x

السفير منير زهران مندوب مصر الأسبق بالأمم المتحدة: السعودية من مصلحتها تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية

الإثنين 10-10-2016 21:44 | كتب: مصباح قطب |
السفير منير زهران فى حواره لـ«المصرى اليوم» السفير منير زهران فى حواره لـ«المصرى اليوم» تصوير : سمير صادق

تطرق السفير منير زهران، رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية، مندوب مصر الأسبق لدى الأمم المتحدة، إلى الأزمة التى أثارها الكونجرس، بتمريره قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب «جاستا»، مؤكدا أن استصدار قوانين وطنية مثيلة للقانون الأمريكى، كرد فعل عليه، من شأنه أن يؤدى إلى انهيار جميع الحجج ضد القانون الأمريكى، وسيصبح اختراق مبدأ سيادة الدول أمرا عاديا، وتنتصر «الفتونة» الأمريكية. ويرى «زهران»، الحاصل على الدكتوراه فى القانون الاقتصادى الدولى من جامعة السوربون، فى حواره لـ«المصرى اليوم» والذى أكد أنه يتحدث بصفته الشخصية وليس باسم المجلس المصرى للشؤون الخارجية، أن بعثة صندوق النقد الدولى لا تغادر واشنطن إلى أى بلد إلا بعد أن تنسق مع وزارة الخزانة الأمريكية، فالنتيجة تكون معروفة سلفا، ودور البعثة فقط مناقشة التفاصيل.

ويضيف الملقب بوزير دفاع الدول النامية، فى مجال الاتفاقيات التجارية الدولية متعددة الأطراف، أنه للحد من الواردات فإن الأمر يحتاج للتفاهم مع الموردين بقصر الاستيراد على السلع الضرورية، واللجوء للمنظمة العالمية للتجارة للحصول على استثناء من التزامات مصر الخاصة بتحرير التجارة.. وإلى نص الحوار:

■ بداية ما الذى يجب عمله فعليا ضد قانون «جاستا» – العدالة ضد رعاة الإرهاب – بعد إقراره؟

- المساندة القوية والواعية لموقف المملكة العربية السعودية واجب أولا، وهناك أفكار مهمة للمواجهة أعلنها المجلس المصرى للشؤون الخارجية، بعد عقد مائدة مستديرة يشارك فيها عدد من خبراء القانون الدولى المشهود لهم مثل الدكاترة: على الغتيت وفؤاد رياض، القاضى الدولى سابقا، حسين حسونة، عضو لجنة القانون الدولى بالأمم المتحدة، وكل من السفراء: عبدالرؤوف الريدى، سفير مصر السابق فى واشنطن، وعزت سعد - المدير التنفيذى للمجلس المصرى للشؤون الخارجية- والعبد لله، وآخرون، وانتهى باعتماد توصيات ومقترحات عملية للمواجهة وأهمها أنه حذر من استصدار قوانين وطنية مثيلة للقانون الأمريكى – كرد فعل عليه- لأنه فى هذه الحالة ستنهار جميع الحجج ضد القانون الأمريكى وسيصبح اختراق مبدأ سيادة الدول أمرا عاديا وتنتصر الفتونة الأمريكية.

■ ما تفسيرك لإجماع الكونجرس والشيوخ على ذلك القانون؟

- إنه منطق القوة وتحدى القانون الدولى، وأستغرب أن هذا الموضوع الحساس كيف مر بهذه السرعة ولم يأخذ حقه من النقاش والأخذ والرد بين زعماء الكونجرس من الحزبين الديمقراطى والجمهورى والبيت الأبيض، خاصة أن أوباما محام بارع ومفوه وأستاذ فى هارفارد وسيناتور سابق.

■ هل هناك سوابق لمثل هذا العمل المتعدى على كل القوانين والأعراف الدولية؟

- هناك ثلاث سوابق أمريكية على الأقل فى مجال مقاضاة الدولة عن جرائم أفراد: الأولى كانت مقاضاة السعودية من أفراد – على خلفية سبتمبر2001 – فى محكمة أمريكية فيدرالية، وقد تمت تبرئتها. ومقاضاة إيران (وحزب الله) لنفس السبب، وقد رفضت إيران المثول أمام المحكمة - وهى ذات المحكمة التى برأت السعودية - فحكم عليها القاضى بتعويضات تزيد على ٣ مليارات دولار طمعا فى الأرصدة الإيرانية المجمدة، وثمة سابقة ثالثة ترجع لتسعينيات القرن الماضى، هى قانون أمريكى (هلمز - بيرتون) بمقاطعة أى شركات أمريكية أو غير أمريكية تتعامل مع الدول التى وضعتها أمريكا على لائحة المقاطعة، وخاصة كوبا وإيران وليبيا والسودان وكوريا الشمالية. وقد قمنا فى لجنة حقوق الإنسان (السابقة على إنشاء مجلس حقوق الإنسان) فى الأمم المتحدة بإدانة هذا القانون أكثر من مرة، والغريب أن البعض فى مصر كان يريد ألا ندين ذلك القانون حتى نحافظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة.

■ كيف كان ذلك؟

- فى إحدى دورات لجنة حقوق الإنسان فى أواخر التسعينيات ويوم التصويت على مشروع القرار ذى الصلة، وصلتنى تعليمات ظهر نفس اليوم بسحب اسم مصر من الدول التى تبنت مشروع القرار والتصويت ضده، فهالنى ذلك، فتساءلت كيف؟ وهل يمكن أن نسكت على مقاطعة الشركات المصرية التى تعمل خارج مصر مثل شركة المقاولون العرب، فضلا عن أن هذا من ناحية المبدأ مرفوض.. مرفوض أن يتم تطبيق قانون أمريكى على غير الأرض الأمريكية.

■ قيل فى أوقات كثيرة عنك إنك سفير متمرد؟

- كل ما فى الأمر أنى حريص على مصالح مصر بقدر احترامى للتعليمات والمؤسسات فى بلدى. ربما جاء هذا القول بعد أن وقعت أحداث فى 1999حيث جاءتنى تعليمات لم أنفذها كانت تدعونى إلى أن أسحب اسم مصر من قائمة رعاة قرار يدين قانون «هلمز- بيرتون» الأمريكى الخاص بتطبيق جزاءات على الشركات التى تتعامل مع دول تقاطعها الولايات المتحدة، وأن أقوم بالتصويت ضد مشروع القرار وليس لصالحه، كما اعتادت مصر أن تفعل من قبل مع باقى الدول النامية الأخرى ومنها كوبا، والغريب أن التعليمات تسربت إلى سفير كوبا الذى صدمه الخبر وجاء ليسألنى: هل صحيح أنكم ستصوتون ضد مشروع القرار، فنفيت الخبر وأكدت أننا سنصوت مع القرار ولن ننسحب من مجموعة الدول التى تبنت مشروع القرار، وكل ما أطلبه منك تغيير كلمة واحدة، فبدلا من كلمة «إدانة» توضع كلمة «رفض»، والأخيرة من وجهة نظرى أقوى.. كان قصدى أن ذلك يجعلنى أتفادى كونى لم أنفذ تعليمات جاءت من وزير الخارجية، حيث إننى أصبحت إزاء مشروع قرار مختلف من حيث الصياغة.

وحصل القرار الجديد على موافقة أكثر من ثلثى الأعضاء، وبطبيعة الحال فإن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية مثل كوستاريكا وبريطانيا صوتوا معها وبعض الدول الأوروبية ضد القرار.

■ هل مر الامر بسهولة هنا فى القاهرة؟

- أرسلت برقية للقاهرة بما حدث ولم أتطرق فيها إلى التعليمات التى وصلتنى متأخرة وكأننى لم أتلقها. وأيضا فإن لكل إنسان فلسفته فى الحياة، فالموقف السابق مثلا جعلنى أقول للمسؤولين، إذا لم يكن تصرفى مناسبا فإننى على استعداد للاستقالة، وقد سبق لى أن اعتذرت عن منصب وزير الخارجية أكثر من مرة حين عرض علىّ قبل السفير أحمد ماهر بسبب طريقتى هذه فى التفكير.

■ هل هناك مواقف أخرى لم تلتزم فيها بالتوجهات الرسمية؟

- موقفنا من مفاوضات جولة أورجواى فى مرحلتها الأخيرة عام ١٩٩٤، حيث كان المطلوب منى الموافقة على مبادرات تخدم مصالح كبار الشركاء التجاريين، وتهدر مصالح مصر ودول العالم الثالث مثل إقحام معايير البيئة والعمل وربطهما بتحرير التجارة، فقد كان النص الموجود مرفوضا من الدول النامية، وبعد ذلك كلمنى عدد من الوزراء لتغيير موقفى فاعتذرت، ثم كلمنى رئيس مجلس الوزراء حينئذ الدكتور عاطف صدقى مبررا ذلك بأن لمصر مصالح ثنائية مع بعض الدول المتقدمة، فقلت له غيروا الحصان، لاقتناعى بأن تنفيذ تلك التعليمات سيلحق ضررا بالغا بالشعب المصرى ومعه شعوب الدول النامية الأخرى، فبعد فرض تلك القيود لن تستطيع منتجاتنا أن تنافس فى الأسواق الدولية فى ظل المعايير الجديدة المجحفة بِنَا، بعدها كلمنى الرئيس مبارك وقال «بيقولولى إنه فيه سفير لا ينفذ التعليمات»، وسألنى عما حدث فشرحت له الموقف فقال: موقفك هو الصحيح ولا تغيره.

■ عجبت حين أهمل المهندس رشيد وهو رجل شاطر، استشارتك فور توليه منصبه كوزير للتجارة والصناعة فى 2004؟

- الوزير السابق رشيد لم يتصل بى، ربما لأن الدكتور يوسف بطرس غالى كان «معبيه» من ناحيتى، فقد سبق أن كنت نائبا لرئيس الوفد المصرى مع يوسف بطرس غالى فى المؤتمر الوزارى للمنظمة العالمية للتجارة فى سياتل فى أواخر عام 1999، ورغم أننا نسقنا مواقفنا فى القاهرة قبل المغادرة إلى «سياتل» بالإصرار على أولويات ومصالح الدول النامية ومنها مصر، وأن الأولوية القصوى هى لتنفيذ اتفاقيات وإعلانات وقرارات جولة أورجواى، قبل النظر فى الموضوعات الجديدة التى طلبت الدول المتقدمة إضافتها إلى أجندة المنظمة فى جولة مفاوضات جديدة، إلا أن يوسف بطرس غالى، بدون تشاور مع أعضاء الوفد، سلم بكل المطالب الأوروبية والأمريكية فى اتفاقيات التجارة بما فى ذلك «التربس» (قواعد الملكية الفكرية)، كما سلم بما يريدونه فى نفاذ السلع غير الزراعية إلى الأسواق الدولية ومعايير الاستثمار وتسهيلات التجارة، وهناك فى سياتل ذكرت يوسف بأولوياتنا وأعدت تأكيد أن أولها يجب أن يكون تنفيذ قرارات جولة أورجواى التى لم تنفذ وكذا تنفيذ الالتزامات المنبثقة عنها والتى تعهدت بها الدول المتقدمة، لكن الدكتور يوسف ضرب بذلك عرض الحائط فى الغرف المغلقة.

■ كيف عرفت وما كان ردك؟

- تمت دعوة يوسف بطرس إلى القاعة الخضراء (الجرين روم) التى تضم الدول المتقدمة والدول التى تدور فى دائرتها، حيث يجرى التفاوض على نتائج المؤتمر بين عدد قليل من رؤساء الوفود، ووافق يوسف على كل ما طرحته الدول المتقدمة، وعندما تسرب الخبر اجتمع وزراء التجارة الأفارقة، وأنا معهم عن مصر، نظرا لوجود يوسف فى مفاوضات الجرين روم، واتفقنا فى الاجتماع الأفريقى على إدانة ما تم فى «الجرين روم» وعدم تنفيذه، وأصدرنا بيانا صحفيا مكتوبا، وعندما أخبرت يوسف بطرس بذلك قال «ملناش دعوة بالأفارقة ويجب أن نتنصل من بيانهم»، وهو ما لم أوافقه عليه، وبالتوازى مع ذلك أصدرت مجموعة الآسيان ودول الكاريبى، كل على حدة، بيانات مماثلة، وفشل مؤتمر سياتل وأعلنت ذلك رئيسة المؤتمر مسز بارشيفسكى، وعدنا لمصر، وكتب يوسف تقريرا وأنا كتبت تقريرا مختلفا، أرسله وزير الخارجية حينئذ إلى الرئيس.

■ إلى أين وصل هذا التصعيد مع الدكتور يوسف؟

- طلبنى أسامة الباز هاتفيا بعد العودة من سياتل وسألنى «إيه يامونى ده، إيه اللى جرى فى سياتل» ثم أعطى السماعة لجمال مبارك قائلا «جيمى معاك». قال لى جمال مبارك إنه يقترح أن يجمعنى مع الدكتور يوسف بطرس، فإما أن أقنعه أو يقنعنى، فقلت له أنا لن أغير موقفى الذى يتفق مع باقى الدول النامية ويحافظ على أولوياتها، فكرر القول، فأجبته بأننى لن أغير موقفى الذى يدافع عن مصالح هذا الشعب الغلبان، قال جمال: إنه يرى أهمية أن تحضر إلى هنا ونتكلم!! فسألته أين فأجابنى فى الرئاسة، فسألته لكى أتقابل مع من، فرد بأن أقابله هو، فسألته أقابله بأى صفة، فلم يرد ثم قال خلاص بلاش وأنا قلت بلاش أحسن ولم أذهب.

■ للإنصاف فإن هناك من يعتقد أن يوسف بطرس كان يظن أن اللعب مع الكبار يحقق مصالح مصر أفضل من الاستمرار فى الاصطفاف مع الدول النامية؟

- إذا كان هو مقتنعا بذلك فأنا لا أشاطره الرأى، أنا أعتقد أن الطريق الذى أحب أن نسلكه بالدفاع عن مصالح الدول النامية يحقق مصالح مصر على المدى البعيد. فإذا تنازلت للكبار قد يعطونك جائزة لحظية لكنك ستدفع ثمنا فادحا بعد ذلك، وبسبب التعارض الواضح فى المسار بينى وبين يوسف، فعند تشكيل وفد مصر للتوجه إلى جولة الدوحة 2001 طلب يوسف بطرس من أحمد ماهر وزير الخارجية حينئذ عدم انضمام منير زهران إلى الوفد المصرى، وبالفعل لم أذهب إلى الدوحة رغم أن الدكتور أحمد محمد على رئيس البنك الإسلامى للتنمية كان قد دعانى لرئاسة اجتماع لوزراء تجارة واقتصاد الدول الإسلامية لتوعيتهم عن أجندة المؤتمر الوزارى فى الدوحة فاعتذرت له ولم أسافر للدوحة.

■ ماذا عن موقف الدوحة؟

- انصاعت قطر لإرادة الأمريكان، لذلك لم يتم حتى الآن تنفيذ نتائج مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة فى الدوحة عام ٢٠٠١. كان روبرت زويلك الممثل التجارى الأمريكى حينئذ، الذى أصبح فيما بعد رئيسا للبنك الدولى، وكان زويلك هو من يقرر كل شىء فى مؤتمر الدوحة وليس وزير تجارة قطر الذى كان يرأس الاجتماع رسميا، والمثير للذهول أنه تم إعلان نتائج مؤتمر الدوحة بعد أن غادرت غالبية الوفود الدوحة عائدة لبلادها، ولم يتم تنفيذ أى من بنود مقررات أجندة الدوحة إلا منذ عام حيث اتفق مؤتمر نيروبى على الأحكام المتعلقة بالدول الأقل نموا وتسهيلات التجارة وخاصة التعاون بين أجهزة الجمارك وبعضها البعض، وحتى فى هذا الصدد لم تقدم الدول المتقدمة كل ما كان عليها أن تقدمه، كما لم يتم الاتفاق حول حدود دعم السلع الزراعية لأنه يوجد دعم أوروبى قوى فى مجال المنتجات الزراعية ولم يتم أيضا الاتفاق على تحرير المشتريات الحكومية.

■ من فى الخارجية الآن له دراية واسعة بالملفات التجارية الدولية؟

- كثيرون، مثلا السفير هشام يوسف خدمنا سويا فى جنيف وقد كان مديرا لمكتب عمرو موسى فى الجامعة العربية ورئيسا لحملته الانتخابية للرئاسة وهو أى هشام الآن الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامى فى جدة، وهو من خيرة الناس وله باع كبير فى الموضوعات الاقتصادية والتجارية، والسفير محمد توفيق الذى كان سفير مصر فى واشنطن وهو معجون بالوطنية، والسفير عمرو رمضان مندوب مصر الدائم فى جنيف حاليا والسفير محمد العرابى رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس النواب وغيرهم.

■ هل توجد سياسة تجارية لمصر حاليا؟ وما تقييمك لها؟

- لا يمكن القول إن هناك سياسة تجارية بعيدة المدى ومكتملة فى الوقت الراهن، قبل ذلك كان لدينا أساتذة اقتصاد وتجارة خارجية على مستوى رفيع مثل المرحوم الدكتور سعيد النجار والدكتور محمد زكى شافعى رحمهما الله والدكتور حازم الببلاوى والآن الدكتور جودة عبد الخالق وهو قدير ومحترم أيضا والدكتور مصطفى كامل السيد والدكتور أحمد جامع والسفير ياسر النجار، نائب وزير الاستثمار، وأنا لا أعرف القائمين على الجهاز القائم على تنفيذ السياسة التجارية حاليا فى مصر، وأعرف أكثر خبراء وزارة الخارجية الذين تدربوا على الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف. ويهمنا الآن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة خلال الفترة القادمة وحتى ٢٠٣٠، وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر فى دورتها السبعين فى سبتمبر ٢٠١٥.

■ ما الذى تتوقعه من المجلس التنفيذى فى أمر قرض صندوق النقد الدولى لمصر؟

- الاتفاق مع مصر سيتم وكما قال الاقتصادى العالمى «استيجلتز» الذى كان نائبا لرئيس البنك الدولى ومستشارا اقتصاديا للرئيس السابق كلينتون حيث صدر له أكثر من كتاب عن خبرته فى البنك الدولى والصندوق، إن بعثة الصندوق لا تغادر واشنطن بالأساس إلى أى بلد إلا بعد أن تنسق مع وزارة الخزانة الأمريكية، فالنتيجة تكون معروفة سلفا ودور البعثة فقط مناقشة التفاصيل.

■ كيف نضمن صفقة جيدة فى ظل ذلك؟

- أمريكا ليس من مصلحتها خلخلة استقرار مصر فى هذه المرحلة على الأقل، كما أن دور المصريين أنفسهم مهم فى صياغة الصفقة، فمن حق أى طرف دائن أن يضمن استرداد الدين عندما يحين الأجل، ولكن من حقنا نحن كمصريين أن نضمن أن البرنامج الإصلاحى يحقق طموحات وأولويات شعبنا فى المستقبل بما فى ذلك تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على البطالة ورفع مستويات المعيشة.

■ عودة إلى التجارة ماذا عن اتفاقية الشراكة الأوروبية مع مصر وعليها جدل عنيف؟

- الكاسب الأكبر منها هم الشركاء الأوربيون، فقد حصل الجانب الأوربى على إعفاء صادرات منتجاته الصناعية للسوق المصرية من الرسوم الجمركية، فخسرت مصر تلك الحصيلة ولم تستطع المنتجات المصرية منافسة مثيلاتها الأوروبية حتى فى السوق المصرية، وهكذا أصيبت الصناعة المصرية ببالغ الضرر، أما نظرية المعاملة بالمثل، فهذه لا تنطبق على العلاقات الاقتصادية فيما بين الدول النامية والدول المتقدمة، فلا يمكن المساواة بين القوى والضعيف، وكذلك الحال فى العلاقة بين الكبير والصغير.. إلخ، فلقد سبق أن حصلت مصر على هذه المعاملة فى اتفاقية التعاون لعام ١٩٧٧ وبإلغاء الرسوم الجمركية على صادرات مصر الصناعية بين مصر والجماعة الاقتصادية الأوروبية، قبل توسيعها فيما بعد إلى الاتحاد الأوربى، ووجدت المنتجات المصرية مصاعب كبيرة فى النفاذ للأسواق الأوروبية مع الإعفاءات الجمركية المقررة، عندما كان أعضاء الجماعة الأوروبية لا يزيدون على ستة، قبل انضمام إسبانيا والبرتغال واليونان إلى الجماعة وبعدها. أضف إلى هذا أننى لم أرحب من البداية أن تتضمن تلك الاتفاقية أحكاما تتعلق بحقوق الإنسان، وهى الأحكام التى أساء الأوربيون استخدامها فيما بعد لتسييس حقوق الإنسان.

■ كيف يمكن الحد من الواردات إلى مصر؟

- يحتاج الأمر إلى أحد طريقين أو كليهما:

أولا التفاهم مع الموردين بقصر الاستيراد على السلع الضرورية للأمن الغذائى، ويمكن التنسيق فى ذلك بين الحكومة وجمعيات رجال الأعمال لمحاولة تضييق العجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات.

ثانيا: باللجوء إلى المنظمة العالمية للتجارة للحصول على استثناء من التزامات مصر الخاصة بتحرير التجارة كإحدى وسائل الحد من عجز الميزان التجارى وميزان المدفوعات، وهو ما تسمح به أحكام الاتفاقيات ذات الصلة التى تشرف على تنفيذها المنظمة، وهو ما يستلزم إذا تقرر ذلك القيام مسبقا بحملة دبلوماسية منسقة مع جميع الدول الأعضاء فى المنظمة قبل طرح الموضوع رسميا.

■ بمَ تنصح بالنسبة لعقد اتفاقيات مناطق تجارة حرة ثنائيا أو مع مناطق معينة كما كان يتجه الوزير السابق رشيد، أو باتفاق التجارة الحرة مع تركيا؟

- الظروف التى كانت سائدة فى مصر عندما كان رشيد وزيرا تختلف عن ظروف مصر اليوم، وعلى ضوء إجابتى عن الطرح السابق، أرى الاكتفاء بما تم إبرامه حتى الآن من اتفاقيات المناطق الحرة بدون المزيد، بل مراجعة الاتفاقيات السابقة – بما فيها التركى - لمراعاة الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر حاليا والاكتفاء بالاتحاد الجمركى العربى واتفاقيات مصر مع الدول الأفريقية وخاصة الكوميسا.

■ تقييمك لسامح شكرى والهجوم الشرس عليه لذهابه إلى عزاء بيريز سفاح قانا؟

- الوزير شكرى شخصية واعية بعيدة النظر يزن كلماته بحرفية شديدة ويعمل ليل نهار وأنا أخشى عليه من الجهد فوق الإنسانى الذى يقوم به، أما فيما يخص موضوع العزاء فقد قام الوزير بمهمة بروتوكولية، فيوجد بين مصر وإسرائيل معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية كاملة، وقد سبق للرئيس مبارك والوزيرعمرو موسى أن شاركا فى جنازة إسحاق رابين فى القدس بعد اغتياله عام ١٩٩٥.

■ ما تعليقك على مقابلة شكرى مع جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة؟

- ليست أول مقابلة لهما فقد جرى مثلها العام الماضى، جواد ظريف صديق لى، وقد كنت مكلفا فى خلال تسعينات القرن الماضى بالملف الإيرانى عندما كنت مندوبا دائما فى جنيف، وقمت بالفعل بدور حلقة اتصال مع إيران بهدف إعادة العلاقات فى التسعينيات وكدنا ننجح، لكن الجهود توقفت أكثر من مرة للتدخل الأمريكى وتدخل إحدى الدول العربية، فتوقفت المساعى حينئذ.

وأريد أن أضيف أن استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية لا يخدم المصالح المصرية، ومن حسن السياسة استئنافها لحل المشكلات القائمة، إذ تلزمنا علاقات جيدة مع كل الأطراف الفاعلة فى الأزمات الإقليمية حتى يمكننا إيجاد توافق على حل تلك المشكلات بالوسائل السلمية وفقا لأحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

■ لكن السعودية قد تغضب؟

- نحن لن نفاجئها ومن مصلحة السعودية أن يكون لمصر علاقات طبيعية مع إيران، نحن فى مصر طرف أمين له مصداقية، ويمكن أن نتحاور ونتوسط للتوصل إلى تسويات للمسائل المعلقة بين إيران والسعودية وغيرها وما يحدث فى اليمن أو سوريا، كما فعلت مصر من قبل فى أفريقيا من خلال المرحوم الدكتور بطرس غالى والعبد لله، فى تقريب المواقف والوساطة ونزع فتيل الأزمات فيما بين العديد من الدول الأفريقية.

■ لكن هناك من يرى أيضا أن النوايا الإيرانية يشوبها الغموض؟

- هم فى النهاية يعرفون قدر مصر ويحترمون دورها ومنهم من يدرك أن جرنا للانزلاق إلى صراع سنى شيعى هو تآمر أنجلوسكسونى للتفريق بين المسلمين، وأنا أشاطر هذا الرأى، حيث لم يكن ذلك موجودا قبل ذلك.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية