نشرت صفحة وزارة الخارجية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، الخميس، مقال المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، رداً على مقال الكاتب الأمريكي ستيفن كوك تحت عنوان «كابوس مصر.. حرب السيسي الخطيرة على الإرهاب"، والذي نُشر في دورية فورين أفريز (الشؤون الدولية) في عددها رقم 95.
وقال «أبوزيد» في مقاله إن «محاولة تحليل وشرح السياسة الداخلية والخارجية لدولة بأسرها من زاوية ضيقة هو أمر شديد الصعوبة، بل قد يضحي عديم الجدوى، وينطبق هذا الأمر علي المقال الأخير للمحلل المتخصص في شئون الشرق الأوسط ستيفن كوك بعنوان: "كابوس مصر: حرب السيسي الخطيرة على الإرهاب"، والذي نُشر في العدد رقم 95 من مجلة فورين أفريز (الشئون الدولية)، ويهدف المقال إلي التأكيد على أن الدافع الوحيد وراء كل سياسات مصر كدولة هو هوس الثأر من جماعة الإخوان المسلمين. ومن المؤسف أن يتبني كوك وهو كاتب يحظى باحترام كبير في مجال تحليل شؤون الشرق الأوسط، هذا النهج التبسيطي والسطحي في تناوله لسياسات مصر».
ودعما لحجته القائلة بأن الكراهية العمياء تجاه الإخوان المسلمين هى حجر الزاوية في سياسة مصر، يتغاضى المقال - سواء عن عمد أو غير ذلك – عن عناصر أساسية فيما يتعلق بكل من الوضع في مصر والمنطقة ككل وكذلك تاريخ جماعة الإخوان المسلمين. إن السعي لتبرئة الإخوان المسلمين من تطرفهم، رغم وجود أدلة وافرة على هذا التطرف، هو منطق قد عفي عليه الزمن، ولكنه يظهر في هذا المقال مرة أخري، والأدهى أن يواكبه خطاب مستهلك فيما يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي الصعب في مصر. ما هو جدير بالملاحظة حقا، هو تصوير مصر باعتبارها عامل عدم استقرار رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، في تشويه صارخ للسياسة الخارجية المصرية، مع طمس تفاصيل هامة بشأن الأزمات التي تعاني منها المنطقة.
ويحاول المؤلف جاهدا أن يرسم رابطا ممكنا بين انتقاده للشؤون الداخلية في مصر، وهجومه على سياسة مصر الخارجية، وجماعة الإخوان باعتبارها نقطة ارتكاز لحجته، على هذا النحو، يتأرجح المقال تحت وطأة هذا الأمر، مما أدى إلى خروجه علي نحو ضعيف وغير متماسك، ورغم ذلك، سنحاول الرد على بعض المزاعم الواردة بالمقال لتدارك ما به من مغالطات، ويرتكز هذا الرد علي التصدي لاثنين من العناصر الرئيسية لهذا المقال وهما: التصوير غير الدقيق للشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، فضلا عن التحليل الخاطئ للشئون الإقليمية ودور مصر فيها.
الحقيقة الغائبة عن الواقع المصرى:
يزعم المقال أن الحكومة المصرية لا تركز سوي علي شيء واحد تحسنه صنعا ألا وهو: "قمع المواطنين "، حيث يمضي في ذكر أرقام وإحصاءات قد تم اجترارها كثيرا من قبل، كما فُُضح زيفها لاحقا، ومن بين هذه المزاعم هو الادعاء بأن مئات المصريين اختفوا قسرا، وهو ادعاء لايتسق والحجة الأصلية للمقال، ويبدو أنه قد حُشر بهدف وحيد وهو الإساءة إلي حكومة المصرية، حيث ثبت أن هذا الادعاء ليس إلا محض خيال، فقد كشف تقرير صدر مؤخرا عن المجلس القومي لحقوق الإنسان أنه من بين 267 حالة، فإن 238 حالة تضمنت إما متهمين في انتظار المحاكمة أو أفراد أٌُفرج عنهم بالفعل، وفقا لوزارة الداخلية، ويشير المقال أيضا إلى العدد الذي يتم الاستشهاد به كثيرا وهو وجود 40 ألف معتقل في مصر، دون وجود أية قائمة بأسماء هؤلاء الأفراد، ولا أي دليل عملي يدفع لتصديق هذا الرقم. تلك الادعاءات التى يتم ترويجها نجحت للأسف جزئيا فى تحقيق هدف الترويج لكذبة حتى تصبح حقيقة.
يشجب الكاتب أيضا السياسات الاقتصادية في مصر ونتائجها المزعومة، حيث يرسم صورة قاتمة بشأن الأفق المتاح، فضلا عن الإشارة إلي تدهور البنية التحتية والأنظمة الصحية، ومن هنا لا يتضح لنا كيف أن الهجوم علي الأداء الاقتصادي للحكومة المصرية يخدم حجته حول هاجس الحكومة بالقضاء على جماعة الإخوان، وهو ما يجعله مجرد نقد انتقائي يتجاهل الكثير من الاعتبارات الهامة، صحيح أن مصر تواجه تحديات اقتصادية خطيرة، ولكن إلقاء اللوم بطريقة أو بأخرى على الحكومة الحالية هو بمثابة غض الطرف عما مرت به البلاد من تحديات اقتصادية على مدار ثلاثين عاما، وزادت حدتها خلال السنوات الخمس الاخيرةمن هزة سياسية، بالإضافة إلي السياق الاقتصادي الإقليمي والدولي المعقد.
لقد اتخذت الحكومة المصرية قرارا جريئا بمعالجة المشكلات الهيكلية طويلة الأجل بالتوازي مع الاختلالات الاقتصادية قصيرة الأجل التي نتجت عن خمس سنوات من عدم الاستقرار والتحول السياسي، إن الرؤية الطموحة لمصر 2030 تشمل خططا ومشاريع قطاعية من شأنها أن تسفر عن نتائج على المدى
الطويل والقصير والمتوسط. كما يجري تطوير مشروعات ضخمة للتعامل مع الاحتياجات الهيكلية وكذلك تعزيز الاقتصاد، وخلق فرص عمل مؤقتة ودائمة.
لم تختر الحكومة المصرية الطريق الأسهل بانتهاج إصلاحات تجميلية، بل إنها حشدت شعبها حول أجندة الإصلاح الأوسع نطاقا التي من المتوقع أن تحقق نتائج مستدامة، كما أن الحكومة المصرية تدرك تماما المشكلات الاقتصادية الملحة واحتياجات شعبها لإيجاد حلول فورية لهمومهم اليومية، فكما تعمل مصر على مواجهة التحديات الرئيسية مثل تراجع السياحة وأزمة العملة، فإنها نجحت في تحقيق عدد من الخطوات الجوهرية في عدة مجالات، فقد تم توسيع شبكة الطرق القومية، بزيادة 7000 كم وإضافة 200 نفق لتسهيل التجارة والنقل؛ كما استفادت 1.5 مليون أسرة فقيرة من مشاريع الإسكان الاقتصادي؛ بالإضافة إلى تصحيح العجز في الكهرباء إلى حد كبير بعد استثمار 400 مليار جنيه في هذا القطاع، كما وصلت مصر إلي أعلى خمس دول في العالم في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الأشهر السبعة الماضية. كذلك انخفضت البطالة التي اختصها المقال بالذكر باعتبارها مشكلة متنامية، من 13.5٪ إلى 12.5٪ خلال العامين الماضيين، كذلك فإن الالتهاب الكبدي سي، وهو تحد آخر أبرزه المقال، قد تم مواجهته بالنجاح في علاج 800،000 مصري مصابين بهذا المرض منذ يناير 2016 على نفقة الدولة، وهو ما كان محل إشادة من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، كل هذه الحقائق قد تم تجاهلها عمدا، واختار المقال بدلا عن ذلك تضخيم التحديات التي تواجه مصر، مهاجما مشروعات وطنية عملاقة مثل قناة السويس الجديدة بحجة عدم تحقيقها نتائج فورية، غافلا عن النتائج طويلة الأجل المتوقعة من هذه المشروعات والدوافع الحقيقية التي تقف وراءها.
حقيقة التهديد العالمي:
عمد المقال، وبعد أن تبنى نهجاً متسرعاً في الحكم على الأوضاع الاقتصادية في مصر، إلى تناول حيثيات فرضيته الأساسية بشأن الهواجس المزعومة التي تتملك الحكومة المصرية إزاء جماعة الإخوان، وتداعيات هذا الأمر على الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، بل وعلى المنطقة برمتها، فكاتب المقال يرى أن شعوب كل من غزة وسوريا وليبيا قد بدأت في دفع ثمن ما أسماه" مساعي مصر للقضاء علي جماعة الإخوان"، وهي الجماعة – على حد وصف الكاتب – التي تتمتع بجذور متأصلة في المجتمع المصري، وتتبنى مبادئ الأصالة والوطنية والإصلاح الديني التي تروق لجموع المصريين. ويهدف المقال من هذا المنطلق بأن حجم الخراب الذي يدّعي أن مصر ألحقته بالمنطقة في خضم محاولتها استئصال جماعة سياسية مسالمة، الأمر الذي ينطوي في الواقع على مغالطات شديدة.
ولعله من المفيد، وقبل أي شئ، التوصل إلى فهم واضح لحقيقة جماعة الإخوان وما تمثله، وذلك من أجل الوقوف على المثالب الواردة في تقييم السيد/ كوك بشأن السياسات المصرية في المنطقة، فبالرغم من الصورة التي يحرص المقال على نقلها لقرائه، إلا إن الإخوان في حقيقة الأمر جماعة إرهابية، تتبني أيديولوجية وأفكار متطرفة وتلعب دوراًمحورياً في نشر هذه الأفكار، لقد كان من المتصور أن تعدد وتوافر الأسس التاريخية حول نشأة وتطور هذه الجماعة سيغنينا عن سرد الأدلة الدامغة التي تؤكد هذه الحقيقة، إلا أن المقال وللأسف الشديد فرض علينا خلاف ذلك، فحسن البنا، مؤسس الجماعة، تماشى بل ولجأ للعنف منذ البداية بحثاً عن تحقيق غايته، كما أن عرّابها الأول سيد قطب تبنى مبدأه المعروف بـ "التكفير"، معتبراً أن من لا يتبنى هذا المبدأ مرتد وهدف للعنف، وقد أكد الخبير في شئون الشرق الأوسط السيد/إيريك تريجر في كتابه الأخير "الخريف العربي – كيف فاز الإخوان بحكم مصر وخسروه في 891 يوما" أن سيد قطب هو بمثابة الملهم لإرهابيّ هذا العصر كأنور العواقلى وأيمن الظواهرى. ومن المستغرب أن جماعة الإخوان لم تتبرأ قط من أفكار قطب رغم إدعائها الوسطية، بل أنها تتخفى خلف ستار من المسالمة في مخاطبتها للغرب في الوقت الذي تبث فيها أيديولوجيتها الكريهة داخلالشرق الأوسط.
أوضح السيد تريجر في كتابه الطبيعة العقائدية لجماعة الإخوان وكيف يتم إلزام المجندين في الجماعة بالإعلان عن أنفسهم "جنوداً مخلصين" لا يعصون الأوامر، منوهاً إلى عدم إلمام البيت الأبيض بطبيعة الإخوان أو بحقيقة رئيسهم محمد مرسي، واستطرد موضحاً أن الجماعة قد صعدت إلى الحكم دون رؤية أو سياسة واضحة باستثناء الرغبة في تكديس الحكومة بعناصر إخوانية أو مسئولين يشاركونهم نفس الفكر. فما سرده تريجر من حقائق وتفاصيل كان هو الدافع لجموع المصريين من أجل النزول إلى الشارع وإزاحة الإخوان من الحكم.
إن سياسة مصر في المنطقة لا ترتبط بجماعة الإخوان ولا تستهدفها، بل هي موجهة ضد أفكار التطرف والإرهاب، تلك الأفكار التي تتعارض مع ما تعليه مصر من مبادئ وقيم على المستويين الداخلي والدولي. فحرب مصر ليست ضد الإخوان، بل ضد ظاهرة التطرف في عمومها وضد ظاهرة الإرهاب، الذي زرعت بذوره هذه الجماعة. فهذه الظاهرة تشكل خطراً محدقاً بكافة دول المنطقة وتمثل تهديداً وجودياً للنظام الإقليمي، باستهدافها للأبرياء على نحو يومي بمختلف المدن حول العالم.
الاستقرار ومكافحة التطرف
إن قراءة السيد/كوك لسياسة مصر الإقليمية لم تولي أدنى اعتبار لمقتضيات محاربة الإرهاب، حيث وجه سهام نقده لمحاولة مصر فرض حصار أحادى الجانب "يخنق" أبناء عزة لتدميرها الأنفاق، متجاهلاً في ذلك الحرب الضروس التي تخوضها ضد الإرهاب في شمال سيناء. فتدمير هذه الأنفاق لا يستهدف غزة بل هو ضرورة لأمن مصر القومي، ومن اللافت أن المقال تناسى الطبيعة غير القانونية والسرية لهذه الأنفاق التي لا تخضع للمراقبة، إلا أنهمن المدهش أنه أقر بحقيقة استخدام الأنفاق لتهريب السلاح. وعليه، فإن الطرح المقدم بضرورة عدم إعاقة مصر لعمل هذه الأنفاق إنما يدعو إلى السخرية ويعد بمثابة موافقة على تسليح الإرهابيين على أرض مصر.
فحتى الحكومة الإسرائيلية ، والتى يثنى الكاتب على دورها المزعوم فى توفير شريان الحياة الوحيد لأبناء غزة، تقر بما تشكلهةهذهةالانفاق من تهديد لأمنها القومى، فإذا كان من غير الواضح ما إذا كان السيد/كوك يدفع نحو قيام الولايات المتحدة بالتخلي عن أمن إسرائيل القومي، إنه من الجليّ أن كاتب المقال يسعى، في محاولة لتبرير منطقه، إلى محو الجهود المصرية المبذولة عبر عقود دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني ودفعاً لعملية السلام،وتواصلها المستمر مع كافة الأطرف لهذا الغرض.
إن المقال ملئ بالسقطات والهفوات في تناوله لسياسة مصر إزاء ليبيا، فعلى النقيض من الإدعاء المخزي الذي يتبناه المقال بمساهمة مصر في "عدم استقرار ليبيا" و"الإسراع بوتيرة تفككها" جراء محاولتها تحجيم الإخوان، إلا أن سياسة مصر تولي الاعتبار الأول في حقيقة الأمر لحماية استقرار ليبيا ووحدتها الإقليمية، فموقف مصر يقوم على دعم اتفاق الصخيّرات لما يمثله من انعكاس لحالة التوافق بين الليبيين وكركيزة لاستقرار الدولة، حيث تساند مصر المؤسسات الوطنية التي أفرزها هذا الاتفاق كالمجلس الرئاسي ومجلس النواب وحكومة الوفاق الوطني فضلاً عن الجيش الليبي.
ويصر كاتب المقال على الإدعاء بأن مصر تحرص على الانتقاص من حكومة الوفاق الوطني الحالية متناسياً أنها لم تحظ بثقة مجلس النواب بما أثر على شرعيتها، فمصر تؤكد على أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية وتقر كغيرها من أعضاء المجتمع الدولي بأهمية حصول هذه الحكومة على ثقة مجلس النواب.
وعليه فإن التغافل عن هذا الشرط للإيحاء للقارئ بأن مصر تعمل ضد مؤسسات الدولة الليبية لهو أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة. بل إن مساندة مصر لجهود بناء مؤسسات الدولة الليبية قد امتدت للعب دور محوري في تشكيل المجلس الرئاسي الليبي والذي يضم في عضويته ممثلين عن التيار الإسلامي، بما يبرهن على دعم مصر للمؤسسية في ليبيا بعيداً عن أى فصيل سياسي، ومن هذا المنطلق يأتي دعم مصر للجيش الوطني الليبي في حربه ضد الميليشيات المتطرفة المتمردة والمنظمات الإرهابية في ليبيا (وليس شخص بعينه كما يدعي المقال).
وعلاوة على ذلك، جاء توصيف المقال المغلوط لسياسة مصر تجاه سوريا تأكيداً لما يقدمه من أطروحات مريبة. حيث يدعي أن الحكومة المصرية تدعم الأسد "وتداوم على ترديد آرائه ومواقفه"، وذلك من أجل ضمان عدم حصول جماعة الإخوان على موطئ قدم لها في سوريا، وهو افتراض يستند بشكل كامل إلى اعتبارات واهية دون أى دليل على صحته. فالمقال يقر بأن مصر لم تدعم نظام الأسد بالسلاح أو المال أو الجنود، وإن كانت تكتفي بالدعم الرمزي، ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هو عن طبيعة هذا الدعم الرمزي فيظل عدم إصدار مصر لأى بيان داعم للأسد، ناهيك عن استضافة القاهرة لاجتماعات المعارضة المعتدلة في سوريا.
إن موقف مصر إزاء الأزمة السورية كان واضحاً من البداية، فمصر تؤكد على حتمية الحل السياسي الذي يضم كافة الأطراف (في ظل قناعتها باستحالة الحل العسكري)، كما تطالب مصر باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسساتها الوطنية، وهي العناصر التي تشكل جوهر محددات مؤتمريّ جنيف كإطار عام للعملية الانتقالية. وقد أثمرت جهود الوساطة المصرية منذ أيام قليلة عن إبرام اتفاق لإجلاء المصابين وكبار السن من مدينة حلب. فهذه الجهود ما هي إلا نتاج لسياسة مصر، التي دائما ما تقف إلى جانب الشعب السوري دون غيره.
وفى المجمل، فإن هناك إطاراً عاماً يحكم سياسة مصر الإقليمية، وهو إطار يبعد كل البعد عما يزعمه كاتب المقال من استهداف لجماعة الإخوان، فمصر واحدة من أكبر وأقدم الدول في المنطقة، تلتزم بسياسة ثابتة تقوم على مبادئ محددة ورؤى متسقة، ففي سوريا وليبيا وكافة ربوع مصر تعمل مصر على الحفاظ على الدولة ومؤسساتها الوطنية ووحدة أراضيها، وتدعم مصر الحلول السياسية لكافة الأزمات من أجل تعزيز استقرار المنطقة، كما تولي مصر أولوية متقدمة لمسألة ضبط الحدود وحماية أمنها وأمن جيرانها. وبطبيعة الحال فقد تصاعدت أهمية محاربة الإرهاب على سلم أولويات السياسة الخارجية المصرية، لما يشكله من تهديد متصاعد على الصعيد الدولي، حيث يعصف بسوريا والعراق وينال من الأبرياء في سيناء، كما طالت يده الغاشمة لتمتد إلى باريس وبروكسل والولايات المتحدة وكافة ربوع العالم.
فعلى ما يبدو أن السيد كوك لم يلتفت إلى حجم وعظمة هذا التحدي، فجوهر نقده لسياسة مصر الخارجية يعد بمثابة دعوة إلى التساهل مع الإرهاب والتطرف، التساهل مع تهريب الأسلحة في غزة، ومع الميليشيات في ليبيا بالرغم مما تشنه من حرب على الدولة، ومع المتطرفين في سوريا من أجل إسقاط الأسد.
وربما، وهذا هو الأخطر، يدعو الكاتب إلى منح الإخوان فرصة أخرى في مصر رغم لفظ الشعب المصري لهم ولطغيانهم ولحكمهم والذي كان وللطف الأقدار لفترة وجيزة، إن حرب مصر ضد الإرهاب والتطرف تقوم على مبادئ ثابتة في سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء، وهي المبادئ التي يبدو أن السيد/ كوك يصر على أنها تتسبب في حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بل ويختزلها في مجرد صراع سياسي مع الإخوان، إلا أن هذه المبادئ هي التي ساعدت مصر على تجاوز العاصفة والاستمرار كعامل رئيسي لاستقرار المنطقة والتي لا تحظي بالكثير من هذا الاستقرار.
إن مقال السيد/كوك ينحى باللائمة على مصر فيما يشهده الشرق الأوسط من مشاكل دون أى منطق أو مبرر، وقد أثار دون قصد تساؤلاً محورياً: كيف وصل الحال بالشرق الأوسط إلى ما يعانيه الآن من انكسار؟ فمحنة أبناء غزة مروعةولكنها ليست بجديدة، إنها نتاج عقود من ازدواجية المعايير والتقاعس والمماطلة من جانب المجتمع الدولي بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
إن المتسبب في حالة الفوضى التي تموج بها ليبيا هو من رفض استكمال مهمته، فالحملة الدولية التي هدفت في الأساس إلى حماية الشعب الليبي لم تسفر إلا عن انهيار بناء الدولة القائم حينئذ، في ظل غياب أى شكل من أشكال التصور لكيفية إعادة البناء، لتقع ليبيا فريسة للإرهابيين والمرتزقة، إن الصراع في سوريا قد دخل في حلقة مفرغة وممتدة من العنف، وهو ما يعزى دون شك وإلى حد كبير إلى سياسات ضيقة الأفق تغض الطرف عما تمارسه فصائل تحارب بالوكالة لتحقيق مصالح سياسية لدول بعينها. ولعلنا نتساءل ما إذا كانت السياسات التي تنتهجها بعض الدوائر الغربية في السنوات الأخيرة باستمالة واحتواء قوى التطرف، والتي يؤيدها السيد كوك، قد عجّلت وساهمت في التصاعد السريع والخطير للإرهاب والفوضى في المنطقة.