنه لم يكن هناك من يساندك من المثقفين؟

- فى اجتماع لإحدى اللجان كنا نتكلم عن التنوير، فإذا بالروائى الراحل جمال الغيطانى - رحمه الله - يقول لى أحذرك من استخدام لفظ التنوير، وكررها واندهش أسامة الغزالى حرب.. قلت بعدها فى الوزارة إننى أعانى أزمة ضمير فى جوائز الدولة، لأننى عاجز عن المفاضلة مثلا بين أستاذ عمارة جامعى مع مخرج مثل يوسف شاهين، طبعا سيربح شاهين، فلا يتعين جمع التخصصين تحت عنوان واحد، فقال لى فاروق حسنى إن المثقف يجب أن يكون موسوعيا، وقبل الثورة بحوالى شهر عقد المجلس الأعلى للثقافة اجتماعا يبحثون فيه حال الثقافة، فأنا قلت لهم إن أمنيتى عندما يؤرخ للمجلس الأعلى للثقافة يقال عنه إنه أنقذ البلد من ظلام العصور الوسطى، فكان الرد ابتسامة باهتة.

■ ماذا عن تقييمك لدور وزارة الثقافة فى مواجهة التيارات الظلامية والخطاب الدينى الأصولى الذى لا يواجهه خطاب تجديد ثقافى ودينى مماثل وقوى، كما أنك وصفت المثقفين بأنهم أكبر فئة خائنة للمجتمع؟

- وزارة الثقافة خارج الملعب، والمثقفون بالفعل أكبر فئة خائنة للمجتمع، لأن هناك تياراً مكتسحاً ومتغلغلاً فى جميع مؤسسات الدولة، وهو تيار الإخوان وليس هناك فى مواجهته تيار مضاد مماثل فى القوة، والمكلف بعمل تيار مضاد هو وزارة الثقافة والمثقفون، وهما لم يقوما بذلك، إذن فكلاهما خارج الملعب.

■ ماذا عن الإعلام والتعليم؟

- الإعلام والتعليم والثقافة لا تنفصل عن بعضها من حيث دورها ورسالتها، فهى معرفيا منظومة واحدة ولا تستطيع الفصل بينها لأنها تعمل على العقل الإنسانى وليست بمنأى عن هذه المواجهة، ومادام الثلاثة عاجزة عن القيام بدورها، إذن فالإخوان مازالوا متغلغلين فيها ويعملون لصالح هذا التيار.

■ قلت إن الحزب الوطنى أحد فروع جماعة الإخوان، كما أنك لم تكتب عن الدول الداعمة للإرهاب، عربية أو غربية، وأولهم أمريكا ممن يدعمون الحركات الإسلامية والإرهابية.

- حينما استضافتنى لميس الحديدى فى برنامجها، وكان هذا فى عهد مبارك وقلت لها إننا محكومون بالإخوان، فقالت إننى أبالغ، وكان مبارك الذى وصف الإخوان بالجماعة المحظورة يقيم خطا سريا معهم، والدليل فوز 88 إخوانيا فى الانتخابات البرلمانية، مما أدهشه وربما أفزعه، فدعا لإيقاف التغلغل الإخوانى للبرلمان وزوّر فى الباقى.

■ ألا ترى أن السياسى بحاجة إلى مرونة ليتفادى عقبات أبعد.. لقد بدوت راديكاليا مع الحكام طوال الوقت حتى فى وقت أن كانوا بحاجة إلى نصيحة براجماتية أو عملية؟

- ليست وظيفتى أو دورى أن أدافع أو أهاجم، لكننى منشغل بمسار فكر لأعرف إلى أين يؤدى بنا هذا المسار، فالسادات ليس عدواً لى حتى لو فصلنى، لست منشغلاً بهذا، فأنا منشغل فقط بمتابعة مسارى الفكرى حتى إن لطفى الخولى كان يطلب منى إذا التقينا سياسيا ألا أتحدث، وليس لى فى الأحزاب ولا المظاهرات.

■ هناك من يرى أن 25 يناير ليست ثورة، وأنها كانت نهبة للجميع، وبلا قيادات أو منظرين أو رؤية بديلة..إلى أين ستقودنا؟ وهل 30 يونيو ثورة أم تصحيح مسار؟

المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية

- لكى أمهد لهذا السؤال «العويص» أعود بالذاكرة إلى عام 1983 فلقد كان هناك فليسوف يسارى أمريكى قال لى إن البشرية معرضة للخطر، فهناك تنافس نووى، فعقدنا مؤتمرا فى 1986 وجمعنا فلاسفة من الاتحاد السوفيتى وآخرين من أمريكا، وفى هذا المؤتمر قلت إننى أرى أنه فى المستقبل ستدمر الأصولية الإسلامية الكتلة الشيوعية ثم أمريكا، فقالوا لى إنك تبالغ فى الأمر وأنت متشائم، لأن العقلانية أقوى.. واستمر الحوار بلا جدوى، لكن ما حدث بعد ثلاث سنوات سقوط حائط برلين، وفى 1991 سقطت الكتلة الشيوعية، والدور الآن على أمريكا بتحالف الإخوان مع الرئيس أوباما، وكتبت مقالا بهذا المعنى فى «الأهرام» بعنوان «أصولى فى البيت الأبيض» وآخر بعنوان «أوباما أصولى متواطئ».. وبدون تيار علمانى قوى ومقاوم على مستوى العالم سيؤول العالم مرة أخرى للخضوع للخلافة الإسلامية.

■ تقصد أنه كان على الثورة أن تركز على التصدى للأصولية لتنجح؟

- فى منتدى «ابن رشد» كان يحضر ما بين خمسين وستين شابا، ووجدت الشباب مع الوقت تتنامى عنده نزعة الرفض، ولما قامت الثورة اتصل بى أحدهم من الميدان يقول قمنا بالثورة، ثم ظهر شعار «لا إخوان ولا أحزاب» قلت «كويس» ولكن ما البديل؟ «مافيش». أين المثقفون؟ «مافيش». لذلك أنا مع الجيش منذ عهد عبدالناصر وليس هناك بديل.. هنا أتحول إلى مفكر سياسى- لا فيلسوف- أما عن الثورة فهى ثورة إلكترونية وليست ثورة أحزاب مثلا أو كتل وطنية، إبداعها يكمن فى تحويلها للفيس البوك من وسيلة للنميمة والثرثرة إلى وسيلة للتحريض الثورى ولتغيير الواقع.. ولدىّ مصطلحان: الوضع القائم والوضع القادم، أما الوضع القائم فسيظل قائما إلى أن تحدث له أزمة نتيجة لعدم قدرته على مواكبة التطورات الجديدة فتكون ضرورة تغييره باستدعاء الوضع القادم الذى يعنى الرؤية المستقبلية.. الثورة نجحت فى تغيير الوضع القائم لكنها فشلت فى استدعاء الوضع القادم، وسبب فشلها أنه لم يكن هناك مثقفون عندهم رؤية مستقبلية، مما سهل مسألة قفز الإخوان على الثورة، باعتبار أن لديهم رؤية، مما استلزم تصحيح المسار، لذلك فإننى أعتبر 30 يونيو ثورة.

■ والثمار؟

- الثورة بدأت فى يناير2011، ومازال الوقت مبكرا لجنى ثمارها، وإن كان قد مرّ ست سنوات، فالخطر أن الكل معرّض للتفكيك، حيث خيانة المثقفين معوق أساسى، والرؤية المستقبلية لم تكتمل بعد، والرأسمالية الطفيلية والأصوليين «لسه شغالين»، وممكن أن نلتقى بعد أربع سنوات ونتناقش فى نفس الوضع.. لابد أن نقبل بالعلمانية، ففى قبولها قبول للعقلانية، حيث العقل البشرى متغير وفق متغيرات كل زمن، ولى عبارة تقول: «التطور لا يرحم البقاء للأصلح.. وما يتبقى يتحول إلى حفريات».

■ ما الذى تراه حفريات أيضا؟

- الممانعة والصمود والإمبريالية والصهيونية.. كل هذه صارت حفريات، وأنا كتبت مقالا فى «المصرى اليوم» أقول فيه إما إيران أو إسرائيل.

■ نريد أن نقف على دلالة حديثك عن «التواطؤ الأوبامى» فى حالة مصر؟

- أعد قراءة خطابه فى جامعة القاهرة ستقف بوضوح على مغزى زيارته وخطابه، ستعرف أنه يدعو للخلافة الإسلامية، وهو الذى طلب من مبارك عدم الذهاب معه ووضع الإسلاميين فى الصف الأول.

■ إلى أى مدى أثرت ثورات الربيع العربى بالسلب على تراجع القضية الفلسطينية فى ظل الخلاف الفلسطينى- الفلسطينى؟

- إذا أردنا التحدث عن القضية الفلسطينية علينا أن نتحدث عنها بلا حساسية، فإننا سنقول ماذا حدث فى نوفمبر عام 1947. صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة، والفلسطينيون رفضوه، والإسرائيليون قبلوه، واسأل مرة أخرى ماذا حدث فى 1948، تأسست دولة إسرائيل ولم تتأسس دولة فلسطين، لأن الفلسطينيين والعرب رفضوا، والنتيجة الآن هناك دولة إسرائيل وليست هناك دولة فلسطين، لأننا لم نعترف بإسرائيل حيث القناعة التى كانت راسخة لدى الفلسطينيين والعرب أنه لا دولة فلسطينية قبل القضاء على إسرائيل.. هذا رغم اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع من اتفاقات إسرائيلية- فلسطينية متعاقبة، حصلت بعدها السلطة الفلسطينية على بعض المكاسب، وأقول إن الثورات العربية أثرت بالسلب فعلا على القضية الفلسطينية، بل أقول إنها نسفت كل ما هو ضد التطور، حتى الثلاث لاءات الخاصة بمؤتمر الخرطوم صارت أيضا من الحفريات.

■ هل هناك عقلانية واحدة؟، وإذا كانت عقلانية واحدة ألا تندرج تحت وصف الأصولية؟

المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية

- ذكّرتمونى بندوة أقمتها تحت عنوان «عقلانيات أم عقلية واحدة؟» وما يحسم عندى هذا السؤال أن العقل الإنسانى مبدع منذ الطفولة، فصراخ الطفل حين يخرج للحياة تفسيرى له أنه يصرخ من الدهشة لأنه خرج لعالم آخر أقل أمانا، ما يعنى أنه مولود بعقل مكتمل، لكنه عاجز عن التعبير، والدليل أن الطفل يفهم لغة هو يجهلها، إذن فوظيفة العقل الدهشة التى تحث على الفهم والتفكير، ومع الأصولية تدمر الدهشة، وبالتالى يدمر الفهم، خاصة أن الأصولية لا تحض على إعمال العقل، وفقا للفقيه ابن تيمية، ومن هنا جاءت دعوتى لابن رشد.

■ كثيرون قالوا إنك أهملت الجانب الصوفى عند الغزالى وعند ابن رشد، والغزالى صوفى عقلانى وابن رشد عقلانى صوفى، كما لم تقم التجربة الصوفية وجذورها فى مصر؟

- ما رأيك لو قلت لك إن أغلب الظن أن كثيرا من المثقفين لم يقرأوا لى ما كتبته فى هذا السياق.. وما رأيك أنه كانت هناك جمعية اسمها «إخوان الصفا» مؤلفة من كاثوليك وشيوخ أزهر وأساتذة جامعة مثل الفليسوف عبدالرحمن بدوى ومحمود خضيرى وعثمان أمين، ودُعيت من قبل الأب قنواتى وكان الحوار كله صوفى الطابع، وكنت منشغلا بالقضية السياسية آنذاك فى 1946 تقريبا، واعتذرت للأب قنواتى وقلت إن البلد يغلى ونحن نتحدث فى الصوفية ثم قام عبدالناصر بإلغاء إخوان الصفا ثم أعادها السادات تحت اسم «الإخاء الدينى»، وأقول لك إن هناك معركة بين الغزالى وابن رشد يتحاشاها العالم الإسلامى. كنت حاضرا مؤتمراً عن ابن رشد فى الجزائر فى 1980 وفوجئت بأن المشاركين قالوا إن الخلاف بين الغزالى وابن رشد لم يكن حقيقيا وإنما كان انفعاليا وأن الاثنين كانا متفقين.

■ ما هى حقيقة الخلاف بين ابن رشد والغزالى إذن؟

- لقد ألف الغزالى كتاب «تهافت الفلاسفة»، وكان تكفيرى الطابع للفلاسفة الأوائل، وصدر الكتاب فى القرن الحادى عشر الميلادى، وألف ابن رشد فى القرن الثانى عشر كتابه «تهافت التهافت» للرد على الغزالى، لينقذ سقراط وأفلاطون وأرسطو من سيف الـ«بدعة» الذى رفعه الغزالى على رقابهم. إذن كان الخلاف منهجيا وفى المتن ومتعلقا بالعقل الإنسانى وعلاقته بالموروث الدينى والثوابت الدينية، وقد أثر الغزالى فى المشرق العربى، وخشى ابن رشد أن يمتد تأثير الغزالى إلى المغرب العربى، فألف ثلاث كتب أولها «تهافت التهافت» و«فصل المقال» و«مناهج الأدلة».

■ أنت أيضا لم تنتقد العقلانية الكولونالية- الاستعمارية، فهناك مجتمعات عقلانية ساندت كل عمليات التخريب والتوحش مما يدفع الناس للحكم السلبى على فكرة العقلانية؟

- الاستعمار فى وجهه الحقيقى استثمار، لأنه حين يجد أرضاً متخلفة وغير مستقرة يستثمرها بما يصب فى مصلحته.

■ رغم اختلافك بشكل عام مع السادات فى كل شىء تقريبا فقد اتفقت معه فى فكرة التطبيع مع إسرائيل، ما تفسيرك؟

- سؤال فى محله، والإجابة عنه تستلزم رؤية تسلسل الأحداث، ومبدئياً أود القول إنه عندما أكون على قناعة بفكرة للتغيير، لا أهتم بما تثيره هذه الفكرة من عداوات، لأن المستقبل كفيل بحسم مشروعية هذه العداوات أو عدم مشروعيتها. أما عن سؤالك ذاته فإنه ينطوى على أن ثمة تناقضا فى موقفى من السادات. وأنت محق فى ذلك. ومع ذلك فإن التناقض يكون مشروعاً إذا تولد عنه تطور. لهذا فالسؤال يكون على النحو الآتى: كيف نشأ هذا التناقض ولماذا نشأ؟ تسلسل الأحداث أمر لازم للجواب. فأنا قبل اشتعال حرب 1973 كنت على قناعة بأن السادات ملزم بإشعالها ولكن فى حدود، وسبب ذلك مردود إلى أن حرب الاستنزاف التى بدأها عبدالناصر تستلزم الوصول بها إلى حرب مواجهة لتحرير الجزء المحتل من أرض الوطن. وكانت هذه القناعة على الضد من الرأى السائد فى حينها، وهو أن السادات ليس جاداً فى تنفيذ هذه المواجهة.

■ أنت عدو الأصولية، والأصولية ازدهرت فى مصر السادات بعد حرب 1973؟

المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية

- تلك مفارقة فعلا، بعد انتهاء الحرب المحدودة فى عام 1973 فطنت إلى بزوغ ظاهرة جديدة فى عام 1974 وهى ظاهرة الأصولية الدينية فى علاقتها العضوية بالرأسمالية الطفيلية. ومن شأن هذه العلاقة دفع مصر إلى التخلف ثقافياً واقتصادياً، وهنا لم أتمكن من ممارسة الصمت حفاظاً على إيجابيات حرب 1973 فكنت عنيفاً فى نقد سياسة السادات الداخلية، وكانت النتيجة أنه أصدر قراراً بفصلى من الجامعة. وهنا يبدو التناقض فى موقفى من السادات: تأييد من جهة ومعارضة عنيفة من جهة أخرى، ولكنه تناقض مشروع. والتناقض هو قانون التطور بمعنى أنه «لا تطور بلا تناقض».

■ لم تحدثنا عن دور بعض الدول العربية والغربية فى دعم التيارات الأصولية والجماعات الإرهابية.. لماذا يقومون بهذا؟ وهل تتوقع أن يحدث يوما ما وينقلب السحر على الساحر؟

- بعض الدول العربية محكومة بتيار أصولى يستند إلى فكر ابن تيمية الفقيه من القرن الثالث عشر. ومن هنا يكون من الطبيعى أن تكون هذه الدول راعية للإرهاب بحكم منطق عبارتى التى تقول بأن الإرهاب أعلى مراحل الأصولية الدينية، لأن هذه الأصولية تعتقد أنها مالكة الحقيقة المطلقة، ومَنْ يعارضها يستحق القتل. أما الدول الغربية فقد دعمتها لمحاربة الشيوعية، من أجل القضاء عليها، بدعوى أنها ملحدة، وكانت النتيجة حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتى، لكن المثير للانتباه أن المخابرات الأمريكية أعلنت بعد انتهاء هذه الحرب أنها كانت تمولها من التجارة فى المخدرات لكى تشترى أسلحة تسلح بها الجماعات الأصولية، ومعنى ذلك أن المخابرات الأمريكية تدعم العلاقة العضوية بين الأصولية الإسلامية والرأسمالية الطفيلية. إلا أن هذه الدول الغربية لم تكن على وعى بأن الغاية التى تنشدها الأصولية الإسلامية هى تأسيس الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض، وبالتالى تكون المواجهة بين العالم الإسلامى والعالم الغربى حتمية.

■ ما تقييمك لدور المؤسسات الدينية: الأزهر، والأوقاف، والكنيسة فى مواجهة النعرات الأصولية والتكفيرية ودورها فى تجديد الخطاب الدينى؟

- إشكالية المؤسسات الدينية سواء إسلامية أو مسيحية أنها تستند إلى فكر أصولى. وفى هذا السياق، فإنه ليس بإمكانها أن تكون جادة فى تجديد الخطاب الدينى ولا أدل على ذلك من حدوث «فتن أصولية» من وقت لآخر. وليس هناك مخرج من هذا المأزق سوى أن تواجه المؤسسات ذاتها بإجراء نقد ذاتى من شأنه إحداث تغيير جذرى فى الذهنية الدينية لمواجهة الإرهاب مواجهة حاسمة.

■ هناك رسالة قصدتها للعوام أرسلتها من خلال كتابك «جرثومة التخلف»، فما هى؟

- الرسالة التى عنيت إرسالها للقارئ هى تحريضه وحثه على البحث عن هذه الجرثومة للعثور على المضاد الحيوى للتخلص منها. اللافت للانتباه هنا أن هذا الكتاب طُبعت منه طبعتان. وفى الطبعة الشعبية التى صدرت عن هيئة الكتاب بوزارة الثقافة حذفت منها المقدمة التى تحدد الغاية من تأليف الكتاب، والسؤال هنا: لماذا حذفت المقدمة؟ هل من باب التعتيم على الغاية من تأليفى لهذا الكتاب؟

■ ما دلالة عنوان كتابك «ملاك الحقيقة المطلقة»؟.. وما هى الدعوة المعرفية التى ينطوى عليها مضمون الكتاب؟

المصرى اليوم تحاور«الدكتور مراد وهبة » - صورة أرشيفية

- الغاية من هذا الكتاب الدعوة إلى دراسة نوع جديد من الملكية هو فى رأيى أهم من دراسة الملكية الزراعية أو الملكية الصناعية، لأن ملكية الحقيقة المطلقة يمتنع معها إحداث أى تقدم، بل يتسق معها إحداث أى تخلف. وأظن أن المؤسسات الدينية لديها اشتهاء لقنص الحقيقة المطلقة وفرضها على الآخرين بالعنف.

■ ماذا يفيد إعادة طرح فكر ابن رشد الآن؟، وهل يلقى المكانة التى يستحقها لدينا كالتى يحظى بها لدى الغرب؟

- أنا لا أعيد طرح ابن رشد، لأننا لم نتجاوز القرنين الثانى عشر الذى يعيش فيه ابن رشد، والقرن الثالث عشر الذى يعيش فيه ابن تيمية. ومن هنا نحن نعيش الآن الصراع القائم بينهما. ومن هنا أيضاً يمكن القول إننا نعيش فى القرن الحادى والعشرين وهو من قبيل الوهم الذى ندمن ممارسته. أما الغرب فقد تجاوز هذين القرنين عندما أسس تيار الرشدية اللاتينية الذى هو، فى رأيى، أساس الإصلاح الدينى فى القرن السادس عشر، والتنوير فى القرن الثامن عشر.

■ بعد كل هذا الجهد والعمر والمسيرة الطويلة، هل تشعر أنك أحدثت تجديدا ما أو حققت شيئا للعقلية المصرية والعربية؟

- الإجابة عن هذا السؤال ليست من شأنى إنما هى من شأن الأجيال القادمة، لكننى أريد أن أذكرك بمسألتين: الأولى أننى قد عقدت فى 25 فبراير 1982 ندوة تحت عنوان «الانفتاح الاقتصادى والنظام الاجتماعى» وقد طلب فى حينها رئيس الوزراء كمال حسن على إرسال أبحاث هذه الندوة إليه، وامتنعت المؤسسة الغربية الممولة لهذه الندوة نشرها، والمسألة الثانية أننى بدأت أكتب عن العلاقة العضوية بين الأصولية الدينية والرأسمالية الطفيلية من حيث إنها حاكمة للعلاقات بين الدول الموجودة على سطح كوكب الأرض منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضى حتى الآن.

■ لم نعد نسمع منك أو نقرأ لك منذ سنوات أى نقد للنظام الاقتصادى الاجتماعى العالمى - المحلى الراهن.. ما جدوى العقلانية إذا لم يكن لها دور فى إصلاح خلل هذا النظام وأساسه التركيز الشديد للثروة وتفشى الاحتكارات العالمية؟

- لن يولد فى بلادنا نظام اقتصادى متطور دون العلم والعقلانية.

■ ما تقييمك لفكر وآثار ما يسمى «الأصولية الاقتصادية» التى قادتها مدرسة شيكاغو (ميلتون فريدمان) وطبقها ريجان وتاتشر، ثم تفشت فى العالم كله؟

- يقال أصولية دينية ولا يقال أصولية اقتصادية، وكل من ريجان وتاتشر كان أصولياً، وكان ريجان متحالفاً مع الحزب الأصولى المسيحى المسمى «الغالبية الأخلاقية»، وكان هذا الحزب هو المحرض على الحرب النووية. وبناء على ذلك شاعت الرأسمالية الطفيلية الملازمة للأصولية الدينية.

■ الدكتور رمزى زكى هو صاحب عبارة «الرأسمالية المتوحشة».. هل هذا الوصف أصبح أيضا حفريات؟

- عبارة «الرأسمالية المتوحشة» ليست علمية، ومن ثم فهى لا تصلح للتحليل العلمى. هذا بالإضافة إلى أن صفة المتوحش صفة خاصة بالحيوانات.. والدقة العلمية مطلوبة.

■ هل يمكن أن ينشأ فى الكنائس الشرقية لاهوت تحرير يسير على درب ذلك الذى نشأ فى أمريكا اللاتينية؟

- «لاهوت التحرير» هو لاهوت مؤلف من العقيدة الكاثوليكية والماركسية من أجل الدفاع عن المقهورين. وهو توليفة قامت بها الكنائس فى أمريكا اللاتينية لإنقاذ العقيدة من هيمنة الفكر الماركسى. وحاول أحد رواد هذا اللاهوت واسمه «إنريك دوسل» الدخول فى علاقة عضوية مع الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية، التى أشرف برئاستها، وغايتها إشاعة أفكار التنوير، ولكنى وجدت أن أصحاب لاهوت التحرير يرفضون إقحام التنوير فى لاهوت التحرير فتوقفت الاتصالات، وبعد انتهاء الكتلة الشيوعية توارى لاهوت التحرير ولم يعد صالحاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية