x

محمد حبيب الأخلاق والسياسة محمد حبيب السبت 29-10-2016 21:38


من أجمل ما أبدعه شوقى عن قيمة الأخلاق، قوله: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وقوله أيضا: وليس بقائم بنيان قوم.. إذا أخلاقهم كانت خرابا! مصداق ذلك قول الحبيب المصطفى، صلى الله وعليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويكفيه وصف المولى له: «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم: ٤).. ومن أروع ما قاله ابن القيم فى كتابه «مدارج السالكين»: «إن الدين كله خلق، فمن فاقك فى الخلق فاقك فى الدين».. حقاً، تعتبر قضية الأخلاق من أهم وأخطر القضايا فى حياة الفرد والمجتمع والدولة، خاصة أنها ترتكز على الإيمان بالله تعالى، وليس على فلسفات مادية أو بشرية.. والذى ينظر إلى أحكام الشريعة الإسلامة، من عبادات ومعاملات وأخلاق وآداب، يجدها مرتبطة بشكل وثيق بالإيمان.. يقول ابن مسعود: «إذا قرأتم فى التنزيل (يا أيها الذى آمنوا) فاعلموا أن ما تتلونه من فصل الخطاب إما أمر يجب امتثاله أو نهى عن أمر يجب اجتنابه».. إن الإيمان هو أس الفضائل، ولجام الرذائل، وسكن النفس إذا ما أوحشتها الحياة.. لذا إذا وُجد الإيمان الحقيقى وُجد معه الوازع القوى الذى يأخذ بيد صاحبه إلى العلا، فهو لا يكذب، ولا يخدع، ولا يغش، ولا يخون، ولا يجور، ولا يسرق، ولا يتدنى، ولا يرتشى، ولا يهمل، ولا يتكاسل، ولا يأخذ ما ليس له حق فيه.. بل هو الصادق فى قوله وفعله، العادل فى حكمه ومواقفه، المحسن حتى إلى من أساء إليه، الهين اللين مع كل من حوله، السمح العطوف على كل من يتعامل معه، الإيجابى دائما تجاه قضايا مجتمعه، المتوكل والآخذ بأسباب العلم والتقدم.. وهو إذ يفعل ذلك ليس خوفا من قانون أو رقابة من إنسان، حاكما كان أو مسؤولا، وإنما خوفا من خالقه ومولاه، ورغبة فيما عنده، وإرضاء له، وتنفيذا لأوامره.. فى مجتمعنا العربى والإسلامى، لكى تؤتى السياسة- بمفهومها العام- ثمارها المرجوة، لابد لها من أخلاق تستمد قوتها وصفاءها وبهاءها من الإيمان.. لكن للأسف، هناك من يريد تجريد السياسة منها، واعتمادها فى الأساس على منظومة قيمية هابطة، مثل الكذب والغش والخداع والمناورة والتضليل... إلخ.

والسياسة فى هذه الحالة تؤدى إلى هدم المجتمع وتخريبه لا إلى بنائه وتعميره، وإلى هبوطه وتخلفه لا إلى رقيه وتقدمه، وإلى تفككه وضعفه لا إلى تماسكه وقوته.. نريد أن نمارس السياسة من الباب الأخلاقى، واعتبار المواطنة هى الأساس.. بمعنى آخر.. نريد سياسة على أسس نظيفة وقواعد أخلاقية سليمة، يتساوى فيها الجميع أمام القانون، ولا يُساء فيها استغلال المال أو السلطة (أو هما معا) لمصالح أو أغراض ذاتية.. وإذا كانت تجربة «الإسلاميين» فى المجلس التشريعى، وفى الحكم، مخزية ومخجلة، فضلا عن أنها تركت آثارا مدمرة، وصورة ذهنية سيئة لدى الكثيرين، فقد كان ذلك بسبب عدم التزامها بأى معايير أخلاقية.. إن النفس الإنسانية يوم تكون نظيفة والقلب نقيا طاهرا، والإنسان موصولا بالله، ثقافة وأخلاقا وسلوكا، لن تجد قمامة فى الشوارع وعلى النواصى، ولا فسادا ينتشر فى مجتمعنا كما النار فى الهشيم، ولا تخلفا علميا أو تقنيا، ولا فشلا تعليميا أو تربويا، ولا انهزاما أو يأسا أو إحباطا نفسيا، ولا أنانية أو انتهازية أو مداهنة أو تملقا سياسيا.

وبنظرة إلى الأحزاب وما يحدث فيها وفيما بينها من انقسامات، فضلا عن ضعف وهشاشة بنائها الداخلى، وعدم تواصلها مع الجماهير فى المدن والمراكز والقرى والكفور والنجوع، علاوة على غياب التربية والتنشئة السياسية لإفراز «كوادر» ورموز قادرة على الابتكار والإبداع والإقناع، تدرك صدق ما أقول.. ولو أنهم عكفوا بهمة ونشاط على استدراك ذلك لكان أفضل وأجدى لهم خاصة، وللعمل السياسى عامة.. لكنهم للأسف لا يتغيون إلا الوجاهة الاجتماعية والمصالح الذاتية.. نريد إذًا مزاوجة بين الأخلاق والسياسة، وأن تظل هذه المزاوجة مستمرة ودائمة حتى بعد أن يصل الساسة إلى سدة الحكم.. بل إنهم ساعتها أحوج ما يكونون إلى الأخلاق.. نعم إن السلطة مغرية، وقد تدفع أصحابها حتى وإن كانوا عبادا أو نساكا للوقوع فى أخطاء وخطايا.

وقد رأينا على مدار التاريخ البعيد والقريب كيف أن رجالا كنا نظنهم صالحين لكن بعد أن تقلدوا السلطة اختلفوا كثيرا، ورأينا منهم طغيانا واستبدادا، زورا وبهتانا، وكبرا وغرورا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية