بيرم التونسى وصبيانه: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم! (2)

مكاوي سعيد السبت 20-08-2016 21:43

أصدر بيرم التونسى قبل نفيه إلى تونس جريدة باسم «المسلة» فى الإسكندرية، كتب على ترويستها (المسلة لا هى جريدة ولا مجلة) وكتب عددها الأول من الغلاف إلى الغلاف، وليهرب من الرقابة على المطبوعات كتب عليها «الجزء الأول» بدلا من العدد الأول، وطبع منها عدد (5000) نسخة وصدرت فى يوم 4 مايو 1919 وعلى غلافها صورة لبيرم التونسى، ونزل بنفسه ليوزعها على المقاهى وفى محطات القطار والترام وعلى أصحاب الدكاكين وفى دواوين الحكومة، وفى بضعة أيام تحمس أهل إسكندرية لهذه الجريدة التى تهتم بمشاكلهم الخاصة وتدافع عن حقوقهم العامة ضد المحتل الإنجليزى وعملائه من المستوزرين. وتصدرت العدد الأول قصيدة نقد سياسى نأخذ لكم منها هذا الجزء (بعت عفشى وبعت ملكى وبعت بابى.. والطاحونة والحمار والبطانية، اسأل البنك العقارى وبنك رومة.. تعرف المبلغ وشيكات العزومة).

العدد الثانى من المسلة صدر من القاهرة بعد أن نقل بيرم نشاطه الصحفى إلى القاهرة ليكون قريبا من الأحداث بعد سفر سعد زغلول إلى باريس لعرض قضية البلاد. وفى هذا العدد شن بيرم هجوماً شديداً على الشيخ «محمد بخيت»، مفتى الديار المصرية، لمعارضته سفر سعد زغلول واختلافه مع وجهات النظر الوطنية. فقد كان بيرم فى غاية التفاؤل بأن ينجح سعد زغلول فى مسعاه وتستقل مصر، لذا كتب فى العدد ذاته زجلاً يهنئ فيه مصر (يا بت نلت استقلالك.. وهل هلالك.. جل جلالك.. رغم العزول)، وبمجرد صدور العدد ثار عليه الشيخ بخيت وأصدر بياناً يتهم فيه بيرم بالكفر والإلحاد! ووصفه أنصار الشيخ بالمارق، لكنه لم يهتم باتهاماتهم ومضى فى طريقه يصدر الأعداد المتتالية مكتسبا أعداء جددا حتى وصل إلى العدد (13) الذى شن فيه هجوماً زجلياً رهيباً على السلطان فؤاد وابنه فاروق، وعلى إثر ذلك أصدر السلطان أمرا بالإغلاق إلى الأبد، فهل يتعظ بيرم ويلم نفسه؟ قطعا لا. عاند بيرم السلطان وأصدر صحيفة أخرى باسم «الخازوق» وبمجرد صدور عددها الأول أغلقت أيضا وصدر القرار بنفيه.

وحكاية الأزجال التى تسببت فى ترحيل بيرم من المهم الإلمام بها لنتعرف على الأجواء المصرية فى عشرينيات القرن الفائت. كانت قد سرت شائعات فى مصر عن علاقة عاطفية بين «الأميرة فوقية» ابنة السلطان فؤاد (الملك فؤاد فيما بعد) وحسين باشا فخرى «محافظ القاهرة آنذاك». وتضيف الشائعة أن محافظ القاهرة رفض طلب السلطان بالزواج من الأميرة! واقترح أن يتزوجها شقيقه «محمود باشا فخرى» وكان يشغل منصب سفيرنا فى فرنسا، وتم الأمر كذلك!. وتلقف بيرم الشائعة وكتب زجله الشهير «البامية السلطانى» ونشره فى المسلة، وبدأ الزجل بالبيتين التاليين: البنت ماشية من زمان تتمخطر.. والغفلة زارعة فى الديوان قرع أخضر

تشوف حبيبها فى الجاكتة الكاكى.. والست خيل والقمشجى الملاكى

وبعدها بضعة أبيات لا نستطيع ذكرها هنا، حتى يصل إلى ما يهدف إليه فى البيت التالى:

الوزة من قبل الفرح مدبوحة.. والعطفة من قبل النظام مفتوحة

وانتشرت القصيدة انتشاراً مفزعاً، ولم يتخذ السلطان موقفاً، ربما حتى لا يزيد النار اشتعالاً!، وربما لأن بيرم تونسى من الرعية الفرنسية ولا يريد السلطان الصدام معها!.. ما علينا.. هل يحمد بيرم ربنا ويسكت لأن الأمر مر بسلام!.. بيرم لم يعودنا على ذلك فمجرد أن رزق السلطان «فؤاد الأول» فى 11 فبراير 1920 بابنه البكرى «الأمير فاروق» وتناقلت الجماهير المصرية منشوراً يتضمن تعريضا بمولد الأمير لأنه- على حد زعم المنشور- حدث قبل تمام سبعة أشهر من الزفاف. تلقف بيرم المنشور وصاغه زجلاً ليردده الناس فى كل مصر، وحرص هذه المرة على ألا ينشره. وجاء فيه:

اسمع حكاية وبعدها هأهأ.. زهر الملوك فى الولد أهو طأطا

مالناش قرون كنا نقول مأمأ.. وناكل البرسيم بالقفة

ثم اتبع ذلك بزجل نشره فى المسلة بعنوان «البامية السلطانى والقرع الملوكى» أفظع مما سبق وطرد بعده على الفور.