3 خطوات اتخذها مجلس الوزراء، أمس الأول، أولاها زيادة سعر توريد الفلاحين للأرز، ثانيتها منع تصدير الأرز، وكذلك كسر الأرز، وثالثتها شراء مليونى طن من الأرز الشعير، من المزارعين.. وهذه الخطوات الثلاث تؤكد خشية الحكومة وخوفها من تكرار أزمة اختفاء الأرز، وبالتالى مضاعفة أسعاره، وكأن على رأسها «بطحة» وتخشى من ثورة الجياع.. لأنها هنا ستكون «ثورة الأرز» هذه المرة!! وما أدرانا ما ثورات الجوعى!!
وكل هذه الإجراءات تؤكد أننا شعب أرزى - أى من عشاق الأرز - لسبب أساسى أن الأرز هو الوحيد الذى يملأ البطن، ويشبع الجوعى.. وبأقل الأسعار، وسياسة الحكومة تقوم الآن على «ملء البطن».. وبالذات من هذا الطعام النشوى قليل التكاليف نسبياً، وتابعوا لتعرفوا سر عشق المصريين لطبق الكشرى على الإفطار.. والغداء.. ولا مانع عند العشاء!! ثم نجد طبق الأرز يتصدر مائدة أو طبلية الطعام لكل المصريين، سواء أضافوا إليه الشعرية، أو لسان العصفور، وكذلك يأكله المصرى مسلوقاً، أى أرز أبيض، أو بإضافة أى محسنات للشكل والطعم.. ورغم أنه نشوى إلا أن المصرى يعشق بجواره صينية البطاطس المحمرة بالفرن، حتى ولو «أرديحى»، أو بأجنحة الدجاج.. أما سعيد الحظ فيأكلها مع دبوسيات الفراخ!!
والمصرى برع تماماً فى استخدام الأرز، يعنى مع حلة الأرز يفضل أطباق الأرز باللبن.. أو المهلبية باللبن.. وإن كان المصرى ابتعد عن أى مسكرات كحولية برعت بعض الشعوب فيها، مثل اليابانيين الذين صنعوا أفضل مشروباتهم الكحولية من الأرز، وهو الساكى!! أو مثل أبناء اليونان الذين صنعوا منه شراب الأوزو، وهو أيضاً من المشروبات الكحولية المسكرة!!
وربما يكون طبق الكشرى هو الأرخص، والأرز يمثل المكون الرئيسى فيه مع المكرونة والعدس والحمص والتقلية.. والشعرية.. وكان المصرى حتى سنوات قليلة يملأ بطنه بقروش لا تتعدى ثلاثة قروش.. الآن يحسب سعر الكشرى بالجنيهات.
ولعشق المصرى لما يملأ بطنه.. كان يكسر القوانين.. ولا ينفذ تعليمات الحكومة، بالذات فيما يتعلق بتحديد المساحة التى يزرعها بالأرز كل عام.. حتى ولو استخدمت الحكومة أسلوباً عقابياً على شكل غرامات مالية.. أو مصادرة.. أو حرمانه من زراعته فى السنة التالية.. ولا يطمئن المصرى - على مدى تاريخه - على أسرته إلا إذا كان يملك خزيناً محترماً من الأرز.. ومن القمح، ولم يكن منطقياً بالمرة تحديد المساحات التى تزرع بالأرز، بالذات فى كل شمال الدلتا.. فالأرز هو الوجبة الأساسية مع أى غموس!! وللأسف عندما كانوا يشرحون لنا مزايا مشروع السد العالى، كان فى مقدمة المزايا أننا سنتمكن من زيادة مساحة الأراضى التى نزرعها أرزاً.. ترى ماذا نفعل مع مشروعات السدود الإثيوبية؟! ورغم أن الشعب الإيطالى عاشق صبابة للبيتزا.. وللمكرونات.. إلا أنه أيضاً يعشق الأرز، ولا أنسى هنا فيلماً كان من أوائل الأفلام الواقعية الإيطالية، هو فيلم «الأرز المر» لكوكبة من أجمل نجمات إيطاليا، أول الخمسينيات.. وبالذات فى حوض نهر البو.
ولا ننسى هنا شعوب شرق وجنوب شرق آسيا.. وأيضاً سكان حوض نهر الميسيسبى، وبالذات فى ولاية لويزيانا.. وحتى المكسيك.. وكلها من أفضل زراع الأرز فى العالم.. ولكن الأرز المصرى له طعمه المميز، حتى وإن كانت نسبة النشا فيه عالية، إلا أن إسبانيا - مثلاً - وهى منتجة ومصدرة للأرز، أخذت أنواعاً من الأرز المصرى وزرعتها عندها.. وتقوم بتسويقه على أنه أرز مصرى!! ورغم أن مصر كانت تصدر كميات كبيرة من الأرز إلى مختلف دول العالم، إلا أن قرار الحكومة بمنع تصديره هذا العام كان ضرورياً.. فما تحتاجه بطون المصريين أهم من عائدات تصديرنا لهذا الأرز.. ويكفى أن سعر الكيلو تضاعف فى الشهور الأخيرة، إلا أن المصرى كان مستعداً ليدفع أكثر وأكثر.. حتى يشبع أولاده.. وتمتلئ بطونهم.
■ ولا ننسى هنا أن المصريين من أصحاب أكبر الكروش فى العالم، ربما بعد الهولنديين أنفسهم، وسكان شمال ألمانيا.. بسبب عشقهم للأرز ومكوناته، ويا سلام على حلة أرز أبيض مع شبار مشوى مبطرخ عند أبناء سواحلنا من بورسعيد شرقاً إلى الإسكندرية غرباً، مروراً بدمياط.
■ واللافت للنظر أن عندنا من يفضل حشو الحمام بالأرز - مع التوابل - أكثر من تفضيلهم لحشوه بالبرغل، أى القمح قبل تمام نضجه، بشرط أن يكون الحلو: طبق أرز باللبن أو مهلبية وعليهما بضع قطرات من ماء الزهر أو ماء الورد.. والحمد لله أننا لم نصنع منه الساكى أو الأوزو.. أو نعرف «العرقى» من دبس التمور كما عرفته العراق، ومن قديم الزمان.