بانقضاء ماراثون الثانوية العامة بإعلان النتيجة فى 23 يوليو الماضى، تبقى فصل قصير لحصاد الدرجات، يمتدّ على مدى 30 يوماً فقط هى المدة المسموحة لتظلُم طُلاب الثانوية العامة على أوراق إجاباتهم، والذى بدأ بإعلان محمد سعد، نائب رئيس عام امتحانات الثانوية العامة، عن فتح باب تظلُمات الطُلاب على نتائج امتحاناتهم فى الـ26 من يوليو الماضى.
وبالرغم من ذلك، فإن الطُلاب وذويهم، لا يزالون يترددون على كنترولات الثانوية العامة، لإلقاء نظرة أخيرة على أوراقهم الامتحانيّة، فى رحلة بحث عن درجة هنا، ونصف درجة هناك، مشوبة بأملٍ مُتحفِظ فى الحصول على درجاتهم المستحقّة، فى جولة تصحيح ثانية لأوراق إجاباتهم، هذه المرّة فى حضورهم، وأولياء أمورهم، إلا أن كثيرين منهم يؤكدون أن التظلمات حيلة لجمع الأموال ولا ينصفهم أحد برد حقوقهم.
فى العام الماضى، تظلّم على نتيجة الثانوية العامة ما يزيد على الـ60 ألف طالب على نتائجهم، وطالبوا بالكشف على أوراقهم الامتحانية، وتسجيل ملحوظاتهم على أداء المصححين فى المواضع المخصصة لذلك فى استمارات التظلُم، حصل 2493 طالباً منهم على نصف درجة، وحصل 3514 منهم فقط على درجة واحِدة، فيما حصل 396 طالباً على درجة ونصف الدرجة فقط، وحصل 387 طالِباً على درجتين، بينما حصل 101 طُالب على درجتين ونصف الدرجة، و82 آخرون على 3 درجات، ولم يحصل على أكثر من 3 درجات غير 66 طالباً فقط.
أمام مدرسة السنيّة الثانوية، يُنادى بائع نماذج الإجابة على أولياء الأمور والطُلاب الوافدين على الكنترول المركزى فى المدرسة، يشدد البائع على أولياء الأمور أنهم سيحتاجون نماذِج إجاباته، والتى تُعَد مصدَر رزقه على مدى 30 يومًا فى العام هى مُهلة التظلُم، لمطابقتها بكراسات إجابات أبنائهم، يتجاهَل ولى أمر نداء بائع «فَرشَة» نماذج الإجابات، ليعود بعد قليل وقد حدد محتويات حقيبته الشرائية، المُطابقة لعدد استمارات التظلُم على المواد فى حوزته.
«نموذج فيزياء، ولغة عربية»، هكذا يحدد ولى أمر طلباته، ليتنبّه صاحب «فَرشة» نماذج الإجابات إلى أن نماذج إجابات امتحان الفيزياء المصوّرة أوشكت على النفاد، حيث تُعَد مادة الفيزياء أكثر المواد التى يقبل الطُلاب على التظلُم عليها، حسب وزارة التربية والتعليم، قبل أن يُعاجِله زميل مُجاور بإشارة محفوظة، تُفيد بأن رقيب الشُرطة المسؤول عن المنطقة فى الطريق، الأمر الذى يشى بإيذان موعِد إزالة الإشغال عن الطريق، أو الاستعداد للتراضى مع ممثل السُلطة التنفيذية.
شعبان السيد أحمد، ولى أمر أتى فى صُحبة ابنته، طالبة الشُعبة العلميّة، الحاصلة على 97% كمجموع كُلى، وبالرغم من أن طبيعة عمله، كمُدرس بوزارة التربية والتعليم، تقتضى أن يكون مُدركا لبُعد احتمالية أن تحصُل ابنته المتفوّقة على أى درجات أُخرى، إلا أنه قرر خوض التجربة.
يرصُد شعبان، الأب والمُدرِس، الإطار شديد التحديد، الذى ينُص عليه القانون، ويسترِد الطالب وفقه درجات فى جولة إعادة التصحيح «القانون بيقول الطالب يحصُل على درجاته فى حالة وجود خطأ بيّن فى التصحيح، أو خطأ فى رصد الدرجات بإغفال تجميع جزئيات مُجاب عنها»، الحالات التى يتمنّى شعبان أن تنطبق على ابنته، التى تُسجِل ملاحظة عابِرة «أكيد وزارة التربية والتعليم مش هتدين مُدرِس بالإهمال فى التصحيح، غير أن أى تظلُم لطالب حاصِل على مجاميع فوق الـ90% لا ينظَر له بجديّة»، فى حين يؤكِد والدها أن كل ما يترجّاه من رِحلة التظلُم المُطوّلة والمُكلِفة تِلك، هو نصف فى المائة مُستحقة لابنته، تفتح أمامها مجال كُليات الطب البشرى فى التنسيق، وتُجنِبها الاضطرار للاغتراب، للدراسة فى إحدى كُليات الطب بالأقاليم.
تُشارِكه مها حسين، وليّة أمر لطالب بالشُعبة العلميّة، التوجُس بشأن درجات ابنها الحاصِل على 95% فى مادة الفيزياء، غير أن الفيزياء لم تكُن موضِع تظلُم مها الوحيد، حيث قررت الوالدة التقدُم باستمارات تظلُم عن الفيزياء، واللغة العربيّة، واللغة الإنجليزية، والأحياء، الأمر الذى يترجَم بدوره إلى ميزانيّة مبدأية وقدرها أربعمائة جنيه، هى سِعر رسوم التظلُم المواد الأربعة مجموعين، فضلاً عن ميزانية مُستقِلة أُخرى للمواصَلات من محل سكنهم بالفيوم، إلى الكُنترول المركزى بالقاهِرة، وللمديرية التعليميّة التابِع لها، لسحب استمارة التظلُم، تمهيدًا لتسديد رسوم التظلُم لحساب وزارة التربية والتعليم، بفروع البنك الأهلى المصرى، لدعم وتمويل المشروعات التعليمية.
وعلى النقيض من شعبان ومها، الباحثين لأولادهم عن درجة أو نِصف درجة، من شأنها «تحويل المسار»، على حد تعبير شعبان، لاختيارات أبنائهم التعليميّة، تصطحب أُلفت السيّد، الموظّفة بمحكمة الفيوم، ابنها، إلى القاهِرة، بدافعٍ مُختلِف، حيث تُلزم نتيجة ابنها، الراسب فى 3 مواد، أن يُعيد العام الدراسى كاملاً، التجرِبة التى تُشفِق أُلفت على ابنها منه، وتتمنى ألا تتكرر، بما تحمله من توتُر، وضغط عصبى.
لا يُبالى ماجِد عاطف، ولى أمر طالبة بالشُعبة العلمية، والحاصِلة على 96%، بأى رسوم سيتكبّدها فى مقابِل أن تحصُل ابنته على درجاتها، والتى بالرغم من مجموعها الذى يتعدى حاجز الخمس وتسعين درجة مئوية، لم تلحَق بتنسيق المرحَلة الأولى»مش بندوّر والله على 100 جنيه ترجع ولا غيره، أنا مُمكِن أدفع قدّهم، ومُرتّب الشخص اللى هيصحح المادة، وكل التكاليف المطلوبة بس ماحدّش يقولّى دى وجهة نظر المُصحح، فما يحدث حيلة لجمع الأموال، لكن لا ينصفنا أحد».
قال الدكتور محمد عُمر، مُدير صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليميّة، إن وزارة التعليم، عهدت إلى الصندوق بإدارة عملية التظلُمات ماليًا، منذ 3 أعوام تقريبًا، نظرًا لامتلاك الصندوق نظاماً إدارياً مستقلاً عن الوزارى، ومُحكَماً، قادِراً على إجراءات تحصيل الرسوم بكفاءة، فضلاً عن إدارة عمليّة ردّها للطُلاب، فى حالات صحّة التظلُمات، واستحقاق الطُلاب لدرجات.
لا يستطيع عُمر، تحديد إحصاء واضِح لحصر استمارات تظلُم الثانوية العامة العام الجارى، وتحديد حجم أموال التظلُم التى ستصُب فى «دعم وتمويل المشروعات التعليميّة» إلا أنه يُحدد ميزانيّة العام الماضى بوضوح: «دعمت تظلُمات الثانوية العامة المشروعات التعليمية العام الماضى بـ19 مليون جنيه أنفقناهم على «تجديد المدارس»، فيما رددنا لطُلاب مُستحقين درجاتهُم العام الماضى 900 ألف جنيه فقط».