العدل وحده لا يكفى «1»!

نصار عبد الله السبت 20-08-2016 21:43

أحد الكتاب المعروفين، كتب منذ أيام مقالاً عن سوء أحوال الموظفين الحكوميين، خاصة بعد إحالتهم إلى المعاش، واستشهد فى ذلك بحالة موجه أول فى وزارة التربية والتعليم، أحيل إلى التقاعد بمعاش قدره 1200 جنيه شهرياً، بعد أن كان راتبه ثلاثة آلاف، كانت تكفى أسرته بالكاد بعد أن يضاف إليها راتب زوجته التى تعمل فى وظيفة مدير عام بإحدى القرى السياحية، مما اضطره بعد التقاعد أن يعمل فرداً للأمن يرتدى ثوباً أزرق اللون، ويقضى فى كشك الملاحظة اثنتى عشرة ساعة يومياً براتب قدره ألف وثلاثمائة جنيه لعلها نواة تسند الزير كما يقال، ومع هذا فإن الموجه الأول الذى أصبح فرد أمن ذا ثوب أزرق أسعد حالاً من الكثيرين من موظفى الدولة الذين لم تتح لهم بعد تقاعدهم مثل تلك الفرصة التى أتيحت للموجه الأول..

المقال الذى كتبه الكاتب المعروف مقال صادم وصادق، أوهكذا يبدو لمن يفترضون حسن النية، ولا يعرفون شيئاً عن التوجهات السياسية للكاتب، والجهات والقوى التى يصب فيها حصاد سائر مقالاته تقريباً!!، فهو دائما يضع إصبعه على جراح شديدة الإيجاع، ويعرضها على نحو يجعلها تبدو وكأنها مجرد حصاد لحقبة ما بعد 30 يونيو 2013، ومن يراجع مقالات ذلك الكاتب فى الفترة ما بين يونيو 2012 ويونيو 2013 سوف يتبين أنه لم يتعرض لتلك الجراح ولم يتكئ عليها، ولم يحاول أن يقترب منها أو يمسها إلا مساسا عابرا، وكأنما هى قد زالت من الوجود طيلة فترة حكم الإخوان!! أو كأنها لم تكن قد نشأت بعد! رغم أنها موغلة فى القدم، وقد كانت دائما- ومازالت- تدمينا، والأرجح أنها سوف تظل كذلك إلى أن يحدث تغيير جذرى، لا يتمثل فى إرساء دعائم العدل التوزيعى فقط، وإن كان من المتوجب أن يكون العدل التوزيعى واحداً من محاوره الأساس! فإذا عدنا إلى مقال الكاتب سالف الذكر، وجدنا أنه يشير إلى أن الجهاز الحكومى المصرى يضم قطاعات واسعة ممن يتقاضون الحد الأدنى أو ما هو دونها أو ما هو قريب منها فى حين أن هناك فئة محظوظة يزيد فيها راتب الموظف على عشرة آلاف جنيه، وقد يصل أحيانا إلى أضعاف هذا الرقم، وهو ما يشكك فى رأى الكاتب فى صدقية مقولة شح الموارد!

محاولاً بذلك أن يوحى أن السبب فى سوء أحوال الموظفين هو الخلل فى عدالة توزيع الأجور والرواتب عليهم، وبالتالى فلو أعيد التوزيع بشكل أكثر عدالة فسوف تنصلح أحوال الموظفين المطحونين!!..

وبالطبع لو حدث ما يشير إليه الكاتب فسوف يطرأ بالقطع تحسن ما على أوضاع المطحونين لكن هذا التحسن سوف يكون طفيفاً جداً إلى الحد الذى لا تتغير معه أحوالهم تغييراً يذكر، أما الذين سوف تتغير أحوالهم بالتأكيد فهم المحظوظون المدللون الذين سوف يهبطون إلى مستوى «مطحونين»، وبذلك يصبح الجميع فى الطحن سواسية!!.. بذلك يتحقق العدل (بمعنى ما) فى حين ستبقى أوضاع الموظفين الحكوميين دون حل!! ولتوضيح ذلك بالأرقام نقول إن عدد الموظفين فى الجهاز الحكومى يبلغ سبعة ملايين موظف تقريباً، بينما يبلغ عدد الموظفين المحظوظين الذين يزيد راتب الواحد منهم عن عشرة آلاف جنيه ومضاعفاتها نحو خمسين ألف موظف، فإذا افترضنا أن الدولة قد هبطت بمرتباتهم جميعا إلى الحد الأدنى المقرر قانوناً للأجور وهو 1200 جنيه شهرياً، فإن هذا سوف يوفر للخزانة العامة ما بين 1 و1.4 مليار جنيه شهرياً، فإذا أعيد توزيع هذا المبلغ على جميع موظفى الدولة فإن نصيب كل منهم سوف يتراوح ما بين 140 و200 جنيه، ولا أظن أن هذا المبلغ هو الذى سوف يرقى بتصنيف المرء من مطحون إلى ميسور!!.. وللحديث بقية.

nassarabdalla@gmail.com