«المصرى اليوم» نشرت خبراً غريباً وخطيراً وكارثياً فى الوقت نفسه، جاء فيه: أن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، سوف يعقد اجتماعاً خلال الساعات المقبلة، مع التوكيلات الملاحية العالمية، لبحث توقيع عقود، يتم بموجبها قيام هذه التوكيلات بدفع رسوم عبور السفن للمجرى الملاحى للقناة لمدة ثلاث سنوات مقبلة، ووضع مبالغ الرسوم فى شكل وديعة لدعم الاقتصاد المصرى.
مصادر مسؤولة قالت: إن الاجتماع سوف يناقش الضمانات التى ستقدمها الهيئة للتوكيلات الملاحية، لعدم المساس بنظم وقواعد الملاحة بالهيئة، وإن خط الملاحة «ميرسك» هو الذى يستطيع توقيع مثل هذه العقود مع هيئة قناة السويس، لأنه يستحوذ على نسبة من ٨ إلى ١٢% من رسوم العبور.
هذا الخبر يتزامن فى توقيته مع ذكرى كارثية شبيهة المضمون، وإن اختلفت فى الشكل، تهل علينا تحديداً فى ٢٥ من الشهر المقبل، وهى ذكرى بيع أسهم قناة السويس، تحديداً فى عام ١٨٧٥، فبعد أن رهن الخديو إسماعيل كل موارد الدولة تقريباً لتسديد القروض التى لا أول لها ولا آخر- كما هو الحال الآن- اتجه إلى بيع أسهم القناة للإنجليز، كان عليه أن يسدد فى ديسمبر سندات مستحقة على الخزانة بمبالغ كبيرة، وإما إعلان الإفلاس، وتمت صفقة البيع بما يقارب أربعة ملايين جنيه إنجليزى، رغم العواقب السياسية الكبيرة لهذا التصرف، الذى أسفر بعد سبع سنوات فقط، عن احتلال مصر، عام ١٨٨٢.
وقد كانت هذه العواقب واضحة منذ البداية، من خلال تحذيرات وتنبيهات، من ساسة وصحفيين غربيين آنذاك، ألمحوا إلى هذا الخطر الماثل فى الصفقة، المسيو شارل مازاد، كتب فى مجلة «العالمين» الفرنسية يقول: إن هذا العمل سياسى محض، هنا وجه الخطر فيه، فإذا لم يكن فى ذاته احتلالاً لمصر، فإنه الخطوة الأولى لهذا الاحتلال، والآن وقد أصبح لإنجلترا عميل يحتاج إلى أن تعطيه مائة مليون فرانك لتسديد ديونه، فهى لن تتركه وشأنه، بل تراقب ماليته وتقرضه وتبذل له المال من جديد، وستطلب منه ضمانات وتأمينات، وبعد أن كانت إنجلترا تعارض إنشاء القناة، أصبحت تسعى لامتلاكها.
كأن التاريخ يعيد نفسه، فى شكل آخر، وفى الذكرى نفسها بعد ١٤١ عاماً، هذه المرة من خلال خديو جديد، هو الخديو مهاب مميش، الرجل بقدرة قادر وجد نفسه على رأس القناة، بل وجد نفسه فى موقع الخديو إسماعيل، نصب من نفسه وصياً، ليس على القناة فقط، بل على مصر، يبيع ويشترى، ويهدر أموال الناس.
الخديو مميش يبدو أنه لم يكتف بهذا الخراب الذى حل بالدولة المصرية على يديه، راح يخمّن الآن فيما هو أبشع، تسديد رسوم العبور عن ثلاث سنوات مقدماً، أى حل الأزمة المالية هذا العام، وليذهب الشعب إلى الجحيم فى العامين التاليين، وكأنه لم تكفهم تلك القروض التى سوف تقصم ظهر الدولة المصرية مستقبلاً، ولم تكفهم أموال المساعدات التى لا يعلم الشعب عنها شيئاً، ولم يكفهم أن تحويلات المصريين بالخارج قد توقفت، ولم يكفهم أن عائدات السياحة قد نضبت، راحوا يحرمون الشعب مستقبلاً من مصدر العملة الصعبة الوحيد، بزعم أنه ستصبح هناك وديعة، لن تحقق أى عائد يستحق من جهة، كما لن يضمن أحد عدم المساس بها من جهة أخرى.
السؤال هو ياعم مميش: من الذى يضمن أن القناة سوف تظل تعمل بكامل طاقتها وكفاءتها خلال السنوات الثلاثة المقبلة، ألم تتوقف عن العمل قبل ذلك نحو ٩ سنوات، من الذى يضمن استمرار الملاحة فى المنطقة عموماً، فى ظل هذا التوتر الحاصل فيها والمتزايد يوماً بعد يوم، فى هذه الحالة-لا قدر الله- من أين يتم السداد لهؤلاء، أهو الحجز وإعلان الإفلاس، أم هناك أمر آخر، من الذى يضمن الوفاء بالتعهدات لهذه التوكيلات الملاحية أو تلك، الأمر الآخر الأكثر خطورة، هو أن مثل هذا الإجراء، سوف يحرم القناة من رفع رسوم العبور خلال السنوات الثلاثة، وهى الزيادة المتعارف عليها، والتى كان معمولاً بها سنوياً، ناهيك عن أن هذه التوكيلات سوف تطالب أصلاً بتخفيضات كبيرة، نظير السداد المقدم، إضافة إلى التخفيضات الحاصلة الآن بفعل قراراتكم.
أيها السادة، اتقوا الله فى مصر، وشعب مصر.