x

عبد الناصر سلامة اللغة العربية في شرم الشيخ عبد الناصر سلامة الإثنين 10-10-2016 21:35


من خلال الكلمات الرسمية التى تم إلقاؤها فى الاحتفالية البرلمانية بشرم الشيخ، لفت انتباهنا جميعاً ذلك التدهور الحاصل للغتنا الجميلة على لسان متحدثينا الذين درسوا جميعاً فى مدارس التعليم المجانى، وقتما كان هناك تعليم حقيقى، فما بالنا بمستوى تعليم اللغة العربية الآن فى المدارس الخاصة، واللغات، والأجنبية، إلى جانب ذلك الهزل المتمثل فيما تبقى من التعليم المجانى حالياً.

ما أثق فيه هو أن الكلمات جميعها كانت مشفوعة بالتشكيل، من خلال من قاموا بكتابتها، الضمة والفتحة والكسرة والسكون، إلا أنه بدا واضحاً أن هناك ضحالة فى مستوى اللغة الرسمية للدولة لدى المسؤولين الرسميين، لو أن أحدهم كان قد حفظ جزءاً واحداً من القرآن الكريم لما كان ذلك هو المستوى أبداً، لو أن أحدهم كان قد اهتم بسد هذه الثغرة المخجلة ولو بعد نهاية أعوام الدراسة، من خلال عدد من الحصص هنا أو هناك، لكان الأمر قد اختلف، لو أن أحدهم قد استشعر الحرج يوماً ما لكان قد بحث عن الحل.

هناك بين قضاة مصر الأجلاء من يحتلون مرتبة متقدمة فى مستوى اللغة العربية، تضاهى الأساتذة الكبار، إلا أن هناك أيضاً من لا يعلمون أصول الرفع أو الجر أو النصب، ونسمع هؤلاء وأولئك بصفة يومية فى ساحات المحاكم، أيضاً هناك بين القادة من كانوا مفوهين لا يُشق لهم غبار، وهناك أيضاً من لا يدركون للأسف معنى أنها اللغة الرسمية للدولة، وهناك بين رؤساء البرلمانات على امتداد الـ١٥٠ عاماً من كانوا أساتذة بحق فى هذا المجال، وقد عاصرنا بعضاً منهم، من أمثال الدكتور رفعت المحجوب، والدكتور فتحى سرور، وهناك أيضاً من نخجل حين نسمعهم يتحدثون، وكأنهم من عرقيات أخرى فى المجتمع.

للأسف، جميعنا ننصح أبناءنا بالاهتمام خلال سنوات الدراسة باللغات الأجنبية حتى يكون لهم شأن بين أقرانهم، بل بين الأمم، إلا أننا لم نفطن أبداً إلى أن ذلك يجب أن يأتى فى المرتبة الثانية بعد الاهتمام باللغة الأم، كيف يكون حال هذا الخريج أو ذاك إذا كان يجيد معظم لغات العالم ولا يجيد لغة بلاده؟ سوف يظل مثاراً خصباً للسخرية مدى الحياة، حتى لو كان يراهن على الهجرة من بلاده إلى بلاد العجم أو الغجر، كيف لا يضع أى منا ولو نسبة احتمال ضعيفة أن يكون هذا الابن أو البنت متحدثاً فى تجمع عام يوما ما، ربما كانوا متحدثين طوال الوقت بحكم طبيعة عملهم.

حتى نكون أكثر وضوحاً، كيف يمكن أن يقبل أى منا أن يكون رئيساً لبرلمان دولة عربية وهو لا يجيد النطق بالعربية؟ كيف يمكن السعى لوظيفة أو منصب قاضٍ فى محكمة، ومواجهة الجمهور ووسائل الإعلام، فى الوقت الذى سوف أرى السخرية والاشمئزاز فى عيون ووجوه الآخرين نتيجة ضعف ما فى الأداء اللغوى، أو حتى فى مخارج الألفاظ؟ كيف يمكن السعى لوظيفة صحفى أو مذيع فى الوقت الذى لا أكترث فيه بأهمية اللغة التى سوف أتعامل معها طوال الوقت؟

الأهم من ذلك، كيف لا أنتفض بعد واقعة واحدة أو أكثر، فأسعى جاهداً إلى تصحيح هذا الوضع أو ذاك؟ ويكفى هنا أن أذكر أن كلمة رئيس البرلمان المصرى فى الاحتفالية، الدكتور على عبدالعال، على مدى نحو ١٨ دقيقة فقط، تضمنت ما يزيد على ١٥٠ خطأ، بمعنى آخر: لم تكن هناك جملة واحدة صحيحة، وهو ما يبيح لنا المطالبة بإجباره على تعلم اللغة العربية من جديد، أو التصويت على استمراره رئيساً من عدمه.

فيما يتعلق باحتفالية شرم الشيخ تحديداً، لم نكن بالتأكيد أمام حدث محلى، كجلسات البرلمان اليومية، كنا أمام احتفالية دولية، بمشاركة برلمانيين عرب، ورؤساء برلمانات عرب أيضاً، أى يجيدون التعامل مع اللغة نطقاً وكتابة، ربما شعراً ونثراً، كما هى عادة العرب، أى أن الأمر كان على قدر كبير من الإحراج لمصر العربية وشعبها، من خلال كلماتنا الرسمية بلا استثناء، وقد سمعنا كلمة رئيس البرلمان العربى، التى كانت نموذجاً فى الإلقاء ومخارج الألفاظ وتشكيلها، إلى غير ذلك مما بدا أنه أسلوب حياة، وليس مجرد تعلم بالمدارس فقط.

نحن أيها السادة أمام قضية على قدر كبير من الأهمية، تستدعى وضعها فى الاعتبار مستقبلاً، حين المقابلات الشفهية للاختيار فى الوظائف المهمة، ومن بينها النيابة العامة، والصحافة والإعلام، بل والدبلوماسية، وعضوية البرلمان، مادمتُ سوف أُصبح ممثلاً لبلادى يوماً ما، لم يعد مقبولاً أبداً ذلك التهريج الحاصل فى المحافل المحلية والدولية على السواء، وليس عيباً أبداً أن يحصل رئيس أى دولة، أو رئيس أى برلمان، أو أى محكمة، أو أى صحيفة، أو ما شابه ذلك، على دورة أو دورات فى هذا المجال، وذلك لتحقيق الحد الأدنى، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلى أن يتم التعامل مع هذه القضية من جذورها.

مصر أيها السادة يجب أن تكون النموذج، وليس العكس، مصر هى التى تبعث بمدرسى اللغة العربية إلى كل هذه الأقطار، هى بلد الأزهر الشريف، ومجمع اللغة العربية، كم من كليات اللغة العربية فى بلادنا، ودار العلوم، وأقسام اللغة العربية، والدراسات العربية، والآداب، والتربية، وغيرها مما هو مشترك مع الدراسات الإسلامية والفقهية والدعوية، إلى غير ذلك كثير.

حينما نقول جمهورية مصر العربية، وقلب العروبة النابض، ومقر جامعة الدول العربية، يجب أن تكون الأسماء على مسمياتها، لا يحب أبداً أن تكون مجرد شعارات، وإلا فلا نستحق لا هذه ولا تلك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية