فى ذكرى مرور 500 سنة بعد يوم القيامة

جمال الجمل الإثنين 08-08-2016 20:10

(1)
يعتقد البعض أن القيامة قامت فى مثل هذه الأيام قبل 500 سنة بالتمام والكمال، ويعتقد غيرهم أن ما حدث قبل 5 قرون فى «معركة مرج دابق» كان مجرد «بروفة» لم تسفر عن نهاية العالم، لأن الشروط لم تكن قد اكتملت، أما حالياً فهى فى طريقها للاكتمال، ولهذا فإنهم يستعدون للقيامة الآن فى سوريا.

(2) القصة ليست خرافية تماما، لكنها خليط من الميثيولوجيا والأديان والنبوءات التى تستهوى البشر على مر العصور، ويعتمد هذا الخليط على تفسيرات متباينة فى اليهودية والمسيحية والإسلام على السواء، تتحدث عن معركة فاصلة بين الخير والشر يتحالف فيها الروم (العالم المسيحى) ضد المسلمين، وينتهى بعدها العالم، وقد ذهبت تفسيرات تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) إلى أن تلك المعركة الفاصلة هى التى بدأت بوادرها فى سوريا، ولابد من تهيئة الأجواء لها، والاحتشاد فى «الأعماق» فى ريف حلب، وتحديدا فى دابق.

(3) دابق الأولى وقعت فى أغسطس 1516 بين العثمانيين والمماليك، وهذا أهم أسباب فشل القيامة، لأنها كانت بين سلطنتين إسلاميتين ولم تكن بين المسلمين والروم، وهذا ما انتبه له «الداعشيون»، فقرروا أن يركزوا فى السيطرة على «دابق»، رغم عدم أهميتها العسكرية فى المعركة ضد نظام بشار الأسد، وهذا يوضح أن معركتهم فى سوريا ليست مجرد معركة سياسية أو عسكرية ضد نظام حكم، لكنها معركة كونية بين الخير والشر.. بين المسلمين والكفار، ولهذا اكتسبت «دابق» دلالة عقائدية ومعنوية، دون النظر إلى الحسابات العسكرية والموقع الاستراتيجى، وبالتالى صارت نقطة تجمع للجيوش التى ستتصدى للكفار وتنتصر عليهم، وتهيمن على العالم كله حتى تقوم القيامة.

(4) عندما أصدرت «داعش» مجلتها الرسمية باسم «دابق»، تعبيراً عن رؤية ومواقف «دولة الخلافة»، اهتم العالم الغربى نفسه بالدلالة الرمزية والعقائدية للاسم، وبدأ ينظر للدوافع والمحرضات الدينية التى صارت قوة تحريك وتوجيه كبيرة للمعركة فى سوريا، وربما كان هذا الإصدار مفتاحاً لتحولات درامية فى ملف الأزمة السورية، فقد فوجئ المشاهدون فى الغرب بمحلل بارز لشؤون الأمن القومى الأمريكى (بيتر بيرجن) يظهر على قناة CNN ويتحدث بجدية شديدة عن «نبوءة دابق» و«يوم القيامة»، وكأن العالم الحديث عاد طائعا إلى العصور الوسطى!

(5) تَذَكَّر الناس فى الغرب الكتب والنبوءات التى تتناول ما سُمِّى فى الغرب «المسيحية الصهيونية» أو «معركة هرمجدون»، أو عودة المسيح الدجال وسلسلة أفلام (The Omen)، وتعنى البشارة أو النبوءة، رغم أن السينما قدمتها باعتبارها «الإنذار» و«اللعنة»، لكن الحديث عن «دابق» أقحم الإسلام فى القصة التوراتية، وتم التوسع فى تأويل أحاديث منسوبة للرسول الكريم، أحدها ورد فى صحيح مسلم، وآخر رواه أبوهريرة، واستند إليه تنظيم داعش فى حشد قواته للمعركة الفاصلة، ونص الحديث: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق (أو بدابق)، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض (..)، فيقاتلونهم، فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتَل ثلث وهو أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح ثلث، لا يُفتَنون أبداً..» إلخ.

(6) لا أقصد من هذا المقال مناقشة الجانب الدينى للنبوءة، لكن محاولة قراءة أوجه الشبه بين مرحلتين خطيرتين من المراحل الانتقالية فى تاريخنا، وفى تاريخ العالم، ففى دابق الأولى سقطت مصر كدولة كبرى، وتحولت إلى ولاية تابعة وذليلة للباب العالى الذى انتزع الخلافة من مصر، وفرض على شعبها حصار التجويع والإفقار والتخلف، وفى دابق المنتظرة، يواصل داعش حربه العقائدية تحت تأثير الهوس بحلم «دولة الخلافة»، فهو لا يخشى تحالف العالم ضده، بالعكس إنه يريد أن يزداد عدد الدول المشاركة فى التحالف إلى 80 دولة لتبدأ النبوءة فى التحقق. ويعتمدون فى ذلك على حديث رواه الحاكم فى «المستدرك»، والإمام أحمد فى مسنده، وجاء فيه أن «الرسول تحدث عن سلام زائف مع الروم، وغدر بعد مصالحة، وقال صلى الله عليه وسلم:.. فيغدرون، فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً»، والمقصود 80 راية تحت كل راية 12 ألفاً، ولهذا يتعجل داعش الحرب البرية، يهلل قادته مع انضمام كل دولة جديدة إلى التحالف، ويرفعون شعار «دابق موعدنا»، يسترخصون الدم وأرواح الناس، ويستخدمون الدين فى مقامرة توظيف سياسى وعسكرى تهدد مصير أمم بشرية (معظمهم من المسلمين)، بعد أن تسبب جشع وضعف حكام هذه الأمم فى الحال المأساوى الذى تعيشه المنطقة.

والقصة مستمرة...

tamahi@hotmail.com