x

مي عزام أسرار الرئيس.. احتفالية بزمن الرسائل الغرامية (3) مي عزام الثلاثاء 25-10-2016 22:05


(1)

كيف هو الحب في زمن الهواتف الذكية ولغة الأيقونات؟

رسائل قصيرة مزينة بـ«ايموشنز».. قلوب صغيرة حمراء، ورود، وجوه مبتسمة، أو قبلات مرسومة، لم يعد أحد لديه الوقت ليكتب رسالة غرامية طويلة لحبيبته، فمن الأسهل له أن يختار أغنية تحمل المعانى التي يشعر بها فيرسل «اللينك»، لتفتحه الحبيبة وتستمع للأغنية، وتتخيل أن حبيبها هو الذي يتغنى بها، لقد منحنا العالم حق أن يتحدث عنا بلغته، يقترح علينا كل شيء، ودورنا أن نختار من المتاح، كأننا أمام «فاتيرنة» محل للسلع الجاهزة.

(2)

يأتى نشر خطابات ميتران العاطفية لعشيقته آن بنجو ليعيد لرسائل الحب الكثير من الاحترام والتبجيل، رسائل كتبت بعناية فائقة وكأنها قطع أدبية أراد كاتبها أن يصيغها للتاريخ، كتب ميتران تلك الرسائل السرية بنفس العناية التي كان يكتب بها خطاباته السياسية، حتى أن المحرر الثقافى الشهير لصحيفة «أوبزرفتور» جاروم جارسان، والذى اطلع على نسخة من الكتاب قبل طرحه في الاسواق، وصف ميتران بأنه آخر الرؤساء الذين احترموا اللغة الفرنسية، فرسائله ليس بها أي اخطاء في الإملاء أو النحو، استخدم لغة فرنسية بليغة ورفيعة المستوى.

(3)

الحوار الإذاعى بين آن بنجو وجان نويل جينينى على فرنسا الثقافية، استغرق تسجيله ساعتين ونصف، أذيعت على خمس حلقات، كل منها نصف ساعة، تحدثت آن بيجو أمينة متحف اورساى، عن علاقتها بميتران في زمنها، فحب مثل هذا في اوائل ستينات القرن الماضى كان منكرا، شابة حميلة ومن عائلة معروفة تقع في حب سياسى متزوج وله طفلين ويكبرها ب27 عاما، أي مستقبل يمكن أن تحمله هذه العلاقة المشينة لشابة مثل آن بنجو ...؟

بالتأكيد كانت محور نميمة في الاوساط الاجتماعية المشتركة التي قست عليها وأمتهنت سمعتها، كما أن هذه العلاقة لم تجد ترحيبا من أسرة آن البرجوازية، والأكثر قسوة أن آن لم تفضفض يوما عن معاناتها، فهى معروفة بالتكتم الشديد، ولعل ذلك سبب احترام وتقدير الفرنسيين لها في حياة ميتران وبعد وفاته، ولعل ذلك كان السبب وراء هذا العدد الضخم من الرسائل التي كان يرسلها ميتران لها،مانشر منها 1218،على مدى أكثر من 30 عاما كان آخرها قبل وفاته بأسابيع قليلة، فهى رسائل إلى قلب وعقل آن، تطمئنها على أن مكانتها في قلبه وأنها مكانة تفوق كل مشاعر كنها يوما لإمرأة، فهى حبيبة العمر كما كتب لها، فآن لم تكن فقط تقاوم مشاعر اليأس بسبب سرية علاقتها، ولكن ايضا مشاعر القلق من نزوات ميتران الكثيرة والتى تداولتها الشائعات.

(4)

الاحتفال بمئوية ميلاد ميتران هو السبب المعلن عن قبول آن لنشر هذه الرسائل الآن، ربما هو التوقيت المناسب ولكن ليس السبب الوحيد، فهناك عدة أسباب تحدثت عنها أن في طيات حوارها، اولها أنها ارادت أن تنشر هذه الخطابات في حياتها ،عمرها الآن 73 سنة،ومن ضمن الأسباب التي قالتها دون قصد، أنها ارادت أن تعيد الأعتبار لعلاقتها بميتران، فهى لم تكن مجرد عشيقة مثل الكثيرات التي كتبن عن علاقتهن بميتران كتبا كثيرة بعد وفاته معظم أحداثها من وحى خيالهن، وتجرأ عدد منهن وظهرن على شاشات الفضائيات ليتحدثن عن علاقتهن الحميمة به وكيف كان ميتران يدللهن ويموت فيهن عشقا، بل تجنى البعض على ميتران فكتب عن علاقاته بأخريات، بتفاصيل دقيقة رغم أنه لم يكن يوما شاهدا عليها.

(5)

تعرضت أن بنجو للإيذاء طويلا، في حياة ميتران وبعد وفاته، لكنها لم تفعل ما فعلته دانيال زوجة ميتران في كتاب «كلمة بكلمة»، والذي تضمن سلسلة من الحوارات أجراها يورجو ارشيماندتى معها ونشرت قبل عام من وفاتها، وتحدثت فيه عن ميتران وعلاقاته النسائية وكيف تعاملت معها،وايضا لم تفعل مثل ابنتها «مازارين» التي نشرت كتاب «ولا كلمة» عام 2005 عن علاقتها بأبيها وكيف عاشت طفولة تختلف عن اقرانها، فهى تنتسب لعائلة والدتها وليس أبيها، وممنوع ان تتحدث عنه مع صديقاتها وهو ما سبب لها معاناة في طفولتها.

آن بنجو لم تتحدث يوما عن معاناتها مع ميتران ولا عن حبها كعبء، ولا عن خيبة أملها الكبرى حين انتخب ميتران رئيسا لأول مرة، لأن هذا معناه بقائها في الظل إلى الأبد، ولكنه فضلت أن يكتب ميتران عنها، فهى الوحيدة التي كتبها الرئيس العاشق عبر رسائله.. وهذا هو الرد المناسب وإعادة الاعتبار لعلاقة حب فريدة من جانب آن التي لم تعرف في حياتها غير ميتران (في حياته وبعد وفاته) ... حب عصى على الفهم لكن هناك من يحس بقيمته.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية