x

مي عزام السعودية والشريك الأمريكى (خدع سياسية-4) مي عزام الأربعاء 05-10-2016 21:18


(1)

لم يكن مفاجئا أن يطمع الملياردير فى ثروة صديقته المطيعة، فقد كانت طوال الوقت تغدق عليه بكرمها الحاتمى، لكنه رغم ذلك سئم منها، ومن تصويرها لعلاقتهما بأنها شراكة دائمة وأبدية. رغم أنها قد لا ترقى إلى درجة الزواج الشرعى، لكنها قدمت نفسها للعالم فى صورة «الصديقة المدللة» صاحبة الحظوة الدائمة، لهذا كان قانون «جاستا» بمثابة صدمة مدوية، تنذر بمسلسل طويل من الفضائح المتبادلة بين الصديق الأمريكى العزيز والمملكة المغدور بها.

(2)

هذا التصويرالمبتذل، قد يكون التعبير الملائم والمناسب لما تسميه الكتابات السياسية «العلاقة الاستراتيجية» أو «الشراكة» العربية مع أمريكا، وهو اصطلاح مهذب لتلطيف حقيقة علاقة التبعية غير المتكافئة بين السيد وأتباعه وخاصة السعودية التى تعد نفسها الولاية الأولى بعد الخمسين من حيث حتمية حماية أمريكا لها ولمصالحها. إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقة بين الرياض وواشنطن، فسنجدها امتدادا لعلاقة ملوك آل سعود بالتاج البريطانى، وما حدث بعد ذلك أن «تركة لندن» آلت إلى واشنطن، فلم تمانع الرياض فى الاستمرار مع سيد العالم الجديد.

(3)

فى فترة الولاية الثانية لأوباما حدثت متغيرات خفية فى العلاقة، تلاها اتجاه للتوريط فى أكثر من مأزق، وأكثر من مستنقع للطرف السعودى، الذى بات تائها ومحاصرا فى الإقليم، ثم جاءت الجفوة الكبرى بموافقة الكونجرس بنوابه وشيوخه على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذى يبيح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر مقاضاة المملكة باعتبارها من الدول الراعية للإرهاب، والقاسى فعلا أن هذا القانون المجحف سبقته حملة إعلامية وضعت السعودية تحديدا تحت مقصلة «جاستا»، وكأنها الدولة الوحيدة المقصودة، بل إن الكونجرس فى حالة نادرة أطاح بحق الاعتراض (الفيتو) الذى استخدمه الرئيس أوباما لمنع صدور القانون، وهذا يعنى أن وراء الأكمة ما يخيف، وما يؤكد تلك النظرة التشاؤمية سرعة رفع أول دعوة قضائية ضد السعودية أمام محكمة واشنطن، يوم السبت الماضى، من جانب زوجة الضابط الأمريكى باتريك دن وابنته، وباتريك أحد ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر، وهما يتهمان السعودية بدعم تنظيم «القاعدة» لأكثر من عقد من الزمن، مما ساهم فى وقوع هجمات 11 سبتمبر عام 2001.

(4)

قبل إقرار «قانون جاستا» بسنوات، جلست الرياض طويلا أمام المرآة، وتشككت فى جمالها ودلالها، فلقد شعرت بخيبة أمل كبيرة، عندما تراجع أوباما عن ضرب سوريا فى أغسطس 2013، وكانت السعودية تعوّل كثيراً على هذه الضربات، لتسقط نظام الأسد إلى الأبد، بحجة نصرة أهل السنة، لكن الدلال السعودى لم يعُد له تأثير فى البيت الأبيض، فموقف أوباما، الذى وصف حينذاك بالضعيف والمتردد، كان بعيدا عن الآمال السعودية وطموحات المملكة، بل منح فرصة أكبر لخصومها فى الحصول على أدوار أكثر تأثيرا على الأرض السورية، مثل روسيا وإيران وحزب الله، وهكذا تحولت الساحة السورية إلى مقبرة للدور السعودى فى هذه الأزمة.

(5)

خيبة الأمل الثانية للرياض فى «شريكها المراوغ» تمثلت فى مفاوضات الملف النووى الإيرانى، التى انتهت برفع العقوبات عن طهران، وتحقيق الأخيرة نوعا من الانتصار الدبلوماسى أمام شعبها فى الداخل وأمام العالم أيضا، وهو ما جعل السعودية تندفع فى حرب اليمن بعد موافقة غير مدروسة ودعم ظاهرى من «الشريك الاستراتيجى!» ثم اتضح أن الهدف كان التوريط ولم يكن حفظ الكرامة واستعادة النفوذ المختل مع إيران، وما أشيع عن تسريبات للأمير محمد بن نايف تسير فى نفس الاتجاه وهو ما نفته المصادر الرسمية السعودية.

المملكة السعودية وجدت أن النفوذ الشيعى صار يطوقها من الشمال (العراق وسوريا) ومن الشرق (البحرين والمنطقة الشرقية داخل السعودية نفسها) وعلى وشك تطويقها من الجنوب (اليمن)، فكان لابد لها من السرعة فى اتخاذ موقف الحسم، فكان ميلاد «عاصفة الحزم» بعد انهيار المبادرة السعودية فى الشأن اليمنى والانقلاب على الرئيس عبد ربه هادى الذى تبنته الرياض، فانبرى وزير دفاعها الشاب الأمير محمد بن سلمان فى دخول حرب مباشرة (وليس بالوكالة) هذه المرة كما تعودت المملكة، لكن النتائج كانت كارثية، وكانت خيبة الأمل على كل المستويات.. ثقيلة.

وللخداع بقية...

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية