سوف ترى من الإخوان!

محمد حبيب السبت 20-08-2016 21:52

يتكون مكتب الإرشاد العام للتنظيم الدولى للإخوان من ١٣ عضوا، منهم ٨ أعضاء من مصر، أى من البلد الذى يوجد فيه المرشد، والباقى موزعون على سوريا، تونس، الأردن، والكويت.. فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى، أراد الأستاذ عمر التلمسانى المرشد العام للإخوان أن يستكمل أعضاء المكتب المصريون الأربعة (مصطفى مشهور، أحمد الملط، حسنى عبدالباقى، وعباس السيسى) بأربعة آخرين.. وقد وقع اختيار الرجل - بعد استشارته لبعض الإخوان - على المأمون الهضيبى، عبدالستار فتح الله سعيد، سالم نجم، ومحمد حبيب..

كنت فى أسيوط عندما اتصل بى هاتفيا عبدالمنعم أبوالفتوح وقال لى إن الوالد (يقصد عمر التلمسانى) يريد أن يراك يوم كذا الساعة كذا فى بيته.. فى اليوم الموعود سافرت بعربتى الخاصة إلى القاهرة.. ولوجود حادثة فى الطريق، تأخرت عن الموعد حوالى ساعتين ونصف.. كان الرجل فى انتظارى.. لاحظت أن البيت الذى يسكنه فى غاية التواضع، فالصالة فارغة ليس بها أى أثاث، وأرضيتها مغطاة بحصير بلاستيك، والمكان الذى استقبلنى فيه هو شرفة البيت المغلقة.. كان يجلس على «دكة»، فرش عليها «فروة» خروف، وأمامها «دكة» مماثلة جلست عليها.. قال التلمسانى: لقد سألت أبوالفتوح عن واحد من الإخوان له شخصيته ونظرته وقدرته على السباحة ضد التيار.. فدلّنى عليك.. وأنا أريد أن تكون معنا عضوا بمكتب الإرشاد العام.. فما رأيك؟ قلت: هذا لا يحتاج إلى رأى، وإنما إلى تكليف. رد قائلا: نحن لا نكلف أحدا.. فهذه مسؤولية كبيرة لها تبعاتها وتكاليفها.. صمت قليلا، ثم قال: لا أريد أن يأتى اليوم الذى تقول فيه إنك كلفت بهذه المسؤولية.. أريد أن تفكر طويلا، وأن تأخذ قرارك. قلت: غدا بإذن الله آتيك فى مثل هذه الساعة، إن كان هذا يناسبك؟ أجاب: نعم يناسب. وفى اليوم التالى، التقيته وأخبرته أنى قبلت القيام بالمسؤولية. قال: بايع إذن، فبايعت. قال: يا دكتور.. أنا أعلم أنك شديد على إخوانك. قلت: ماذا تقصد بالشدة يا أستاذ عمر؟ قال: إنك تريد أن يكون الإخوان على درجة عالية من الانضباط، ثقافة وحركة وسلوكا..

وهذا غير ممكن.. يا دكتور سوف ترى من الإخوان ما لا تراه من غيرهم! قلت: وماذا أفعل ساعتئذ؟ قال: تصبر عليهم. ثم حكى لى - وهو المرشد - بعضا مما يعانيه على يد الإخوان. كان الأستاذ عمر يستقبل أعضاء مكتب الإرشاد فى شرفة بيته التى استقبلنى بها.. يعرض علينا رؤوس الموضوعات التى سوف نناقشها فى هذا اللقاء، مرتبة حسب أهميتها، ويسألنا هل من موضوعات يمكن أن تضاف؟ ثم يبدأ بالموضوع الأول فيشرح ماهيته، وعناصره، وهكذا.. يعطى الكلمة للعضو الجالس عن يمينه، ولا يبدى أثناء كلمته مدحا أو قدحا، وكأنما وضع على وجهه قناعا.. بعد ذلك، يعطى الكلمة للثانى، فالثالث، وهكذا.. وكان الدكتور أحمد الملط يستدرك عليه قائلا: قل لنا رأيك يا أستاذ عمر، فيرد بقوله: طالما كان هناك إجماع على رأى، فهو الرأى الذى أتبناه.. لقد كان النبى (ص) يقول لأبى بكر وعمر (ض): لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما.. كان التلمسانى ذا أخلاق عالية، وأدب جم، ولسان عف، فضلا عن مروءته وشهامته ووطنيته الخالصة..

أتذكر أنه كان يوما مدعوا لإلقاء محاضرة بدولة الإمارات، ولما انتهى من كلمته سأله أحد الحاضرين عن رأيه فى الرئيس السادات، خاصة فيما يتعلق باتفاقية «كامب ديفيد»، حيث كان معروفا عنه معارضته لها.. كان واضحا أن السائل يريد منه أن ينال من السادات، لكن التلمسانى أجاب بحسم: ليس من الرجولة أن أعيب على السادات هنا، وعندما أكون فى مصر، سوف أقول رأيى بمنتهى الصراحة والوضوح.. فأين منه هؤلاء الذين هربوا إلى الخارج، واستثمروا وجودهم فى أمريكا وأوروبا ليحرضوا على مصر بهدف زعزعة أمنها واستقرارها؟ لقد كان التلمسانى شخصية فريدة، لا ولن تتكرر.. رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به فى مستقر رحمته.