لانزال للأسف الشديد نرى فى مصر كرة القدم مجرد بطولات ومباريات محلية وأفريقية وأهداف هنا وهناك.. وليس صحيحاً كل ما نقوله ونزعمه فى بلادنا عن كرة القدم واعترافنا بها كصناعة وعلم وتجارة ومؤسسات سياسية ونفسية واجتماعية ودعائية.. أيضا لانزال فى مصر نرى الدورات الأوليمبية مجرد ميداليات نحلم بها نحن ويفوز بها غيرنا..
وننسى أو ربما نجهل أصلاً أن كل دورة أوليمبية هى دنيا أخرى فيها الرياضة والحرب والدين والثقافة والسياسة والمطامع والقادة والمزيفون والضحايا أيضا.. كل دورة أوليمبية هى حزمة دروس خصوصية مجانية لمن يحتاج ويريد أن يتعلم وليست مجرد ألعاب سباقات وميداليات وفائزين وخاسرين كما نراها نحن.. وعلى سبيل المثال سعدنا كلنا بميداليتى سارة ومحمد لمصر فى رفع الأثقال فى دورة ريو دى جانيرو الحالية.. وعدنا من جديد للحديث عن الميدالية الأوليمبية التى تحتاج لتكلفة تصل إلى المليون دولار، ولأننا فقراء فى الدولارات أصبحنا فقراء فى الميداليات، وكل هذا الكلام الساذج المكرر والمعاد.. ولا يعرف الكثيرون منا بالطبع أن مصر فازت بأول ميداليتين وبعدها بيوم كامل فازت سويسرا بأولى ميدالياتها فى الدورة وكانت لفابيان كانسيليرال فى سباق الدراجات.. ولم يقل أحد هناك إن سويسرا تأخرت فى سباق الميداليات لأنهم هناك فى الأصل لا يعدون قبل السفر ويصبحون كرماء للغاية فى الأحلام والوعود، ولا يذهبون لأى دورة بورقة وقلم لحساب عدد ميدالياتهم هم وغيرهم..
كما لا يعرف كثيرون منا أيضا أن مسؤولى الحكومة البريطانية ولجنتها الأوليمبية ألغوا دعم منتخب كرة السلة الذى ليس من المنتظر فوزه بأى ميدالية وقرروا تخصيص الدعم لمنتخب الدراجات البريطانى.. فحتى الدول الغنية تفكر قبل قرارها أين تضع أموالها الأوليمبية.. كما لن يستوقفنا أيضا مشهد لاعبة الشيش الإيطالية أليزا دى فرانشيسكا بعد فوزها بالميدالية الفضية ووقوفها على منصة التتويج وهى تحمل علم الاتحاد الأوروبى وليس العلم الإيطالى وإهدائها هذه الميدالية لضحايا باريس وبروكسل الذين اغتالهم الإرهاب والتطرف.. ودعت أوروبا كلها للتوحد ضد الإرهاب..
وأحببت فقط أن أهدى هذا المشهد لمن لايزالون فى مصر يصدقون مزاعم الفصل بين الرياضة والسياسة.. ولن أتحدث عن بعثات اللاجئين والمهاجرين الذين لم يعودوا فى حاجة لأعلام وأسماء بلدانهم تمهيدا للعقاب والاستبعاد الأوليمبى لأى بلد مستقبلاً يتمرد سياسياً..
أما المشهد الآخر فهو لاعبة مصر المحجبة للكرة الطائرة الشاطئية التى لم يسخر منها إلا المثقفون والأرستقراطيون المصريون باعتبارها تجسيدا للتخلف والقبح مقابل اللاعبة الإيطالية بالبيكينى، ففاجأتهم منتخبات أخرى فى نفس اللعبة ونفس الدورة بلاعبات غطين أجسادهن بالكامل مثل هولندا وإسبانيا ولكن بدون حجاب بالطبع.. ومن جديد أستعيد مشهد انزعاج شركة كوكاكولا العالمية من تصريح لاعب مصرى لم يفز بأى ميدالية، ورغم ذلك اهتمت الشركة العالمية بالرد عليه وتوضيح الحقيقة، بينما مصر كلها لا تحفل أو تهتم أو حتى تحاول الرد على كل ما يقال بشأنها فى أى وسيلة إعلام عالمية كبرى.. فهذا هو الفارق، وهكذا يبدأ النجاح أو الفشل.