مآسي أزمة اللاجئين لا تنتهي، والأسوأ من ذلك العدد المتزايد للأطفال القُصَّر الذين شقوا طريقهم إلى أوروبا لوحدهم بعيداً عن أهاليهم. ويبقى الوضع في بلغاريا هو الأسوأ على الإطلاق. DW تقتفي أثرهم في العاصمة البلغارية، صوفيا. يبلغ الطفل محمود من العمر 15 ربيعاً، وكلٌّ من باصر وفاتح 12 ربيعاً. قدم محمود وباصر من أفغانستان بينما جاء فاتح من باكستان.
تم احتجاز هؤلاء الأطفال الثلاث في مركز اعتقال في بلغاريا، رغم أن اعتقال الأطفال أمرٌ مخالف للقانون، إلا أنهم قد سجنوا فعلاً وأمضوا بعض الوقت هناك. وصل محمود لتوه إلى مخيم مفتوح في فيونا رامبا، بصوفيا، بعد قضائه أسبوعين معتقلاً. قال محمود لـ DW: «كان الوضع سيئاً جداً هناك، لم أستطع النوم، رائحة كريهة تعمّ المكان، وكنت وحيداً، لا يوجد طعام، بالإضافة إلى المشاجرات الدائمة بين الناس».
ترك محمود عائلته كلها في أفغانستان قبل ستة أشهر، ودّع أصدقاءه وأهله ليبدأ برحله هروبه إلى أوروبا عبر إيران وتركيا، كان يبلغ حينها 14 عاماً.أما بالنسبة لفاتح فقد قضى 10 أيام في بوسمانتسي، أحد مراكز الاعتقال الثلاثة للأجانب في بلغاريا،يقول فاتح: «كانت الشرطة تعرف بأنني لوحدي، لقد أخبرتهم بأن عائلتي بقيت في باكستان». لا يمكن للسلطات أن تخطئ بين البالغ والقاصر، الأمر واضح جداً بالنسبة لها.
كان فاتح يزن أقل من 40 كيلو غراماً، بالإضافة إلى ملامحه الطفولية التي لا تُظهر سناً أكبر من 12 سنة. ويبدو في الصورة المرفقة بوثائقه أصغر سناً، بسبب قصة شعره القصيرة. تجاوز القانون تحظر اتفاقية نيويورك لحقوق الطفل احتجاز الأطفال القاصرين وخصوصاً القصر الغير مصحوبين بذويهم. علاوة على ذلك، يعتبر هذا الاحتجاز اختراقاً لقانون الأجانب في بلغاريا.وعلى الرغم من ذلك، تم إرسال مفتشين من مكتب المظالم لتحديد القصر غير المصحوبين بذويهم في مراكز الاعتقال للمهاجرين.
العدد الإجمالي للأطفال المسجلين في كل من مركزي بوسمانتسي وليوبيميتس يبلغ 142 طفلاً، معظمهم غبر مصحوبين بعائلاتهم. لذا لجأت السلطات ببساطة إلى الكذب وذلك بتعيين أهالي مزيفين للأطفال، فبتلك الحالة فقط يكون احتجازهم مسموحاً، لمدة لا تزيد عن عشرة أيام. وفي حديثها مع DW، تقول ديانا كوفاتشيفا، نائبة أمين المظالم: «أولئك الأطفال لم يكونوا مصحوبين مع عائلاتهم بل كانوا برفقة أشخاص غرباء ليسوا بأقاربهم حتى». وتابعت: «كان الأمر جلياً بأن هؤلاء الأطفال لوحدهم، ولكن لم يكن لدينا معلومات تثبت صحة ذلك».
بالنسبة للبالغين، فقد كانوا سعداء لرعاية أطفال لا يعرفونهم، ظناً بأن فرصهم بعبور الحدود ومغادرة البلاد ستكون أكبر مع اصطحاب الأطفال، فضلاً عن أن معاملة العائلات المهاجرة تختلف عن معاملة الأفراد.. وبعضهم اضطروا إلى الكذب خوفاً«. مخاوف وأكاذيب سادي جورج، متطوعة بريطانية تعمل كمعلمة منذ أكثر من عامين، في مخيم هارمنلي، الذي يبعد 60 كيلومتراً عن الحدود التركية.
في غرفة الصف حيث تقوم جورج بتدريس اللغة الإنكليزية، روت قصة أحد الصبية غير المصحوبين بذويهم. إذ أخبرها بأنه قدم إلى بلغاريا وحيداً لأنه الولد الأكبر لعائلة مؤلفة من 7 أطفال. وعندما تم القبض عليه برفقة المجموعة التي بصحبتهم، اضطر للكذب خوفاً، وأخبرهم بأنه برفقة عائلته«. وكنتيجة لذلك فقد تم احتجازه بمخيم مغلق لمدة أسبوعين قبل أن يتم نقله إلى مخيم هارمنلي. أكدت جورج بألا أحد يعرف شيئاً عن هذه الحالة، وقد عرفت تلك القصة عندما تمكنت عائلة الصبي من الوصول إليه في بلغاريا.
وأضافت جورج: «لا تتم مناقشة هذه الحالات غالباً رغم حدوثها المتكرر، ولكنني أستطيع التحدث عن هذه الحالة تحديداً لأنني التقيت بعائلته». قصة باصر لا تختلف كثيراً. إذ قامت والدته «المزيفة» بالكذب على الشرطة لحمايته، بعد ذلك عاشت مع باصر لمدة ثمانية أيام في مخيم بوسمانتسي المغلق قبل أن يتم نقلهم إلى مخيم فيونا رامبا المفتوح. وهم يسافرون سوية منذ مغادرتهم أفغانستان، وبالنسبة للحكومة البلغارية باصر هو ابن هذه المرأة رسمياً. «قد تتطلب طلبات اللجوء، والمقابلات، والتقييمات، أسابيعَ أو حتى أشهراً، بنتيجة غالباً ما تكون بنقل طالبي اللجوء إلى أماكن احتجاز غير قانونية، تتعارض مع قانون حقوق الإنسان الدولي والأوروبي».
كان هذا ما صرحت به لـ DWكريستي ماكنيل، مديرة حملة تدعو لإنقاذ الأطفال. حماية لا اعتقال من دون توثيق، تكافح السلطات البلغارية للتعرف على الأطفال غير المصحوبين بذويهم وتأمين عائلة مناسبة لهم لرعايتهم، ملحقة بإجراءات محددة لا تشمل الاحتجاز. وإن أي طفل وحيد محتفظ به من قبل شرطة الحدود البلغارية، سيتم نقله حتماً إلى مركز استقبال مفتوح. وفقاً للقانون، فإن الممثل القانوني الذي يضمن للأطفال الوصول إلى حقوقهم كالتعلم والصحة يجب أن يكون قريباً من الطفل.
على كل حال، وطالما أن انتقاء هؤلاء الأوصياء يتم عشوائياً من بين موظفين محليين، فلن تُجدي هذه الطريقة نفعاً، ولن يتمكن الأطفال من الاعتماد على هؤلاء الأوصياء أو مقابلتهم كثيراً. في نهاية المطاف، من الملائم أكثر أن يتم تسجيل الأطفال القاصرين مع عائلات وهمية لتسهيل إجراءات الترحيل. كما توضح إليانا سافوفا، مديرة البرنامج القانوني للاجئين والمهاجرين للجنة هلنسكي البلغارية، «في ظل التشريع العام المتعلق بالمهاجرين، تم حظر اعتقال الأطفال غير المصحوبين مع أهاليهم، في عام 2014». وتضيف لـ DW: «ينص القانون ذاته على أن هؤلاء الأطفال القاصرين مع ذويهم -الذين يحاولون تجاوز الحدود بشكل غير قانوني- يسمح باحتجازهم بهدف ترحيلهم».
ووفقاً لليديا ستايكوفا، التي تعمل كمتطوعة أيضاً مع سايدي جورج في مخيم هارمنلي، فإن اللاجئين الأفغان يواجهون عدداً لا يحصى من التحديات للوصول إلى البلدان الأوروبية وطلب اللجوء هناك. فقد كانوا يعيشون ظروفاً سيئة في بلد مزقتها الحروب كل حياتهم، فلم يحظوا بفرصة للتعليم. وذلك أحد أهم الأسباب التي تدفع بأشخاص مثل ستايكوفا وجورج إلى تعليم الأطفال اللغة الإنكليزية. إذ قد يتمكن هؤلاء الأطفال بوصولهم إلى بلغاريا، من تعويض القليل مما فاتهم من تعليم على الأقل، وفي الوقت ذاته، تأمل المعلمات بذلك في إبعادهم عن المهربين، وبالتالي حمايتهم من خطر محتمل.