x

مكاوي سعيد بيرم التونسى وصبيانه: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم! (5) مكاوي سعيد السبت 27-08-2016 22:11


العودة الثانية لبيرم إلى وطنه «مصر» كانت فى يوم 8 إبريل 1938، وكان الملك فؤاد الذى جلده بيرم بلسانه قد توفى قبلها بعامين (29 إبريل 1936)، وتولى ابنه فاروق مملكة مصر خلفا له، لكن ليس معنى هذا أن أسباب إبعاد بيرم عن مصر أصبحت غير ذات قيمة، فأخت فاروق «فوقية» من زوجة فؤاد الأولى «الأميرة شويكار» سبق أن هجاها بيرم فى شهر عسلها، وكذلك هجاء أم فاروق «نازلى» أيضاً، و«لسن» على قدومه هو بذاته العليا إلى الحياة مبكراً، لذا إن تغاضى الملك فاروق عن وجود بيرم بمصر، ثم العفو عنه (يقال إن الملك فاروق أصدر له عفواً شفهياً وقابلته أم كلثوم خصيصاً لشكره على ذلك) مسألة تثير الريبة، فأقل حاكم تنال أسرته مثل هذه الإهانات كان سيقتل قائلها، أو يلقيه فى جب مدى الحياة! وللأسف لم يوافنا أى محقق تاريخى بأسباب مقنعة ومنطقية لما حدث، وأتمنى أن يحدث ذلك قريباً.

وفيما بعد فى منتصف الأربعينيات حتى ما قبل وفاة بيرم، سيعانى بيرم (كما ذكر فى مذكراته) من الزجالين المصريين الذين تحكمت فيهم الغيرة تحكماً دفعهم إلى اتخاذ القصيدة التى مدح فيها فاروق فى بضعة أبيات، والقصائد التى هجا بها النحاس مطية للحط من منزلته وتشويه صورته، وقد رد بيرم فى مذكراته على هذه الانتقادات، بأنه أقدم على هجاء النحاس ثأراً لنفسه، لأن النحاس اتهمه فى فرنسا تهمة تسببت فى حرمانه من عمل مريح وأعادته إلى صفوف البطالة! وأشار إلى أنه مدح فاروق قبل أن يطغى فى الحكم، وعندما لم يجد حلاً آخر يمكنه من الإقامة بمصر بعد غربته الطويلة. والجدير بالذكر أن الأبيات التى مدح بها فاروق كانت من قصيدته الشهيرة «غلبت أقطع تذاكر»، وهى تقول: (أقول لكم بصراحة اللى ف زماننا قليلة.. ما شفت يا قلبى راحة فى دى السنين الطويلة.. إلا أما شفت البراقع واللبدة والجلابية.. يا مصر نور الوسامة ساطع وباين شروقك.. لحن السلام والسلامة الدنيا سمعاه فى بوقك.. والجو فوقه ابتسامة زى ابتسامة فاروقك.. تحوم عليها الملايكة وتنطق الإنسانية).

ومن الشعراء الذين لمعت أسماؤهم فى عالم الغناء أثناء نفى بيرم.. محمد عبدالمنعم، الشهير بـ«أبو بثينة»، وفتحى قورة، غير أن العملاق بيرم عاد، وبداية من عام 1939 غزا المسرح والسينما والإذاعة وتولى صياغة الكثير من أغنيات الأفلام الغنائية والاستعراضية التى راجت إبان الحرب العالمية الثانية (من 1939-1945)، كما تعامل مع أسمهان وكوكب الشرق «أم كلثوم» التى قدم لها أخلد أغنياتها فى هذه الفترة، منها (أنا هويت- الأهات- أنا فى انتظارك- حبيبى يسعد أوقاته). وهذا الاكتساح (البيرمى) ما كان ليمر دون أن يثير مشاعر الغيرة فى نفوس بعض الشعراء، لكن التنفيس عن هذه المشاعر لم يكن يتطلب أكثر من فرصة مناسبة. وقد تولى بيرم تقديم الفرصة بنفسه فاشتعلت المعركة!

وكتاب «معارك فنية» من إصدارات «كتاب الهلال» للدكتور نبيل حنفى محمود، يرصد هذه المعركة بالتفاصيل، وسنوجز وقائعها التى بدأت فى أحد احتفالات مصر بعيد الجلوس الملكى (6 مايو من كل عام)، وفى احتفال الإذاعة بهذه المناسبة ألقى أبو بثينة زجلاً على الهواء مباشرة أثار به الدهشة، فبعد تهنئة ملك البلاد استعطفه للعفو عن بيرم بقوله: (مولاى بيرم أساء لنفسه فى عهد جهله.. وتاب ونال الجزاء اعطف عليه لجل أهله.. مالوش أمل أو تمنى غير إنه يوم قبل موته.. فى عيد جلوسك يهنى ولصوتنا يضم صوته). واستشاط بيرم غضباً لمبادرة «أبو بثينة» التى لم يطلبها منه، وبث شكواه لأصدقاء «أبو بثينة»، الذين أكدوا له صفاء نية «أبو بثينة»، بينما يدرك بيرم تماماً أن ما فعله المذكور بمثابة «تسليم أهالى»، فهو يذكّر فاروق بوجوده فى البلاد دون عقاب، أو على الأقل يعلن للناس أنه أمير الزجل الذى يتوسط لأحد أتباعه. وانتظر بيرم الفرصة للثأر ولم ينتظر طويلا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية