كتب محمد العريان كبير الاقتصاديين في أليانز في مقال لوكالة بلومبرج الإخبارية، يوم الجمعة الماضي عن تأثيرات الأوضاع الاقتصادية الحالية على استثمارات صناديق التقاعد العالمية، وشبه العريان التأثيرات الاقتصادية العالمية على خطط استثمارات التقاعد كأنها خطر سفينة «التيتانك»، قائلا إن الإخفاقات البشرية أسقطت سفينة كان يعتقد أنها غير قابلة للغرق، إذ إن هذه القصة المأساوية تعكس في نهاية المطاف ما قد يؤول إليه نظام التقاعد العالمي.
وفي ظل غياب التعديلات العاجلة، يمكن لنظام التقاعد العالمي أن يسقط على غرار سفينة التيتانك، فإن العديد من الأفراد يواجهون خطر عواقب وخيمة على غرار السفينة المذكورة، والذي مروا بأوقات عصيبة للحصول على قوارب النجاة مثلهم كذوي الدخل المتوسط والمنخفض من قطاعات السكان فهم الأكثر عرضه للخطر.
وبالتزامن مع أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، وأسعار الأسهم والسندات في مستويات تاريخية، فأصبح من الصعب على نحو متزايد إيجاد استثمارات آمنة تساعد في ضمان تقاعد مريح، مما وضع مديري صناديق التقاعد وغيرها من المؤسسات التي تستثمر نيابة عن المتقاعدين في المستقبل في موقف صعب، الأمر الذي قادهم لاتخاذ مخاطر أكبر من أي وقت مضى على أمل تحقيق أهداف أداء أفضل في المستقبل، إلا أن هذه الأهداف يصعب تحقيقها في غياب إصلاحات رئيسية في السياسات الاقتصادية وآفاق الشركات. ونتيجة لذلك يزداد تعرض الأفراد لخطر الخسائر التي لا يمكن تداركها سريعا.
وتتحقق درجة الأمان في الاستثمار طويل الأجل التي يمكن الاعتماد عليه من خلال ثلاثة عناصر هي عائدات مستقبلية، ومدى الارتباط بين فئات الأصول، ومدى التقلبات التي تتعرض لها الأسواق، وفي الوقت الراهن أصبح التوقع للثلاثة عناصر أصبح أكثر غموضا.
وطرح العريان تساؤلا حول ما هي العوائد التي يمكن للمستثمرين توقعها؟ قائلا إن نشاط البنوك المركزية والتوقعات الاقتصادية الضعيفة دفعت عوائد السندات في المنطقة السلبية – مثل بريطانيا على سبيل المثال- في حين لم تعد أسواق الدخل الثابت تولد عوائد مجدية، أما في سوق الأسهم ذات العوائد العالية فلم تترك الخيار إلا لمزيد من الغضب فأصبحت أكثر تقلبا ومحفوفة بالكثير من المخاطر.
وقد يكون المستثمرون أكثر قدرة على تطورهم في استخدام الأدوات الاستثمارية لتوليد العوائد من الأدوات الأقل استخداما، لكن اختيار مدير صندوق مناسب أمر صعب، خاصة في ظل المعدلات الصفرية.
ومن حيث المبدأ، فإن المزيج الصحيح من الاستثمارات يمكن أن يوفر عائد أكبر في ظل نفس المخاطر، ولكن تعمل هذه النظرية في ظل التحرك غير المتزامن للاستثمارات، في حين أصبح الربط بين فئات الأصول في الآونة الأخيرة غير مستقر وأقل قابلية للتنبؤ.
ويدرك كبار مستثمري المدى الطويل أن تنويع المحافظ الاستثمارية – وهو الأمر اللازم دائما- لم يعد كافيا لتخفيف سليم للمخاطر، فالخطوات الاستثمارية القادمة ليست سهلة فإنها أصبحت تنطوي على التخلي عن بعض العائدات المحتملة.
وفي السنوات الأخيرة كانت البنوك لاتزال قادرة إلى حد كبير ومستعدة للتخفيف من وطأة التقلبات المالية، أما الآن فقد تغير الأمر فعلى سبيل المثال بنك اليابان المركزي أصبح أقل قدرة في حين أن آخرين مثل مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأمريكي) أقل استعدادا. وتزيد تقلبات الأسواق من تحديد قيمة العائد على الاستثمار في الوقت الذي ينتظر فيه مستثمرو التقاعد أموالهم.
وتعتمد تداعيات الوقت الراهن على صناديق الاستثمار على خطط مديري استثمار تلك الصناديق، فأولئك المديرون الذين يعانون من نقص في تمويل أموال المعاشات التقاعدية المحددة الفائدة الخاصة بالشركات أو الجمهور، هم بالفعل في مأزق صعب على وجه الخصوص، فالمطلوب منهم تحقيق عوائد عالية لتلبية أهداف الفوائد المحددة، في الوقت الذي يواجه هؤلاء أكبر الضغوط على تحمل المخاطر التي يمكن أن يكون لها آثار كارثية على تبرير خسارة الأصول المملوكة لمستثمري الصندوق.
ولتجنب الوقوع في كارثة ينبغي على صانعي السياسات ومديري الاستثمار في القيام بثلاثة إصلاحات، أولا أن يكون هناك الكثير من الواقعية في العوائد التي يمكن تحقيقها ضمن معايير تحمل المخاطر، ثانيا وضع سياسات لتعزيز الادخار والدخل لخاصة لهؤلاء الأكثر احتياجا ليكون لديهم الأموال المتاحة لوضعها جانبا للتقاعد، ثالثا أن يرتفع مستوى الشفافية حول المخاطر التي يمكن أن تتخذ بالنيابة عن مستثمري التقاعد وتقديم خيارات أقل خطورة مع الصراحة التامة حول العوائد المتوقعة.