x

عبد الناصر سلامة الإصلاح فى أشباه الدول عبد الناصر سلامة الأحد 18-09-2016 21:08


فى أشباه الدول يبدو واضحاً ألا مجال للتقدم أو التطور عن طيب خاطر، يجب أن يكون ذلك بالأمر المباشر، أحياناً من خلال نضال الشعوب، وأحياناً أخرى، وهو موضوع حديثنا، بضغوط الدول الأكثر تقدماً وتطوراً وديمقراطية، وذلك بعد أن تفشل الشعوب فى تحقيق أهدافها، لأسباب عديدة، من بينها الأُمية الثقافية والجهل والتخلف عموماً، وفى معظم الأحوال نتيجة القهر والكبت والتلويح بالسجون والمعتقلات طوال الوقت.

فى تجربتنا المصرية، نعيش الآن الحالة فى أوج صورها، كم من محاولات مقاومة الفساد دون جدوى، كم من مطالبات تنقية مياه الشرب دون جدوى، كم من مطالبات تحسين أوضاع الغذاء دون جدوى، كم من محاولات إصلاح التعليم، كم من محاولات الشفافية، كم من المناداة بإصلاح المنظومة الصحية، كم من المطالبات بوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، كم من المطالبات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان؟!!

الآن جاء دور العالم الخارجى كى يطالب ويعترض ويحاول ويساعد هو الآخر، مادامت الجهود الداخلية وحدها لا تفلح، ولا تلقى الاستجابة، الآن قرر العالم الخارجى مقاطعة المنتجات الغذائية المصرية، الولايات المتحدة وحدها قررت مقاطعة أكثر من ٣٠ منتَجاً من أفضل ما تجود به مصانعنا، بمقاييسنا المحلية بالطبع، الآن قررت روسيا مقاطعة المنتجات الزراعية التى كنا نفخر بها، الآن قررت المملكة العربية السعودية مقاطعة التعليم فوق الجامعى بمصر، الآن قررت دولة قطر مقاطعة التعليم لدينا بصفة عامة، إثيوبيا أيضاً قررت مقاطعة قائمة طويلة من المنتجات الدوائية المصرية، البقية تأتى، قرارات أخرى مشابهة فى الطريق، ذلك لأن شعوب البلدان الأخرى لن تقبل بأقل من تطلعات وتحفظات الشعوب التى قاطعت.

هناك أيضاً من قاطعنا سياحياً فى السابق، وهناك من ألغى رحلات الطيران، وهناك من الشركات متنوعة الجنسيات والنشاط من أغلقت أبوابها بيعاً وشراءً وتصنيعاً، فى السابق أيضاً كانت التحذيرات من كل صوب وحدب تناشد السلطة الرسمية احترام حقوق الإنسان، كانت التحذيرات من ارتفاع نسب التلوث إلى مستويات غير مسبوقة، كل التصنيفات تقريباً تضعنا فى ذيل القوائم، إن فى الشفافية، إن فى الديمقراطية، إن فى جودة التعليم، إن فى الصحة، إن فى مستوى الرفاهية، إن فى مستوى دخل الفرد، إلى غير ذلك من كثير.

كنت أعتقد أن قرارات كهذه يجب أن تقف الدولة المصرية أمامها على قدم وساق، لا تهدأ ولا تهنأ إلا بالبحث عن العلاج، إلا بإصلاح المنظومة، أى منظومة، أياً كانت، كيف لا يقبل العالم الخارجى تناول أطعمتنا التى نقف طوابير للحصول عليها، كيف أصبح العالم الخارجى يرفض منظومتنا التعليمية، التى تنفق الأسرة المصرية عليها النسبة الأكبر من الدخل الشهرى، كيف أصبحت منتجاتنا الزراعية بهذا السوء، أو بهذه السموم التى ذكرتها التقارير الدولية، من مبيدات مسرطنة، وأدوية مغشوشة، ورى بمياه الصرف الصحى، وغير ذلك مما يمثل دماراً شاملاً لصحة الإنسان والحيوان على السواء؟!!

المأساة أيها السادة لم تكن فى فى حاجة أبداً إلى تقارير خارجية حتى نكتشفها، لم تكن فى حاجة إلى مقاطعة حتى يدق جرس الإنذار، عيادات الأطباء متخمة طوال الوقت بالمرضى فى كل التخصصات، أسِرّة المرضى بالمستشفيات كاملة العدد، مراكز التحاليل الطبية كذلك، مراكز الأشعة أيضاً، فيما يتعلق بالتعليم يكفينا الوقوف أمام مستوى الخريجين، الوقوف أمام مستوى المعلمين، الوقوف أمام مستوى المناهج، الوقوف أمام مستوى المدارس مقارنة بمثيلاتها فى الخارج، ليس فى دول أوروبا مثلاً، بل فى الدول المجاورة، هى كارثة صحية وتعليمية وصناعية بكل المقاييس.

السؤال هو: ما هى اهتمامات الدولة على المستوى الرسمى، إذا لم تكن تولى اهتماماً بهذه القضايا تحديداً، ما هو فقه الأولويات لدى الدولة، هل يمكن القفز على هذه القضايا إلى أخرى أياً كان اسمها، مشروعات قومية، أو وطنية، أو تاريخية، أو من أى نوع، هل يمكن الحديث عن أى إنجاز فى الوقت الذى يتناول فيه المواطن سموماً يومية، أو يحصل فيه التلميذ على تعليم لا يسمن ولا يغنى من جوع، هل يمكن أن ندَّعى تحقيق أى إنجازات وهذه هى نظرة الآخرين إلينا، أو هذه هى سُمعتنا الدولية؟!!

بالتأكيد أى دولة حرة مستقلة يجب أن ترفض، ويرفض معها الشعب، التدخل الخارجى فى شؤونها، إلا أن مثل هذا التدخل سوف يجد ترحيباً شعبياً غير مألوف، مادام ذلك هو الطريق الوحيد إلى الإصلاح، البعض يعتقد أننا بالفعل كُنا فى حاجة إلى وصاية حتى نعى الطريق الصحيح، كنا فى حاجة إلى حجر من نوع ما، حتى لا نتمادى فى مثل تلك السياسات المدمرة للصحة والمعرفة فى آن واحد، الغريب هو أن نجد مقاومة رسمية، بدلاً من تصحيح الأوضاع، هو أن نجد اجتماعاً وزارياً أو غير وزارى، لكتابة رد، أو إصدار بيان.

بالفعل إذا لم تستحى فاصنع ما شئت، الأمر أيها السادة لا يتعلق بقضايا هامشية، الأمر يتعلق بالغذاء والدواء، والصحة والتعليم، وحقوق الإنسان. نحن أمام إصلاح حتمى هذه المرة، لن نستطيع الفكاك منه، لابد أن نقبله، حتى وإن كان قادماً من الخارج.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية