عمليات إسرائيل السرية لتهجير اليهود من مصر

كتب: أحمد بلال الجمعة 12-08-2016 20:53

قبل قيام إسرائيل، اعتبرت الحركة الصهيونية مصر مركزًا مهماً لها، ومحطة انطلاق للعديد من اليهود الصهاينة، سواء المهاجرين أو المقيمين فيها إلى فلسطين. وهى الهجرة التى تمت بشكل طوعى بحت، بل كان اليهود المهاجرون يخاطرون فيها بحياتهم لمغادرة مصر. وبعد قيامها، عملت تل أبيب على تهجير يهود مصر، عبر منظمات سرية أشرف عليها ضابط المخابرات الإسرائيلى إبراهام دار، المعروف باسم جون دارلينج، والذى قام بعملية نوعية أثناء العدوان الثلاثى خدع فيها اليهود من سكان القناة، بلغة وملابس عسكرية فرنسية، وسفن إيطالية، قبل أن يفاجأ من وافقوا على مغادرة بورسعيد، أنهم فى إسرائيل.

فى شهر إبريل من عام 1946، غادر اليهودى الصهيونى أليكس شيانين، مصر. بعد أن تلقى تدريبًا عسكريًا سريًا على يد صهاينة فى قرية صغيرة بضواحى الإسكندرية. فى إحدى نشرات مركز أبحاث تراث يهود مصر، التابع لجامعة تل أبيب، والتى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها، روى شيانين قصة هجرته من مصر بإرادته، يقول: «المجموعة كانت فى التدريب حوالى 55 عضوا، كلهم عمرهم حوالى 19 سنة. تم أخذنا فى ليلة لمعسكر كبير، وهناك كان 3 أعضاء من أرض إسرائيل يلبسون ملابس مدنية، أقسمنا اليمين لمنظمة الهاجاناة، وتعهدنا بالحفاظ على الأسرار».

يضيف شيانين: «لم يشعر أحد منا بالأسف، خلعنا ملابسنا المدنية، ولبسنا الملابس العسكرية للجيش البريطانى.. ركبنا شاحنات الجيش، سافرنا حتى وصلنا للإسماعيلية على شاطئ قناة السويس، ومن هناك أوصلتنا سيارة مدنية حتى الحدود المصرية– الفلسطينية». أثناء سفره، كتب أليكس شيانين، كيهودى صهيونى، رسالة وداع لـ«الأمة المصرية» التى عاش بها 19 سنة عزيزة وجميلة كما يقول، جاء فيها: «سلام لك يا مصر، نغادرك للمرة الثانية، والنهائية. كنت أرض مولدنا، ولكنك لست الوطن. كان لنا حياة رائعة فيك، بدون خوف أو رعب أو كره.. كانت طفولتنا رائعة وحصلنا على تعليم جيد جداً، ومعظمنا حصل على شهادات عليا بنجاح».

شهادة أليكس شيانين، كشخص يمثل شريحة من الصهاينة اليهود المصريين أو الذين عاشوا فى مصر، ليست الوحيدة، فثمة شهادات أخرى توثق لهجرة هذه الشريحة من اليهود برغبتهم، وبدافع أيديولوجى، دفعهم لتشكيل منظمات سرية تعمل على تهريب يهود من مصر بأموالهم، تعمل تحت قيادة ضابط المخابرات الإسرائيلى، إبراهام دار، والمعروف باسم جون دارلينج. ومن بين هذه الشهادات، التى حصلت عليها «المصرى اليوم»، شهادة إيلى مايو، التى أدلى بها فى مؤتمر استضافته جامعة تل أبيب، لليهود الذين هاجروا من بورسعيد، والتى وثق فيها دوره كناشط فى منظمة صهيونية سرية تهدف لتهجير اليهود بأموالهم من مصر.

بعد قيام إسرائيل تواصلت عمليات تهريب اليهود من مصر، تحت إشراف الدولة الوليدة. وفى عام 1956، كانت واحدة من هذه العمليات، التى كشف عنها ضابط المخابرات الإسرائيلى، إبراهام دار، فى مؤتمر لـ«يهود بورسعيد»، نظمه مركز أبحاث تراث يهود مصر، وتم توثيق شهادته فى تقرير يتضمن تفاصيل العملية، حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه، يقول: «قضية اليهود (المصريين) كانت مهمة (فى الإعداد للحرب)، توجهنا لشاؤول أفيجدور، فى الموساد وطلبنا التدخل للمساعدة فى إخراج اليهود من مصر. اتفق مع الفرنسيين أن يضعوا قوات تحت سلطته من أجل أن نتمكن من تحقيق كل أهدافنا، وأرسل لوفا إلياف كمسؤول عن الاهتمام باليهود، وفى 9 نوفمبر خرجنا بطائرة خاصة».

يدلى إلياف بشهادته عن العملية قائلًا: «عندما وصلنا المدينة كانت مليئة بالانفجارات والقتلى، كان المنظر صعباً، بدأنا نقلق على أمر اليهود، وجدنا أنفسنا بملابس عسكرية فرنسية ومعنا سلاح، سألنا عن منطقة اليهود، كنا خائفين جداً، رأينا المنطقة ورأينا المعبد، كان هذا اللقاء مع إيلى مايو.. كونا خلية استطاعت الوصول للطائفة اليهودية، كانوا يعرفون أننا فرنسيون حيث لم نخبرهم أننا إسرائيليون».

وأضاف إلياف: «أردنا أن نصل لنقطتين: النادى اليهودى والمعبد، أردنا أن نعرف عدد اليهود الموجودين وإذا كان من الممكن عمل اتصال معهم، وإذا كان من الممكن أن تتطور العلاقة لعلاقة جيدة من أجل معرفة من الذى كان يريد الخروج».

يواصل ضابط الموساد الإسرائيلى شهادته عن العملية: «قلنا إننا قادرون على إخراجهم فى جماعات منظمة، اعتقدنا أننا يمكننا عمل ذلك عن طريق البر. لكن فهمنا أن هذا غير ممكن، فقررنا إخراجهم عن طريق البحر. توجهنا لسلاح البحرية، وطلبنا سفينتى صيد، واخترنا سفينتين تحملان العلم الإيطالى. كنا قد جمعنا اليهود فى نقطتين: النادى اليهودى والمعبد. العلاقة كانت جيدة واليهود كانوا منضبطين، وتم نقلهم إلى سفن الصيد، التى اتجهت إلى حيفا». وبحسب خريطة تنفيذ العملية، فإن خلية الموساد الإسرائيلى هبطت مع القوات الفرنسية فى مطار جميل ببورسعيد، ثم تمركزت فى معسكر للمخابرات الفرنسية فى بورفؤاد، حيث أجرت أول اتصال لاسلكى مع تل أبيب. وفى 10 نوفمبر أجرى إبراهام دار وإلياهو إلياف، اتصالًا مع الحى اليهودى، حيث استخدم مسؤول الاتصال معهم المعبد للتواصل، ونجح فى الفترة من 11 إلى 16 نوفمبر فى إقناع يهود الحى بالهجرة.

فى هذه الأثناء تم إجراء عدة محاولات فاشلة للاتصال بقوة أمامية للجيش الإسرائيلى فى سيناء، تتولى نقل اليهود إلى فلسطين برًا، وبعد فشل المحاولات أجرت خلية الموساد اتصالًا لاسلكيًا بقوات البحرية فى 16 نوفمبر. وفى ليلتى 16: 17 نوفمبر تم تجميع اليهود فى المعبد والنادى اليهودى، ونقلهم بشاحنات فرنسية لزوارق فى مجرى القناة.

وفى مساء 17 نوفمبر التقوا سفينتى صيد إسرائيليتين وتم رفع العلم الإيطالى عليها للتمويه ومنحهما اسمى «كاستيلا ماره» و«أفروديستا»، وتم نقلهم للسفن التى أقلتهم شمالًا. بملابس عسكرية فرنسية، وسفن تحمل العلم الإيطالى، نفذ الموساد الإسرائيلى عملية خداع لتهجير اليهود من مصر، إلى جهة لم يعلمها على الأقل عدد كبير ممن تم تهجيرهم إلا بعد وصولهم إلى حيفا، واستيعابهم فى المعسكرات الانتقالية، هناك أجرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، لقاءً مع بعض المهاجرين الجدد، فى ديسمبر 1956، ليخبرها أحدهم: «مصر بلدنا، وليس لنا بلد آخر، آباؤنا كانوا هناك، منذ زمن طويل، بالضبط مثل أى فرد من المسلمين».