x

أسامة غريب تكسّرت النصالُ على النصال أسامة غريب الخميس 03-11-2016 21:11


وصلنى سؤال من أحد القراء الأفاضل يقول: لماذا لم نقرأ لك تعليقاً على الخراب الذى لحق بمدينة رأس غارب فى السيول الأخيرة؟

قلت له: لقد أدمى هذا الحادث قلبى، خاصة أن ضحاياه كان أغلبهم من النساء والأطفال، وهؤلاء هم الأقل قدرة على الفرار عند الأخطار، كما أن ملابسات الحادث وأسبابه هى ملابسات عجيبة بشكل يصلح للدراما السينمائية أكثر مما يصلح للتعليق عليه بالصحف، فالأرصاد لم تقصر فى التنبيه بأن السيول قادمة، ومع هذا لم يهتم أحد.

والحقيقة أننى دائماً ما أفشل فى الكتابة عن الأمور المؤلمة فور حدوثها لأننى أشعر بهوان الكتابة والكلام إلى جوار آلام البشر، وأحياناً أشعر بسخافة العزاء والكلمات التى تقال فيه، وهذا يحدث لى فى السرادقات عندما أجد نفسى أغمغم أمام أهل المتوفى بكلام غير مفهوم، وذلك على الرغم من أن حجم الألم بداخلى كثيراً ما يكون أكبر من الذى لدى من قدّموا كلاماً طويلاً محفوظاً ومرصوصاً إلى جوار بعضه بدون تلعثم. وفى مثل هذه الحالات أؤثر الاستماع أكثر من الكلام وأفضّل القراءة عن الكتابة، كما أننى لا أحب أن أزيد القراء كآبة ويكفيهم ما هم فيه. وهناك سبب آخر ربما يكون مختبئاً فى اللاوعى عندى وهو أننى- مثل كل مصرى- قد عاصرت حرائق وكوارث ونوازل حدثت بفعل الإهمال ونتج عنها وفاة المئات من الضحايا، كحريق قصر ثقافة بنى سويف عام 2006 الذى فقدنا فيه بعضًا من أهم فنانى ونقاد المسرح المصرى، وبينهم أناس كانوا من أعز أصدقائى، وكان من الممكن ألا يموتوا لو كان لدى المسؤولين دم أو إحساس، وعندما كتبت عنهم كانت دموعى تسبقنى، وهى حالة لا أحب أن أستعيدها.

كما أننى لا أنسى كيف كنت أجلس مع وزير النقل المصرى على الغداء فى مونتريـال عندما أتته مكالمة تخبره باحتراق قطار الصعيد عام 2002 وذهاب أكثر من أربعمائة شخص فى الحريق، وبعدها عرفت أن العدد كان أكثر من ذلك بكثير وأن المأساة كانت فوق التصور، حيث النار تشتعل وتلتهم الركاب ثم تنتقل من عربة إلى عربة والصراخ يتعالى، والمحظوظ هو من ينجح فى إلقاء نفسه من قطار يسير بسرعة مائة كيلو فى الساعة! وشاهدت فى المجلات الأجنبية ما لم تنشره الصحف المصرية من صور لرجال ونساء هم أهلى وناسى ولحمهم المشوى يتصاعد منه البخار والدخان، وقد حرمتنى صورهم النوم ليالى طويلة وأنا أراهم يطلبون النجدة حتى التفحم. هذا غير عبّارة الموت التى راح ضحيتها 1134 إنسانًا بينما مبارك يشاهد ماتش كورة، وأخيراً مركب رشيد الذى حمل الهاربين من جحيم الحياة فى مصر وهوى بهم إلى قاع البحر.

يعنى يمكن القول إنه قد تكسّرت النصالُ على النصال، ولم يبق فى الروح موضع إلا وبه ضربة سيف أو طعنة رمح.. فلا نامت أعين الجبناء، الأنذال، الفاسدين.

كل العزاء لأسر الضحايا.. وليتغمد الله الشهداء بواسع رحمته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية